ما المقصود من قول الفلاسفة بأن إعادة المعدوم محال؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

شيخنا الفاضل عندي سؤال يحتاج لشرح وتوضيح من سماحتكم

ماذا يقصد الفلاسفة من قولهم \" إعادة المعدوم محال \"؟ سألنا أتباع الفلاسفة فقالوا أنه لا يرتبط بالمعاد الجسماني، وأنه يعني الشيء الذي لم يوجد أصلا فكيف يعاد؟

نرجو منكم توضيح الصورة وهل أنهم يقصدون بها استحالة المعاد ولكنهم يكذبون؟

شيخنا الفاضل سألت الكثير ولكنهم لا يعطوني إجابة، فأرجو منكم رجاء حارا أن تجيبوني أو ترشدوني إلى من يستطيع مساعدتي في هذه المسائل وفي المسائل الأخرى بشكل صريح وذلك خدمة للإسلام ولكي لا يختلط الحق بالباطل

خادم الزهراء


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيد الشهداء ومولى الأحرار الإمام أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه).

جواب الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بمولانا أبي عبد الله الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) وجعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأرهم مع إمامنا المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم وعجل الله فرجه الشريف.

إن هؤلاء يكذبون أو أنهم جهلة يدّعون علمهم بالفلسفة وهم لا يعلمون، فقد ذهب جلّ الفلاسفة إلى أن إعادة المعدوم محال لاستلزامه تخلل العدم في موجود واحد فيكون المُعاد في واقع الأمر خلقاً جديداً وإلا كان خلفا.

ولكي يفلت من سمّوا أنفسهم بالفلاسفة الإسلاميين من هذا الاعتقاد الذي يبطل المعاد بمفهومه الإسلامي الذي نطقت به الآيات والروايات؛ قال بعضهم أن الموت ليس إعداماً بل انتقالاً للروح أو أنه نوع استكمال.

ومن هنا توجّه إليهم الإشكال بخصوص المُعاد والمحشور هل أنه هو هذا البدن العنصري نفسه أم لا؟ إذ لو قيل بأن إعادة المعدوم مُحال وأن الموت انتقال للروح فما السبيل لإثبات عودة هذا البدن المعدوم سابقاً في الدنيا؟ فأجاب بعضهم - كصاحب الأسفار عليه لعنة الملك الجبار - بأن المُعاد بدن إلا أنه صوري أو مثالي تُنشئه النفس في عالم الآخرة لا أنه هذا البدن العنصري المكوّن من مادة وأجزاء هذا الوجود الدنيوي بعينه! وأن المقصود من قوله تعالى: ”وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ“ ليس هو إحياء الناس كما كانوا بأبدانهم الأصلية بل إخراج أرواحهم وأجسادهم الأخروية من قبورهم البدنية! أي أن البدن هو القبر فتتحرّر منه الروح ومنها ينشأ جسم أخروي صوري مثالي، وهذا هو معنى البعث من القبور! (راجع الأسفار ج9 ص159 وهامش السبزواري فيه برقم1) وليس أصرح من قوله في اعتقاده هذا رغم مرواغاته المتعددة: ”ولا يخفى على ذي بصيرة أن النشأة الثانية طور آخر من الوجود يباين هذا الطور المخلوق من التراب والماء والطين، وأن الموت والبعث ابتداء حركة الرجوع إلى الله أو القرب منه، لا العود إلى الخلقة المادية والبدن الترابي الكثيف الظلماني“! (المصدر نفسه ج9 ص153)

وعلى هذا تدرك أنهم لا يؤمنون بالمعاد الإسلامي الذي صرّحت به الآيات والروايات، والذي مفاده أن المُعاد هو عين الأبدان العنصرية الكثيفة التي في هذه الدنيا، والمحشور من القبور هو هذه الأبدان البالية التي تُعاد إلى الحياة كما كانت من لحم وعظم.
قال تعالى: ”أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ؟! بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ“، وقال تعالى: ”وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟! قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ“ وقال تعالى: ”وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا؟! قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا! أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا؟ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ؟ قُلْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا“.
وعن هشام بن حكم في خبر الزنديق الذي قال لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: ”أنّى للروح البعث والبدن قد بَلِيَ والأعضاء قد تفرّقت؟! فعضوٌ في بلدة تأكلها سباعها! وعضو بأخرى تمزّقه هوامها! وعضو قد صار تراباً بُنبي به مع الطين حائطا! قال عليه السلام: إن الذي أنشأه من غير شيء وصّوره على غير مثال كان سبق إليه؛ قادرٌ أن يعيده كما بدأه. قال: أوضح لي ذلك. قال عليه السلام: إن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسيء في ضيق وظلمة. والبدن يصير تراباً منه خُلِق، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها فما أكلته ومزّقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ووزنها، وإن تراب الروحانيّين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مُطِرَت الأرض فتربوا الأرض ثم تمخض مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غُسِّلَ بالماء، والزبد من اللبن إذا مُخِض، فيجتمع تراب كل قالب فيُنقل بإذن الله تعالى إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها، وتلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً“. (بحار الأنوار للعلامة المجلسي عليه الرضوان ج8 ص37)

أعاذنا الله وإياكم من شر الفلاسفة والمتصوفة والعرفاء الكذبة، والسلام. السابع عشر من شهر صفر الأحزان لسنة 1430 من الهجرة النبوية الشريفة.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

ليلة 17 صفر المظفر 1430


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp