هل طلب البيعة من الأنصار بعد غصب الخلافة يدل على أن بيعة الغدير غير ملزمة؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسمه تعالى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
وردت في ذهني شبهة وهي أن النص التاريخي الثابت يقول بأن الزهراء وأمير المؤمنين والحسنان سلام الله عليهم أجمعين ترددوا على بيوتات الأنصار طالبين منهم النصرة، فأجابت الأنصار أنه قد سبقت منهم البيعة لأبي بكر الملعون، وأنه لو جاءهم أمير المؤمنين قبلا لما عدلوا به أحدا، فأجابهم أمير المؤمنين بأنه كنت مشغولا بتجهيز رسول الله (ص)، وعقبت الزهراء(ع) بأنه قد فعل أبو الحسن ما كان لائقا.
والملاحظ أن أمير المؤمنين لم يجبهم - نقضا - بأنه إن كان الأمر كذلك فقد سبقت البيعة منكم لي في غدير خم، سيما وأنه ( ع) في مقام الإحتجاج وإلقاء الحجة، فلما لم ترفضوا بيعة الملعون بنفس هذه الحجة.
وبعد: فإن جواب الأنصار بهذا النحو ورد الأمير بذلك الجواب يكشف عن أحد أمرين لا ثًالث لهما :
أولهما : أنه لم تحصل مثل هذه البيعة أصلا في غدير خم .
ثانيهما : أنه حصل مثل هذا الجو في الغدير ، إلا أنه لم يفهم من ذلك بيعة لأمير المؤمنين ملزمة في عنق المسلمين ، وإنما فهم مجرد النصرة والمحبة .

محمد


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجاب سماحة الشيخ بقوله:

كلا الفرضين خطأ لأنهما يعتمدان على دقة هذا المنقول وسلامته، وليس كذلك، لأن هذا المنقول بهذا اللفظ إنما هو من رواية المخالفين، فقد رواه (ابن قتيبة في الإمامة والسياسة صفحة 19، والجوهري كما في شرح النهج ج6 ص 13)، ومعلوم أنه لا يمكن الركون إلى دقة ما يرويه المخالف ولا إلى سلامته من التصرّف، سيمّا في مثل هذه الموارد.

أما في روايات الخاصة فإن احتجاج أهل بيت النبوة (عليهم السلام) ببيعة يوم الغدير على دعوى سبق البيعة لأبي بكر (لعنه الله) فظاهر، من ذلك مثلاً ما رواه الصدوق من أن القوم قالوا للزهراء عليها السلام: "يا بنت محمد! لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي أحدا. فقالت: وهل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذرا؟!" (الخصال للصدوق صفحة 173)، ومنه أيضا ما رواه ابن شهراشوب من أنهم قالوا لأمير المؤمنين عليه السلام: "يا أبا الحسن! لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك قبل الانضمام لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان. فقال: لبيعتي كانت قبل بيعة أبي بكر، شهدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر الله بها، أوليس قد بايعني؟! فما بالهما يدعيّان ما ليس لهما وليسا بأهله؟!" (مثالب النواصب لابن شهراشوب صفحة 139).

أضف إلى هذا أنه يمكن حمل قوله عليه السلام: "أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه؟!" وكذا قول الزهراء (عليها السلام): "ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له" على أنه جواب على دعوى التأخر عن مطالبة الناس بالبيعة بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فمعلوم أن بيعة يوم الغدير كانت بمثابة البيعة بولاية العهد، وجرت العادة أن ولي العهد حيث يتولّى فعلياً فإنه يأخذ من الناس بيعة جديدة هي بمثابة تجديد لتلك لكن على أنه الآن أمير فعلي وخليفة متصرّف. وقد جرت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بيعات كان يطالب بها الناس بتجديد خضوعهم له.

كما يمكن حمل قول الأمير وسيدة النساء (عليهما السلام) على أنه جواب على دعوى التأخر عن مطالبة الناس بالوفاء بالبيعة التي كانت يوم الغدير، فلقد زعم القوم أن "الأمر يحدث بعده الأمر" وأشاعوا قعود علي (عليه السلام) في الأيام الأولى بيعة أبي بكر وإيهام الناس أنه جرى ما يشبه النسخ لما كان يوم الغدير وأن عليا (عليه السلام) سلّم بالأمر لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال بزعمهم: "لا تجتمع لنا النبوة والخلافة". ولعلّ هنا الوجه قريب بملاحظة لحن قولهم: "ولو أن زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به"، فعلقّوا الأمر على السبق. مهما يكن؛ فالشبهة منتفية.

وفقكم الله تعالى لكل خير.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

ليلة 17 من ذي القعدة 1432


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp