أليس وطئ المرأة بملك اليمين ظلم لها وشكل من أشكال الزنا؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك مسألة عن ملك اليمين نريد توضيح منكم في خصوص هذا المسألة وهل هذه المسألة تظلم المرأة وتعتبر شكل من اشكال الزنا؟ لان الرجل لا يتزوج المرأة وهل هذه المسألة موجوده عند الطرفين الشيعة والسنة؟؟

مهرة


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جواب الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أسعد الله أيامنا وأيامكم بالأعياد الثلاثة، ذكرى ميلاد إمامنا سيد الشهداء وإمامنا سيد العابدين وسيدنا قمر بني هاشم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

لولا أن شرّع الإسلام الأحكام التي تتعامل مع واقع الرق الذي كان سائداً في العصور الماضية؛ لما قُضِيَ عليه وانتهى. ولولا تلك الأحكام التي حفظت سبايا الحروب وحافظت على إنسانيتهن وأفضت إلى تحريرهن؛ لكان العالم اليوم يعيش أحكام العوالم الوثنية واليهودية والنصرانية في استرقاق نساء الحروب وتوظيفهن في البغاء ومعاملتهن كالحيوانات.
لقد كان الوضع السائد في تلك العصور، أن يأتي المحاربون بنسائهم معهم إلى ساحة الحرب، حتى يستبسلون في الدفاع عنهن باعتبارهن أعراضاً لهم، فلا يتراخون عن القتال أو يهربون، حتى لا تقع الزوجة والأخت والبنت في يد العدو.
فإذا انتصر فريق على فريق، حاز على تلكم النساء واستباح أعراضهن من لحظة الانتصار، كجزء من ضريبة الهزيمة، حيث كان المقاتلون يستشعرون النكاية بعدوهم المهزوم، وكانوا كوحوش بشرية تتوالى على المرأة الواحدة اغتصاباً، والدم لا يزال مسفوحاً، ثم في كثير من الأحيان كانوا يقتلون تلك النساء بعدما ينتهون من عمليات الاغتصاب الجماعي تلك، أما اللاتي كُنَّ يُستبقين؛ فكان هؤلاء يسوقوهن معهم إلى بلدانهم ليُكرهوهنّ على البغاء، لأنهم ما كانوا يقبلون أن يتزوجوهنّ أو يستولدوهنّ ليكنّ أما لأولادهم، كما كانوا لا يقبلون بأن يصرفوا عليهن مجاناً، فكان الحل عندهم أن يوظّفوهنّ في البغاء حتى يدررن عليهم المال إلى أن يهلكن.
كان هذا هو المعمول به في العوالم الوثنية واليهودية والنصرانية، أي أنه كان قانوناً جاءت به هذه الثقافات، ولم يكن الإسلام قد جاء به.
وحين بزغت شمس الإسلام، كان هذا الواقع المرير موجوداً، وكان يضطر للتعامل معه حين تقع الحروب بين المسلمين وبين أعدائهم من الكفار واليهود والنصارى، إذ كان هؤلاء على عادتهم يستحضرون نساءهم معهم إلى جبهات القتال، وحين ينتصر المسلمون ويفتحون البلدان؛ لم يكن أمام المسلمين خيار أن يقتلوا هؤلاء النسوة، فذلك لا يجوز شرعاً لأنه لا يجوز قتل المرأة. كما لم يكن أمامهم خيار أن يأسروهن ويسجنوهن للأبد، فذلك لا يجوز شرعاً أيضاً. كما لم يكن أمامهم خيار أن يعاملوهن بحسب تقاليد الكفار من تحويلهن إلى بغايا، فذلك أيضاً لا يجوز شرعاً، حيث قال تعالى: «وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (النور: 34) كما لم يكن أمامهم خيار أن يطلقوهن، لأنه لا مأوى لهن بعد قتل رجالهن وفتح بلدانهن، فكيف يُتركن هكذا طعمة للطامع بلا محامي ولا مانع؟ ومن يتكفل بهن وينفق عليهن؟
لهذا؛ شرع الإسلام لهن أحكاماً خاصة، تجعلهن في مأمن، وتحفظ كرامتهن، وتصون أعراضهن، وتلبي حاجاتهن، وتؤدي بهن إلى الهداية، وتفضي إلى أن يصرن حرائر في نهاية الأمر، بعدما يندمجن في المجتمع الإسلامي.
كان ذلك يتم من خلال الآتي:
أولا؛ نقلهن من ساحة المعركة إلى حيث يتولى الإمام توزيعهن على بيوت المجاهدين، محفوظات من أن يطأهن أحد أو ينتهك عرضهن أحد غصباً.
ثانيا؛ بعدما يستلم المجاهد الأمة منهن، فلا يجوز له وطؤها فوراً، بل عليه أن يمهلها فترة الاستبراء، وهي حيضة أو خمسة وأربعون يوماً إن لم تكن تحيض، فإن كانت حبلى فينتظر إلى أن تلد.
ثالثا؛ على هذا الذي تملّك الأمة، أن يُدخلها في بيته ويجمعها مع نسائه، ويتولّى الإنفاق عليها، وصونها، وتلبية حاجاتها بما فيها حاجتها الجنسية. ومن هنا جاز له وطؤها، لتحفظ نفسها من الوقوع في البغاء أو الزنا، ولئلا تتحوّل إلى سلعة يتداولها الطامعون، فإنها مهما يكن أنثى لها حاجة جنسية كما لها حاجة في المأكل والمشرب.
رابعاً؛ حيث أباح الإسلام للمالك أن يطأ أمته؛ فإنه يمهّد بذلك لعتقها ورجوعها حرة، وذلك لأنها تحبل بسبب ذلك، فإذا ولدت ضمنت عودتها إلى الحرية، لأنها تصير أم ولد فتتحرّر من نصيبه في الإرث، وبذلك تخرج من أسر العبودية والرق وتعود حرة كأي امرأة مسلمة أخرى، لها ما لها وعليها ما عليها.
خامساً؛ مع ذلك فإن الإسلام أباح للمالك أن يعتق أمته من اليوم الأول، ثم يتزوّجها أو يزوّجها، وجعل على ذلك أجراً وثواباً. كما أن الإسلام جعل كثيراً من الكفارات في تحرير الرقاب، فيضطر المسلم إذا ما حنث بيمين مثلاً إلى أن يعتق جاريته، وكذا إذا أفطر يوماً من شهر رمضان مثلاً.
بذلك كانت الآلاف من الجواري يعتقن سنوياً، إما بسبب العتق الاختياري، كأن يعتق ويتزوّج، وإما بسبب العتق القهري، كأن يكفّر بذلك، وإما بسبب العتق الاقتضائي، كأن تكون أم ولد قد ولدت من سيدها. هكذا حرّر الإسلام تلك النساء حتى لم يعد للعبودية والرق أثر.
وكانت فترة بقائهن في بيوت المسلمين مُضافاً إلى كل ما مرّ؛ فترة دورة عملية، يتعرّفن فيها على الإسلام وأحكامه وشرائعه وأخلاقه، فكُنَّ يهتدين ويُسلمنَ، ويندمجن تلقائياً في المجتمع الإسلامي، بل وتصير بعضهن فقيهات عظيمات، كأمهات الأئمة الأطهار عليهم السلام، فإن كثيراً منهن (صلوات الله عليهن) كُنّ إماءً أصلاً.
فبعد هذا؛ كيف يُقال أن الإسلام ظلم المرأة المسبية بذلك؟ أو أن وطأها بملك اليمين نوع من الزنا؟! أهل يكون حفظها والإنفاق عليها وقضاء حاجتها الجنسية والإعداد لعتقها ظُلما لها وزنا بها؟!
إنما ظلمها الرجال الذين كانوا يأتون بها إلى ساحات المعارك، أو الذين يتصدون للفتح الإسلامي، وكانت المرأة الكافرة التي تقبل بأن تكون عضداً لزوجها في قتال المسلمين، تحثّه وتحرّضه على ذلك؛ تهيئ نفسها للسبي إذا ما هُزِم، لأن هذا كان احتمالاً متوقعاً. وهي بنحو أو بآخر مشاركة للرجال في الجريمة، ولها نصيب من الإثم، إلا أن الإسلام مع كل ذلك لم يبح قتلها، كما لم يبح قتل الشيخ الفاني مثلاً، ولا الطفل الصغير، وإنما شرع لهؤلاء أحكاماً خاصة تنسجم مع الواقع وتغيّره مع مرور الوقت.
إذن؛ لقد تعامل الإسلام مع هذا الواقع الاسترقاقي الذي كان من نفايات المجتمعات الوثنية واليهودية والنصرانية بأرقى أنواع التعامل، وعالجه بأحسن أنواع العلاج، بما لا يكون فيه جور على أحد، ولا بخس لحق لأحد. وكان الفضل للإسلام بأن قضى على العبودية والاسترقاق مطلقاً كما نرى اليوم.

جمع الله لنا ولكم جوامع الخير في الدنيا والآخرة، والسلام. الثاني من شعبان المعظم لسنة إحدى وثلاثين وأربعمئة وألف من الهجرة النبوية الشريفة.

2 شعبان 1431


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp