البحوث القرآنية (16) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
البحوث القرآنية (16) 

اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

 القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد (عليهم السلام ) فيما اسروا وما اعلنوا وفيما بلغني عنهم ومالم يبلغني ، الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة وازكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق اجمعين سيدنا محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم اجمعين الى قيام يوم الدين .. آمين

محطّات في بحور الاعجازات القرآنية ..

مازلنا في هذه المحطه من محطات بحوثنا القرآنيه وهي المحطه التي تتعلق بوجوه الاعجاز في القرآن الحكيم ، مازلنا نبحر محاولين الوصول الى بعض شواطئ ذلك الاعجاز البلاغي العظيم في هذا الكتاب العزيز .  وقد سبق منا التنبيه على أنّا لانتمكن من أن نحيط بكل تلك الأوجه والجوانب الاعجازيه إلا أنّ مانتمكن أن نقوم به هو مجرد محاوله لتلمس هذا البيان الساحر وللوقوف على بعض تلك الجوانب البلاغيه الاعجازيه .


البداعة البلاغية في تفريق المجتَمِع ..

نقول هنا إنّ مما يلاحظ في القرآن الحكيم وهو من جملة بدائعه بداعة تفريق المجتًمِع عادة والاقران بلحاظ معنى مشترك في نظم يحافظ على الاسلوب او على الوزن القرآني .  جرت عادة فصحاء وبلغاء العرب انهم في سياق كلامهم يجمعون مابين المجتمِع عاده الذي يصب في معنى واحد ، وجرت عادتهم كذلك على أن يقرنو الالفاظ بعضها ببعض إذا كانت تصب في معنى واحد او لها قدر من معنى تشترك فيه .

الذي يفاجئنا في القرآن الحكيم أنّ تلك العاده في الجمع يعاكسها القرآن في التفريق ، وتلك العاده في التفريق يعاكسها القرآن في الجمع بلحاظ معنى مشترك مع المحافظه على الوزن القرآني ذاته ، وهذه من اوجه البداعه في القرآن الحكيم بل من اوجه الاعجاز .  قد يحسب القارء مثلا لبعض الايات أنّ فيها اختلال من جهة المعنى لما جرت عليه عادة الفصحاء والبلغاء من جمع المعاني ذات المعنى الواحد او المشترك ، فيجد أنّ القرآن قد فرق بينها وصار تقديم وتأخير ، فيظن بأن هذا كلام ليس جاريا على اصول وقواعد البلاغه ، وكأن هذا الكلام قد شذّ عن تلك الاصول والقواعد .

فإذا قد يرمين في الوهله الاولى بأنه ليس بكلام بليغ فضلا عن أن يكون معجزا ، لكنه إذا تأمل اكثر وتدبّر اكثر فسيكتشف معنى عظيما كان غائبا عن ذهنه ، وهذا المعنى هو من وراء جمع هذا المتفرق .  عادة في كلام العرب وكلام فصحائهم وبلغائهم أنّ من وراء هذا الجمع للمتفرق قدرا من معنى مشترك يتّجه اليه ، وكذا إنّ الاقران بين المتفرق وجمعه معا هو بلحاظ ايضا معنا او قدرا مشترك من معنى آخر استلزم هذا الجمع او الاقران ، وكل ذلك يسير مع طور المحافظه على الوزن القرآني الخلاب .. هنا الاعجاز
ابحار في معجزة بلاغية قرآنية .. في سورة طه

هذا وجه من وجوه الاعجاز في النظم القرآني والتركيب القرآني الذي لانجد له نظيرا في غيره من الكلام دعونا نضرب هنا مثلا ..

نحن نقرأ في سورة طه قوله ( تبارك وتعالى ): { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}  ،  تأملو هنا في هذا الوزن القرآني العجيب ودعوه الى جانب فإن كلامنا ليس فيه كلامنا في شيء آخر ..  قد يعترض بالقول لماذا جمع الله ( تبارك وتعالى )بين قوله { أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا } وبين قوله فيها { وَلَا تَعْرَى } ؟

في حين اخّر قوله في قوله { وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } ، مع أنّا لو اردنا أن نجرى على اصول وقواعد البلاغه لكان ينبغي الجمع والاقران بين الجوع والضمأ .  الجوع يلازم الضمأ عادتا ، الجوع هو من الطعام والضمئ هو من الماء والسوائل ، وعاده مايقال في كلام العرب انا جائع ، ضمئان ، المناسبه انما هي بين هاتين اللفظتين وهذين المعنيين لكننا نفاجئ أنّ الله ( عز وجل ) يقول : { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} ايّة مناسبه بين الجوع والعري من اللباس ؟

انما المناسبه بين الجوع وبين الضمأ فلماذا جعل هنا جمعا او اقرانا بين الجوع والعري ؟هذه في الآيه الاولى الآيه {119} من سورة طه ، قال ( عز وجل ) : { وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} ، تضحى اي تحترق من اشعة الشمس من الضحي فأيّة مناسبه بين الضمأ وبين الضُحي ايّة مناسبه ؟

بين أن يضمأ الانسان وبين أن يضحى ان يحترق او يلتهب من اشعة الشمس ، انما المناسبه هي بين الجوع والضمأ وبين العري والضحى .هنا المناسبه لاحظو لعلّ قائل يقول انه كان ينبغي ان تكون الآيه على هذا النحو "إنّ لك أن لاتجوع فيها ولاتضمأ" ، لأن الجوع يلازم الضمأ ، وانك لاتعرى ولاتضحى لأن العري هو الذي يكشف البدن امام اشعة الشمس الحارقه خصوصا في جزيرة العرب ، فتؤدي الى أن يحترق البدن او يتأثر او يصاب بما يسمى بضربة الشمس او بالتأثيرات السلبيه للشمس هذا كله بسبب انه لايغطي جلده وبدنه بلباس يقيه هذه الاشعه الشديده .

فالعجب هنا انه كيف فرّق بين هذا المجتمع عاده واقرن بين المتفرق عاده !هنا قد يقول من لابصيره له ومن اعتاد فقط على كلام شعراء وبلغاء العرب أنّ هنا خلل في الكلام وإنّ هذا الكلام مخالف للبلاغه ولقواعدها ولاصولها .  الله (سبحانه وتعالى ) أخّر قوله { تَظْمَأُ }، مع أنّ حقه التقديم ، مراعات للبلاغه إذ كان ينبغي أن يقرن بالجوع { إِنَّلَكَأَلَّاتَجُوعَفِيهَاوَلَاتَعْرَى} ، اكو مناسبه بين الامرين الجوع والضمأ .

صحيح العطش وجوع البطن وهنالك مناسبه ايضا بين العري والضحي وهو التعرّض للشمس بما يؤدي الى احتراق جلد البدن ، هنالك مناسبه ، فأيّة مناسبه بين الجمع او الاقران بين الجوع والعري ؟ هنا تنافر لامناسبه بين الامرين وكذلك ايّة المناسبه بين الاقران بين الضمأ والضحى ؟ماالمناسبه بين قوله { وَأَنَّكَلَاتَظْمَأُفِيهَاوَلَاتَضْحَى } ؟ هو امر يتعلق بالعطش بتناول الماء وشربه وبين التعرض لأشعة الشمس ؟

ذاك يتعلّق بما يكون عليك من البدن ، من لباس البدن اما الاول فيتعلّق بـافتقارك للطعام والشراب وكذلك الحال مع المقطع الاول او الآية التي سبقتها {ِ إنَّلَكَأَلَّاتَجُوعَفِيهَاوَلَاتَعْرَى } هذا امر يتعلق بالبطن فماالمناسبه بين ذلك وبين { لَاتَعْرَى} ، وهذا امر يتعلّق باللباس ؟هكذا قد يقول من لابصيره له ومن لايتأمل جيدا ويتوهم أنّ هذا الكلام مخالف للبلاغه .

لكن إذا امعن النظر فإنه يتجلى له معنى عظيم كان غائبا عن ذهنه ويعلم أنّ هاهنا اقران وتفريقا بلحاظ جوامع معنويه وفوارق معنويه جائت في هاتين الآيتين الكريمتين بما تفوّق على بلاغة العرب وحافظ في الآن نفسه على الوزن القرآني العجيب ، لأنه إن كان قال هكذا "إنّ لك أن لاتجوع فيها ولا تضمأ لأخل بالوزن لأن الوزن كله ينتهي بالالف الالف المقصورة هذه .  { وَإِذْقُلْنَالِلْمَلَائِكَةِاسْجُدُوالِآدَمَفَسَجَدُواإِلَّاإِبْلِيسَأَبَى * فَقُلْنَايَاآدَمُإِنَّهَذَاعَدُوٌّلَّكَوَلِزَوْجِكَفَلَايُخْرِجَنَّكُمَامِنَالْجَنَّةِفَتَشْقَى[لاحظ الوزن ولاحظ منتهى الآيات ] * إِنَّلَكَأَلَّاتَجُوعَفِيهَاوَلَاتَعْرَى * وَأَنَّكَلَاتَظْمَأُفِيهَاوَلَاتَضْحَى} .

فلو انه قال إنّ لك أن لاتجوع فيها ولاتضمأ وانك لاتعرى ولاتضحى لكان هنالك في وسط هذه الايات ما هو قد اخل بذلك الوزن وبتلك الفواصل ، فقد يقول قائل هنا ممن لابصيره له انه انما قدّم لاتعرى على لاتضمأ مراعات فقط للوزن والفاصله ومنتهى الآيات وخواتيمها ، قد يقول هكذا ولكن التأمل والتفكر يقودنا الى امر آخر اعجب بكثير من مجرد ملاحظة او مراعات هذا الوزن وتلك الخاتمه هو أنّ هاهنا قدرا مشتركا من المعاني اوجب او الجأ الى جمع هذا المتفرق من الالفاظ ومخالفة العاده التي جرى عليها كلام العرب .

الاقران العجيب في الآية الكريمة ..

ماهو هذا القدر المشترك من المعاني ؟لاحظو هنا انه ( تبارك وتعالى ) يقول : { إِنَّلَكَأَلَّاتَجُوعَفِيهَاوَلَاتَعْرَى } ، هنا لدينا قدر مشترك في المعنى ماهو ؟تأملو جيدا القدر المشترك هو الخلو مع التأمل ، تنتبه الى هذا القدر المعنوي المشترك .  الجوع خلو البطن من ماذا ؟من الطعام . حسنا ، { إِنَّلَكَأَلَّاتَجُوعَفِيهَاوَلَاتَعْرَى } ، العري خلو البدن من اللباس .

الجوع خلو البطن من الطعام والعري خلو البدن من اللباس ، فإذا هنا خلو وهنا خلو هذا قدر مشترك في المعنى يُجمع فيه ، او لأجله بين المتفرّق .  نعم جائت عادت العرب على أن لايجمعو بين الجوع والعري وكأنه لامناسبه بينهما ، ولكن القرآن جمع بلحاظ ذلك القدر المشترك من المعنى والذي هو الخلو فاابتكر سياقا جديدا ابتدع بديعتا جديده من بدائع اللغه خلو البطن من الطعام يماثله خلو البدن من اللباس ولذا جمع بين هاتين اللفظتين وبين هاذين التعبرين في آيه واحده { إنَّلَكَأَلَّاتَجُوعَفِيهَاوَلَاتَعْرَى } .


ثم في الآيه التي تليها يقول عز من قائل { َأَنَّكَلَاتَظْمَأُفِيهَاوَلَاتَضْحَى }  ماهو القدر المعنوي المشترك الذي استلزم اقران هتين المفردتين او هذين التعبيرين اقران بعضهما ببعض ؟  القدر المشترك هو الاحتراق ، الضمأ احتراق الفم ، والحلق من العطش هذا هو الضمأ . والضحى احتراق البدن من حرارة الشمس ، فهنا احتراق وهنا احتراق ، هذا قدر من المعنى المشترك الذي ادّى الى أن يجمع القرآن الكريم بين هذين التعبيرين يقول ( تبارك وتعالى ) : { َأَنَّكَلَاتَظْمَأُفِيهَاوَلَاتَضْحَى } لاتحترق فيها اي في الجنه من العطش لايحترق باطنك من العطش كما انك لاتضحى لايحترق ظاهرك من العطش .هنالك في قوله { إِنَّلَكَأَلَّاتَجُوعَفِيهَاوَلَاتَعْرَى } لايخلو باطنك من الطعام كما لايخلو ظاهرك من اللباس ، باطن وظاهر فيهما خلو فجمع بين المتفرّق لأجله .

هناك ايضا باطن وظاهر فيهما احتراق فجمع لأجلهما بين المتفرّقهذا ماسمّي في الاصطلاح بالترصيع .انه هنالك ترصيع في الكلام من فنون البديع القرآني بالذات ترصيع الكلام ، جمع بين المتفرقات بقدر مشترك من المعاني وتفريق بين المجتمعات بقدر مشترك كذلك او بلحاظ معنى مشترك من الكلام .  لهذا لايتوجه اشكال على القرآن من ناحية بلاغته وفصاحته مطلقا حتى لو كان الامر للوهلة الاولى كما قلنا يبدو غير منسجم مع بلاغة وفصاحة العرب ، لكن مع التأمل يتجلى لك معنى جديد مع التفتيش في المعنى الكامن وراء هذا الجمع والتفريق والتقديم والتأخير وهذا السياق وهذا التركيب العجيب مع التفتيش تظهر لك . فإن لم يكن الاعجاز هو هذا الاعجاز الكلامي إن لم يكن هذا فماذا يكون ؟هذا كنموذج تحت عنوان بداعة تفريق المجتمع والاقران بين المجتمعات بلحاظ معنى مشترك مع المحافظه على الوزن القرآني كما بيّنا .

 


بداعة التصوير والخيال التعبيري الذي يهز الروح من الاعماق ..

ننتقل الى امر بديع آخر واعجوبه اخرى من اعاجيب النظم القرآني الا وهي بداعة التصوير والخيال التعبيري الذي يستقر في اعماق نفسك حين تسمعه ، فتتجلى لك المعاني بأروع صورها وكأن ريشة ساحره رسمة لك تلك المشاهد فهزّتك من الاعماق .  تأملو معي في هذه الآيه العجيبه البديعه ، هذه الآية التي وردت في سورة هود ( على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام ) ، وتتحدث عما جرى في طوفان نوح ( على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام ) ، وما بعده يقول عز من قائل : { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءكِوَيَاسَمَاءأَقْلِعِيوَغِيضَالْمَاءوَقُضِيَالأَمْرُوَاسْتَوَتْعَلَىالْجُودِيِّوَقِيلَبُعْداًلِّلْقَوْمِالظَّالِمِينَ } .

هذه الآيه الكريمه حقيقتا من جواهر القرآن الحكيم في البلاغه وقد اعجزت كل مخلوق على أن يُدانيها ولا اقول على أن يعارضها ، على أن يدانيها في البلاغه يقول الله ( سبحانه وتعالى )  :  { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءكِوَيَاسَمَاءأَقْلِعِي} اي كفي امسك ايتها السماء عن المطر عن انزال الماء .  { وَغِيضَالْمَاء} ، مامعنى غيض الماء ؟  إنّ الارض بعد هطول الامطار تجتمع فيها مياه ، هذه المياه لما تبدأ بالتناقص شيئا فشيئا والنفاذ الى باطن الارض ، هذه البرك المائيه تتناقص شيئا فشيئا كأن الارض تبلع هذا الماء تبلعه فيتحول من ظاهر الارض الى باطنها ويأخذ بالتناقص وكأنه ينشف هكذا هذه العمليه هذه الحاله تسمى غيض الماء { وَغِيضَالْمَاءوَقُضِيَالأَمْرُوَاسْتَوَتْعَلَىالْجُودِيِّ} ماهو الذي استوى هنا ؟ ماهي التي استوت ؟السفينه .

سفينة نوح ( على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام ) ، استوت على ماذا ؟استوت على الجودي والجودي يطلق على الجبل مطلق الجبل ولكن الجبل الصغيرعاده او يطلق على الارض الصلبه ، هذه الارض الصلبه التي يعني يمكن أن يستقر عليها شيء ، أن يسكن عليها شيء .

شهادة الشاعر والبليغ المصري ابن ابي الاصبغ في الآية هذه الاعجازية ..

هذه الآية الكريمه فيها ضروبا عظيمتا من فنون البديع بديع الكلام وانقل لكم شهادة خبير في ذلك وهو ابن ابي الاصبع المصري هذا رجل كان يعيش في القرن السابع تقريبا وكان شاعرا واديبا وفذا في اللغه وفي الكلام لهذا الرجل كتاب اسمه بديع القرآن هناك يتوقّف عند هذه الآيه الكريمه فماذا يقول فيها ؟

يقول لم ار في الكلام مثل قوله ( سبحانه وتعالى )  {يَاأَرْضُابْلَعِيمَاءكِ.. } الى آخر الآيه الكريمه ، يقول : فإن فيها عشرين ضربا من البديع وهي سبع عشرة لفظا !  الآية التي هي مجرد17 لفظه فيها حسب كلامه 20 ضربا اكثر من الالفاظ عشرون ضربا من ضروب البديع ، وسيأتي فيما بعد انها اكثر من ذلك لو كان تأمل اكثر لوجد ضروبا اخرى من البديع لعلها تربو على العشرات ، انا استخرجت منها بعضها مماسأضيفها فيما بعد ولكنا دعونا نكمل كلامه يقول : "لم ار في الكلام مثل قوله (سبحانه وتعالى ) : { َاأَرْضُابْلَعِيمَاءكِ} فإن فيها عشرين ضربا من البديع وهي سبع عشرة لفظه وذلك : الآن يعدد هذه الضروب العشرين من البديع ــ:

الابهار الاول من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

المناسبه التامة في ابلعيِ واقلعيِ ،{ وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءكِوَيَاسَمَاءأَقْلِعِي } هنا مناسبه بين اللفظتين ابلغيِ اقلعيِ.
الابهار الثاني من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

ثم يقول : "والاستعاره فيهما" ، كل منهما فيهما استعاره .

الابهار الثالث من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

"والطباق بين الارض والسماء" ، ارض سماء ، النسبه ماذا ؟ النسبه البديعيه ؟ طباق .

الابهار الرابع من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

"والمجاز في قوله ( سبحانه وتعالى ) : { وَيَاسَمَاء } ،هذا مجاز لما يخاطب السماء ويقول : { وَيَاسَمَاءأَقْلِعِي } لماذا ؟لأن حقيقة ذلك يامطر السماء اقلع يعني كفّ امسك يامطر السماء لا السماء ، فلماذا جعل الخطاب للسماء مجاز وهذا من فنون البديع ومحافظه على ماذا على المناسبه التامه لأنه إذا قالها هكذا "وقيل يا ارض ابلعِ مائك ويامطر السماء اقلع وغيض الماء" لما حافظ على مثل هذا الرونق وهذه الاناقه اللفظيه والمناسبه والوزن الذي نجده الآن في الآيه الكريمه حينما نقرأ { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءكِوَيَاسَمَاءأَقْلِعِيوَغِيضَالْمَاء }

لاحظو يقول : "والمجاز في قوله ( سبحانه وتعالى ) { وَيَاسَمَاء }  فإن الحقيقه يامطر السماء ، حسنا والاشاره اين الاشاره ؟ { وَغِيضَالْمَاء } فإنه عبر به عن معان كثيره ، هنالك احيانا تعبير او لفظ يستخدمه البليغ و ينطوي هذا اللفظ اشارات لمعاني شتى هنا تسمى ماذا في البديع ؟يسمى هذا الاشاره .  هنا ماذا نجد من اشارات يقول : "والاشاره في {وَغِيضَالْمَاء } فإنه عبر به عن معان كثيره لأن الماء لايغيض حتى يقلع مطر السماء" .

الماء الذي يجتمع على ظهر الارض لاينفذ الى باطنها ويغيض اي يتناقص وينشف إلا بعد ماذا ؟بعدما السماء تقلع  تمسك تكف مطر السماء يتوقّف ، وإلا إذا استمر بالهطول فإن حالة الغيض هذه او الغيضان حينما يقال غاضة الارض اي نقص ماؤها ونفذ الى الاعماق ، هذه الحاله لاتنطبق هنا لايمكن وصف الماء بهذا الوصف حينها ، فهذه اشاره الى أنّ مطر السماء قد توقف بالفعل بعد توجه الامر حين قال { وَيَاسَمَاءأَقْلِعِي} ، فاستجابة السماء فورا في قوله ( سبحانه وتعالى ) : { وَغِيضَالْمَاء} .  ولازم ذلك أنّ مطر السماء قد اقلع وامسك والسماء قد كفت عن انزال المطر قال : "لأن الماء لايغيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الارض مايخرج منها من عيون الماء فينقص الحاصل على وجه الارض من الماء" ، هذه شوفو المعاني والاشارات كلها جائت في قوله ( سبحانه وتعالى ) :{ وَغِيضَالْمَاء} .


الابهار الخامس من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

زين ايضا من فنون البديع هنا او من ضروب البديع ووجوهه يقول : "والارداف" ماهو الارداف ؟الارداف ايضا يسمى التتبيع استخدام لفظ قريب من اللفظ الحقيقي ، يعني اولا هو يعدل عن المعنى عن اللفظ الموضوع للمعنى الخاص ، يعدل عنه يستخدم لفظا آخر لايكون بالاشاره ايضا ، يستخدم لفظا آخر قريبا من ذلك اللفظ الحقيقي الذي هو موضوع لذلك المعنى خاصه ، دعونا نمثّل بمثال .  شوفو حين يقول الله ( عز وجل ) : { فِيهِنَّقَاصِرَاتُالطَّرْفِ } ، شنو يعني قاصرات الطرف ؟ ماالمراد بقاصرات الطرف ؟ المراد عفيفات بحيث يقصرن الطرف عن غير هذا الرجل الذي هو في الجنه وهن زوجاته في الجنه او حوره في الجنه ، حور عينه في الجنه فهن قاصرات الطرف اراد ماذا ؟ اراد عفيفات لما يقال امرأه هذه قاصرت الطرف اي تغض الطرف ، تغض البصر فهي عفيفه شريفه في التعبير الآن الدارج يقال امرأه شريفه هكذا ..

فبدلا من أن يقول فيهن عفيفات قال : {ِ فيهِنَّقَاصِرَاتُالطَّرْفِ } ، هنا تلاحظ ماذا؟ عدل عن اللفظ الموضوع لذلك المعنى خاصه واستخدم لفظا آخر يقرب في النطق ، في الهيئه ، في الشكل ، في مخارج الحروف يقرب من ذلك اللفظ الموضوع لذلك المعنى حقيقه عفيفات قاصرات .. هذا العمل او هذا الاستخدام يسمى ماذا ؟يسمى الارداف او التتبيع .  هنا ايضا الله ( عز وجل ) ، استخدم هذا الفن البديعي لما قال ماذا ؟ { وَاسْتَوَتْعَلَىالْجُودِيِّ} هنا ارداف تأملو لأنه ماهو مقصوده من { وَاسْتَوَتْ}؟ اولا الضمير يرجع الى ماذا ؟يرجع الى السفينه هي التي استوت ، لكن هاهنا استخدم لفظا ليس موضوعا لذلك المعنى الذي يريده .

ماالمعنى الذي يريده ؟ إنّ السفينه استقرت جلست على الجودي خلص السفينه توقفت استقرت توقفت على الجودي على تلك الارض الصلبه .  لم يقل استقرت على الجودي ، لم يقل جلست على الجودي قال : { وَاسْتَوَتْ} هنا تشابه في اللفظ استقرت وماذا ؟ { وَاسْتَوَتْ} ، جلست واستوت فهذا لفظ قريب من ذلك اللفظ فلماذا عدل عن اللفظ الموضوع لذلك المعنى خاصه وذهب الى المعنى الآخر .  هذا ارداف ، حسنا ما الحكمه ما الغايه من ورائه ؟ مزيد من المعنى اراد أن يعطي معنى آخر جديدا .  الاستواء فيه اشعار بالطمئنينه والاستقرار ، لمايُقال فلان استوى شوف لاحظ هنا التعبير استوى جالسا مو مثل إذا قلنا فلان جلس . جلس قد يبقى مضطربا في جلسته لكن حينما اقول فلان استوى جالسا هذا فيه اشعار بطمئنينته ، اشعار بالطمئنينه في جلوسه . فالله ( عز وجل ) ، لاحظو المعنى الدقيق هنا الاعجاز هنا ..

يقول :"بعد الطوفان وقيل يا ارض ابلعي وياسماء اقلعِ وغيض الماء وقضي الامر واستوت" قضي الامر يعني قضي عليه بالهلاك الذين عصوا نوح ( على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام ) ، فبعد هذه الاحداث والطوفان العظيم{ وَاسْتَوَتْعَلَىالْجُودِيِّ } . فورا ينقلك من تلك الصور الرهيبه المرعبه الى صورة فيها سكينه وطمئنينه واستقرار وهي أنّ السفينه ماذا ؟ { وَاسْتَوَتْعَلَىالْجُودِيِّوَقِيلَبُعْداًلِّلْقَوْمِالظَّالِمِينَ } ، القوم الظالمين ايضا طردوا راحوا ولّوا فلاحظو كيف ينقلك القرآن من تلك الاجواء الى تلك الاجواء .  من تلك الاجواء التي فيها ذلك الاضطراب الشديد الى اجواء فيها استقرار وطمئنينه وسكينه باستخدام ماذا ؟هذا الفن البديعي او هذا الضرب البديعي هو الارداف ولولا هذا الارداف لما تحققت هذه النقله البديعه . لو انه قال "وجلست على الجودي" او "واستقرت على الجودي"  لما ارتسم في ذهنك ذلك المعنى الذي يريده من قوله ( سبحانه وتعالى ) : { واستوت على الجودي } هذا هو الارداف .

الابهار الخامس من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

ثم يقول والكلام لإبن ابي الاصبع يقول : "والتمثيل" التمثيل اين ؟في قوله عز من قائل : { وَقُضِيَالأَمْرُ } ، التمثيل يقترب من الإرداف لكن هو يستخدم لفظا ابعد عن اللفظ الموضوع للمعنى الذي يريده خاصه ، هذا هو الفرق بين التمثيل والارداف .  الارداف انت تعدل عن المعنى عن اللفظ الموضوعي للمعنى خاصه ولكن تستخدم لفظا آخر يجانسه يقرب منه التمثيل لاتستخدم لفظا آخر تعدل ايضا عن اللفظ الموضوع لذلك المعنى خاصه ، وتستخدم لفظا آخر هو ابعد هو ابعد عن ذلك اللفظ وتريد به المعنى الموضوع ، لذلك اللفظ خاصه قوله ( سبحانه وتعالى ) : { وقضي الامر } يعني ماذا ؟ يعني قضي امر الهلاك على من؟على اولئك العصاة .

هذا تمثيل هذا تمثيل لأن الهلاك هنا غير مذكور بلفظ الموت ، والعقاب هنا والحكم على هؤلاء بالهلاك غير مذكور هنا قضاء الله عليهم بالهلاك غير مذكور فمثّل له بقوله : { وَقُضِيَالأَمْرُ} ، خلص وحذف اصلا كلمة الهلاك هذا تمثيل ايضا في الآيه ..


الابهار السادس من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

يقول : "والتعليل" ــ فيها تعليل ــ فإن غيض الماء علت الاستواء" هذي حالة غيض الماء سببت ماذا ؟ أن تستوي السفينه ، تستقر ، يطمئن اهلها لأن رعبهم انما كان من الماء المحيط بهم هذه الامواج المتلاطمه ، هذا الفيضان العظيم ، هذا الطوفان العظيم ، فلما غيض الماء نفذ الى اعماق الارض نشفت الارض استوت السفينه فهذا تعليل . "فإن غيض الماء علة الاستواء" .


الابهار السابع من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..


يقول : "وفيها ايضا صحة التقسيم فإنه استوعب فيه اقسام الماء حالة نقصه إذ ليس إلا احتباس ماء السماء والماء النابع من الارض وغيض الماء الذي على ظهرها" ، قسّم ، شوفو شلون قسّم اوجه ماحلّ في الماء من الجهات الثلاث ليس إلا احتباس ماء السماء هذا له دخاله في نقصان الماء . والماء النابع من الارض ، الماء الذي كان ينبع من الارض ونحن نعلم في الروايات او مابدأ الطوفان بدأ من الارض انه صار هنالك تفجّر في ينابع وآبار وبدأت من الكوفه ومنها وثم زاد على ذلك بمطر السماء فوقع الطوفان العظيم فإذا السماء اقلعت الارض ايضا .  هذا الماء النابع من الارض توقف وغيض الماء الذي هو على ظهر الارض فهنا قسّم هذا تقسيم بديعي اراد به اثبات حالة نقص الماء مع استيعاب كل اوجه ذلك النقص هذا يسمى تقسيم في علم البديع ..


الابهار السابع من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..


 حسنا فيه ايضا "احتراس في الدعاء" الاحتراس ايضا هو من ضروب البديع اين ؟في قوله ( سبحانه وتعالى ) : { وَقِيل َبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } لألا يتوهم أنّ الغرق لعمومه ، اي لعموم من هم الخلق انذاك "يشمل من لايستحق الهلاك فإنّ عدله ( سبحانه وتعالى ) ، يمنع أن يدعو على غير مستحق" ، الله ( عز وجل ) لم يدعو على غير المستحقين ولذا جعل هنا احتراسا { وَقِيل َبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ، "ولم يكتفِ بـ { وَقِيلَ بُعْداً} حتى يكون هاهنا تعميم قد يدخل فيه من هو غير بمذنب فيكون ذلك مخلا بالبلاغه" .

 نحن قلنا إنّ البلاغه صحيح من شروطها اختصار الكلام ما قرب طرفاهولكن لو كان قد توقّف هاهنا بداعي الاختصار لما كان هاهنا احتراس وهذا الاحتراس له مدخليّه في اثبات البلاغه ، فلو توقف هاهنا لوقع خلل في تلك البلاغه كان لابد أن يتبع قوله ( سبحانه وتعالى ) { وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} حتى يتحقق هذا الاحتراس ، الاحتراس من تشكّل معنى غير مطابق لواقع الحال انه المتلقي يقول إذا الكل قيل لهم هذا ؟ فدعا الله ( سبحانه وتعالى ) على غير مستحق إذا فحتى ينزّه المعنى الذي يرتسم في ذهنك عن هذا التعميم احترسالاحتراس البديعي وقال { وَقِي لَبُعْدا ًلِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} .

مازال هنالك اكثر من ضرب قد تبقّى من ضروب بداعة التصوير في هذه الآيه الكريمه وما زال كلام ابن ابي الاصبع له تتمه ولكن حيث ادركنا الوقت فإن نرجئ ذلك إن شاء الله ( تعالى ) الى الحلقه المقبله وصل الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم  اجمعين الى قيام يوم الدين .. آمين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp