هل دفاع جعفر مرتضى العاملي عن الخميني ينفي عنه اعتقاده بوحدة الموجود؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

‏سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ارجو من سماحتكم التفضل باجابتنا عن بعض التساؤلات سائلين المولى عز و جل ان يحفظكم ذخرا للموالين..

المدافعين عن السيد الخميني و عقائده في وحدة الموجود يستشهدون بكلام السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه ( ابن عربي ليس بشيعي ) لتبرير اقوال السيد الخميني في ما ورد في رسالته إلى جورباتشوف ...

يقول السيد الخميني في رسالته الى غورباتشوف:

.....وإذا رغبتم فخامتكم في التحقيق حول هذه الموارد فيمكنكم أن تأمروا المختصين في هذه العلوم بأن يراجعوا إضافة إلى كتب الفلاسفة الغربيين مؤلفات الفارابي وأبي علي ابن سينا رحمة الله عليهما في حكمة فلسفة المشائين ليتضح أن قانون <العلية والمعلولية> الذي تستند إليه كل معرفة هو معقول وليس محسوساً، وليتضح أيضاً أن إدراك المعاني والمفاهيم الكلية والقوانين العامة هو عقلي وليس حسّياً رغم أن جميع أشكال الاستدلال حسّياً كان أم عقلياً تعتمد عليه.

وكذلك يمكنهم الرجوع إلى كتب السهروردي رحمة الله عليه في حكمة فلسفة الإشراق لكي يشرحوا لكم كيف أن الجسم وكل موجود مادي مفتقر إلى النور المطلق المنزّه عن أن يدرك بالحس، وأن الإدراك الشهودي من نفس الإنسان لحقيقته منزّه أيضاً عن الظواهر الحسية.

واطلبوا من كبار الأساتذة أن يراجعوا أسفار الحكمة المتعالية لصدر المتألهين رضوان الله تعالى عليه وحشره مع النبيين والصالحين لكي يتضح أن حقيقة العلم هي ذلك الوجود المجرد عن المادة؛ وأن كل معرفة منزّهة عن المادة ولا تخضع لأحكامها.

ولا أتعبكم، فلا أتطرق إلى كتب العارفين لا سيما محي الدين بن عربي، فإذا أردتم الاطلاع على مباحث هذا العظيم فيمكنكم أن تختاروا عددا من خبرائكم من الأذكياء الذين لهم باع طويل في أمثال هذه المباحث وترسلوهم إلى قم ليتعرفوا بالتوكل على الله، وبعد عدة سنين على العمق الحساس والدقيق غاية الدقة لمنازل المعرفة، ومحال بدون هذا السفر الوصول إلى هذه المعرفة.

و يبرر له السيد جعفر مرتضى العاملي حيث يقول:

إن وصف السيد الخميني قدس الله نفسه الزكية لابن عربي بالشيخ الكبير، إنما هو في سياق إطلاق اللقب العلمي عليه، إذ إن أي إنسان يكون له درجة من التقدم في علم من العلوم، كالطب، والرياضيات، والفلك، والنحو، والفلسفة، وما إلى ذلك، فإن العلماء يطلقون عليه ألقاباً تناسب موقعه العلمي، ويمدحونه على ما استطاع تحصيله من ذلك العلم، فيقولون لمن برع في الطب: إنه طبيب حاذق، وعالم علامة في الطب، بغض النظر عن انتمائه المذهبي، ـ أو التزامه الديني، أو سلوكه الاجتماعي، أو غير ذلك..

وقد وصف النبي صلى الله عليه وآله، كسرى: بعظيم الفرس ووصف قيصر بعظيم الروم..

وربما تكون الألقاب أكبر من الحقيقة، أي أنها تطلق على الأشخاص على سبيل المبالغة، بدافع التزلف، أو الحب الصادق، أو الانبهار بالشخص أو غير ذلك..

وبذلك يتضح: أن اطلاق العلماء الأتقياء للألقاب العلمية على انسان، حتى لو كان لايستحقها، لا يعني: أنه صحيح العقيدة، أو ملتزم بأحكام الشرع والدين، فضلاً عن أن يكون تقياً وورعاً..

كما أن ذلك لا يعني الموافقة على نحلته الدينية، والتزام واصفه بعقائده وآرائه.

وقد رثى الشريف الرضي أبا إسحاق الصابي، المخالف له في الدين، بقصيدته التي أولها:

أعلمت من حملوا على الأعــواد أرأيـت كيـف خبـا ضياء النادي

جبل هوى لو خر في البحر اغتدى مـن وقعه مـتـتـابـعالإزبـاد

ثانياً: إن آية الله العظمى السيد الخميني رحمه الله، قد كان بعيد النظر، سديد الرأي، وحين أرسل إلى غورباتشوف، رئيس ما كان يسمى بالإتحاد السوفياتي رسالة أشار فيها إلى ابن عربي..

فإن الظاهر: أنه رحمه الله قد لاحظ أن تلك المجتمعات كانت ولا تزال غارقة في الحياة المادية، حتى أصبحت المادة: عينها التي بها تبصر، وأذنها التي بها تسمع، وقلبها الذي ينبض، وهيمنت على فكرها وعقلها، الذي يدبر أمورها، ويهديها طريقها، وفي أجوائها نشأت عواطفها وأحاسيسها التي بها تعيش وتتعامل..

فأراد رضوان الله تعالى عليه، أن يوجه إلى الفكر المادي الذي هو مصدر اعتزاز تلك المجتمعات، والمرتكز لبناء الحياة فيها، صدمة في موقع ضعفه الحقيقي، لكي يضع أولئك الناس وجهاً لوجه مع ما يعانونه من فراغ روحي قاتل، لا بد أن ينتهي بهم لو استمر إلى الهاوية..

وقد كانت ولا تزال، تعيش في ما كان يسمى بالإتحاد السوفياتي عشرات الملايين من المسلمين المسحوقين، الذين ينتمون في أصولهم الدينية إلى طرق صوفية، تركت لها آثاراً في حياتهم، ولم تزل تراودهم ذكرياتها التي أصبحت شريدة وبعيدة..

فأطلق رحمه الله اسم «ابن عربي» الذي لمع في علم بعينه ـ ربما ـ ليثير في مسلمي تلك البلاد ـ وهم كثر ـ بعض الحنين إلى الإسلام، وإلى روحياته، وليواجه المتسلطين على الأمور، بحقيقة أن عليهم أن يفكروا بما هم بأمس الحاجة إلى أقل القليل منه، ليعالجوا به ظاهرة الفراغ الروحي الذي هو أساس بلائهم وشقائهم.

وبذلك يكون رحمه الله قد وضعهم وجهاً لوجه، ومن أقرب طريق، أمام الحقيقة التي طالما غفلوا عنها، أو تهربوا من مواجهتها، أو أغراهم عنفوانهم، ودفعهم استكبارهم إلى محاربتها..

إنه رحمه الله، حين أطلق بعض الأسماء اللامعة في مجال العرفان، والتصوف السني، إنما أراد أن يواجههم في عمق وجدانهم، وإحساسهم الفطري، وفي النقطة الأضعف، والأشد تأثيراً، ويكون بذلك قد سدد ضربته القوية للفكر المادي في عمق، وفي صميم وجوده..

فهل دفاع السيد جعفر مرتضى العاملي عن السيد الخميني منطقي و ينفي عنه اعتقاده بوحدة الموجود؟

و شكرا لكم سلفا

اخوكم ابو محمد


باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أسعد الله أيامنا وأيامكم بذكرى ميلاد سيدتنا الحوراء زينب صلوات الله وسلامه عليها.

إن هذا ليس سوى استغراق في التمحّل للدفاع عن الرجل وإنقاذه من ورطته في تمجيد أحد كبار المنحرفين النواصب والالتزام بعقيدته في وحدة الوجود والموجود، فإن وصفه لابن عربي بالشيخ العظيم لم يأتِ في سياق بحث نقضي مثلا حتى يُقال أنه جاء على ذكر اللقب تناسبا مع موقعه العلمي الطبيعي، بل أتى ذلك في سياق رسالة إرشادية الغرض منها دعوة ملحد شيوعي إلى الإيمان بالإسلام، وقد دعا صاحبها إلى أن يطلع ذلك الملحد على ”مباحث هذا العظيم“ وفي ذلك إشارة صريحة إلى احترامه له والتزامه بعقيدته وأنها هي الإسلام وإلا لكان لغوا.

ثم على فرض أن ابن عربي (لعنة الله عليه) كان قد امتلك هذا اللقب من باب مناسبة الموقع العلمي الطبيعي؛ فلماذا يقرّه صاحب الرسالة ويصفه به وهو علم من أعلام الكفر والضلالة؟! أفنحن عندما نذكر في الرسائل الفقهية رأيا لأبي حنيفة مثلا نلتزم بوصفه ”بالشيخ الأعظم“ كما يصنع ذلك المخالفون أم أننا نجرّده من أي لقب لاعتقادنا بكفره وضلاله؟! فلماذا لم يجرّد المرسِل ابن عربي من الألقاب التعظيمية والتفخيمية؟! بل لماذا أتى على ذكره أساسا وأرشد الملحد إلى كتبه مع ما فيها من الانحرافات الخطيرة إلا إذا كان ملتزما معتقدا بها؟!

لقد حرّم إمامنا الصادق (صلوات الله عليه) مجرّد الميل إلى الصوفية، فكيف بتمجيد وتعظيم رأس من رؤوسهم؟! تدبّر في هذه الرواية الصحيحة: ”عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: قال رجل من أصحابنا للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: قد ظهر في هذا الزمان قومٌ يُقال لهم: الصوفية، فما تقول فيهم؟ قال: إنهم أعداؤنا! فمن مال إليهم فهو منهم ويُحشر معهم! وسيكون أقوام يدّعون حبنا ويميلون إليهم ويتشبّهون بهم ويلقّبون أنفسهم بلقبهم ويأوّلون أقوالهم! ألا فمن مال إليهم فليس منا وأنا منه براء! ومن أنكرهم وردّ عليهم كان كمن جاهد الكافر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله“. (مستدرك الوسائل ج12 ص322 عن حديقة الشيعة للمولى الأردبيلي).

وما تنبأ به الإمام (صلوات الله عليه) قد وقع في زماننا هذا! فهاهو صاحب الرسالة ومن لفّ لفّه يميلون إلى الصوفية ويتشبّهون بهم ويلقّبون أنفسهم بلقبهم ويأوّلون أقوالهم! بل لقد صنع صاحب الرسالة ما هو أعظم من الميل مما لم يصنعه أحد من قبل في عالم التشيع وهو الاهتمام بمؤلفات ابن عربي وشرحها والتعليق عليها والتشجيع على مطالعتها بل والأمر بتدريسها في الحوزات العلمية وهو الواقع اليوم مع شديد الأسف في تلك المدارس التابعة للنظام الإيراني! فماذا تريد منا أن نقول ونحن نرى هدما للتشيع من الداخل باسم ”العرفان والسلوك“؟! وماذا بإمكاننا أن نفعل سوى أن ننكر هؤلاء ونردّ عليهم احتسابا لأجر الجهاد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما أوصانا إمامنا الصادق صلوات الله عليه؟!

ثم يأتينا بعدُ أمثال هذا الماتن ليؤوّل كلام صاحب الرسالة بالتمحّلات وسفاسف القول استغفالا واستغباءً لعقول الناس وكأنه لا يدرك الفارق بين وصف النبي (صلى الله عليه وآله) لكسرى بعظيم الفرس ولقيصر بعظيم الروم وللمقوقس بعظيم القبط في رسائله الموجهة لكل واحد منهم شخصيا والذي معناه أنهم رؤساء تلك الممالك دنيويا، فيكون قوله (صلى الله عليه وآله) إقرارا بالواقع لا مخالفة له؛ وبين وصف صاحب الرسالة لابن عربي بالعظيم في معرض دعوة ملحد للإسلام! فبماذا أقرّ صاحب الرسالة هنا؟! هل أقرّ بواقع أن ابن عربي رئيس مملكة مثلا؟! أم أقرّ بأنه عظيم حرفة يدوية مثلا؟! أم أنه أقرّ بأنه عظيم في العلوم الدينية الإلهية؟! لا شك أنه الأخير لأن هذا هو علة ذكره، وهذا هو سياق كلامه، فهنا يكون هذا الإقرار مخالفا للواقع لوضوح كفر وزندقة وانحراف ابن عربي، هذا اللعين المدّعي في كتبه أنه إنما ألّف ”الفتوحات المكية“ لوقوع مكاشفة جمعته برسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وكان فوقهم الرب الجليل فقال الله لرسوله مشيرا إليه: ”هذا عديلك وابنك وخليلك انصب له منبر الطرفاء بين يدي“! فأعطاه رسول الله ختم الولاية ثم تأيّد بروح القدس فألف هذا الكتاب وهو ”عديل النبي“! ولا يقلّ عن زندقته هذه قوله في مقدمة ”فصوص الحكم“ أنه رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبيده هذا الكتاب فقال له: ”هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به“!

ثم تأتي الطامة وهي قيام صاحب الرسالة بالتعليق على ”شرح فصوص الحكم“ ملتمسا الأعذار لكفريّات ابن عربي وترّهاته وأكاذيبه! والأنكى أنه يصف كتابه بالكتاب الشريف ويؤيد فيه ما ذهب إليه من وحدة الوجود والموجود! فأنّى للماتن أن يفرّ من حقيقة اعتقاده بعقيدة الكفر والضلالة هذه؟! لو أن ما كان في اليد لم يكن سوى رسالته إلى غورباتشوف لأمكن أن نلتمس لها المحامل وإن كانت صريحة في كشفها عن اعتقاده بهذا الاعتقاد، أما مع تعدّد ما لدينا مع الدلائل الواضحة البيّنة كشرح الفصوص وشرح دعاء السحر وتفسير الحمد ورسالته لابنه وأشعاره وسائر آثاره.. فلا يمكن التماس المحامل إطلاقا لصرف الظاهر عن معناه الحقيقي، كيف ولا مجاز فيه. ولو فعلنا ذلك - كما فعله هذا الماتن في ما نقلتموه - لكان حالنا كحال أهل الخلاف في محاولاتهم المستميتة لصرف معنى كلمة ”المولى“ عن ظاهرها في قوله صلى الله عليه وآله: ”من كنت مولاه فهذا علي مولاه“.. أفهل نعيب غيرنا والعيب فينا؟! معاذ الله، بل يحملنا الإنصاف والتزام الحق على إدانة من مال إلى الصوفية (عليهم لعائن الله) كائنا من كان، فلا صوت يعلو على صوت آل محمد صلوات الله عليهم.

وقاكم الله شر أهل الريب والبدع والضلالة. والسلام.

6 من جمادى الأولى لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp