ما تفسير رواية (لا تنزلوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتابة، ولا تعلموهن سورة يوسف) ؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

كيف نرد على هذه الشبهه ؟ ما هو رأيكم ؟ انا اعلم هناك من المخالفين من افتى بهذه الفتاوى الا ان نسبتها لنا امر قبيح ،

4535 - وروى إسماعيل بن أبي زياد (3) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام عن آبائه عليهم السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تنزلوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتابة، ولا تعلموهن سورة يوسف، وعلموهن المغزل وسورة النور ".

(اقول ) هذا الخبر موافق لما جائت به عائشة في تفسير الثعلبي . فينبغي طرحه جانبا تبعا لمخالفة العامة، هل هذا رأي صحيح ؟؟ وما هو رأيكم ؟ ، ثانيا : الخبر فيه السكوني وهو رجل من المخالفين ، الا ان المشكلة انه ثقة كما صرح البعض ! فما هو حل ؟؟ هل هناك رأية يثبت ضعفه او رد ما نفرد به من الروايات خصوصا روايته المتشابه مع المخالفين

عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تعلموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرؤوهن إياها فان فيها الفتن وعلموهن سورة النور فان فيها المواعظ

( اقول ) يكفي ضعف سهل بن زياد و الرفع بين يعقوب بن سالم و امير المؤمنين ، ماهو رأيكم ؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).

ج: بمراجعة الشيخ أفاد؛ أن المناقشة في سندي الحديثين حرفة العاجز، وأن مجرد موافقة ما رُوي عند العدو في هذا الباب لا يرفع اليد عن اعتبارهما، إذ لا يُظَنُّ بأن تكون جهة الصدور في مثل هذا هي التقية أو المحاكاة، ولا سيما مع كونه عندهم موضوعا وغياب مظنة الوضع عندنا، فضلاً عن عدم توافر ما يعارضه ليسوغ إعمال موازين الترجيح. ولو أنّا طرحنا كل خبر ظننّا فيه الذي ظننّا في هذا الخبر ووافق أخبارهم؛ لوجب طرح مئات الأخبار في الحقول الاجتماعية والتربوية والمعيشية حتى لا يكاد يبقى لدينا علم أخلاق أصلاً، وهذا بَيِّن النكارة ولم يصر إليه أحد.

وأما القبح المتوهَّم فيرتفع مع التفقّه والتدبّر، فالحديثان محمولان على اختصاص الحكم بنساء المشافَهين بالخطاب في ذلك الزمان، لمكان قوله: «نساءكم» - على ضبط اللفظ - لا «النساء» على عمومٍ أو إطلاق، وبضميمة ما يأتي بيانه. ولا يُراد به سد باب العلم على النساء حتى يكون قبيحاً، إذ الأصل أن «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، وإنما يُراد به العدول عما قد يعرضهن للفتنة إلى غيره من وسائل العلم وموارده الآمنة، وهذا لائح من لسان الأحاديث نفسها. وإنما يصح وصف هذا الحكم بالقبح لو كنا نحرز أنه جاء بغرض تجهيل المرأة ومنع ارتقائها العلمي، أما ونحن نحرز العكس؛ أي أن الحكم جاء بغرض تحصينها وتأمينها فلا قبح ههنا، بل حسن.

ولنضرب ههنا مثالاً معاصراً؛ فنقول: لو أن أباً منع ابنته من تعلّم كيفية الولوج إلى شبكة الإنترنت والتجوّل فيها رغم ما يمكن أن يضيفه هذا لها من رصيد علمي ومعرفي بحثي، ولم يكن منعه إياها من ذلك إلا لأنه وجد عالم الإنترنت يعجّ بالفساد الذي لا قدرة على السيطرة عليه رغم كل أدوات الحماية، وخشي أن يتعرّض أحدٌ لابنته أو يستدرجها ويبتزّها في مواقع التواصل، أو أن تقع عينها على ما يمكن أن يخدش حياءها أو يلوّث طهارتها، فاتخذ قراره شعوراً بمسؤوليته كولي للأمر وأقفل باب الإنترنت أصلاً مع توفيره البدائل التي تتلقّى بها ابنته العلم والمعرفة بأمان واطمئنان بلا حاجة إلى الدخول في ذلك العالم الموبوء، فأي إنسان حكيم منصف يمكن أن يصف هذا القرار من هذا الأب بأنه قرار قبيح؟ فسواءً اتفقنا معه أم لم نتفق؛ فإن من الواضح أن قراره هذا كان نابعاً من حرصه على ابنته، وإنما يقبح إذا كان غرضه منعها من تلقي العلم لتبقى في جهل، أما وهناك بدائل أخرى لا تتوقف على الإنترنت وهي متوفرة لها بأمان؛ فلا قبح، حتى وإن كانت تلك البدائل دون الإنترنت في اليسر والسهولة، إذ المهم هو أن تتلقى الفتاة العلم والمعرفة ولو بوسائل تقليدية كما كان الجميع يتعلم ويتثقّف قبل أن يُبتكر الإنترنت أصلاً، ومع ذلك خرج حينئذ من العلماء والأدباء والعباقرة ما لم يُرَ أمثالهم في عصرنا هذا، فلم يكن عدم توفر الإنترنت في عصورهم بمنقِصٍ حظوظهم من العلم والمعرفة.

هكذا الحال زمان صدور تلك الأحاديث، فإن الناظر إلى ذلك الزمان وظروفه الموضوعية يدرك أن أنماط التعليم آنذاك كانت بسيطة تقليدية، وكانت الوسيلة الشائعة لتلقي العلم - حتى في أوساط الرجال - هي المشافهة والسماع، ولم يكن أمر العلم متوقفا على إتقان الكتابة. بل إن عدم اعتماد المجتمع على الكتابة ساعد في زيادة حدة الحفظ والذكاء، لأن المتلقي كان يضطر إلى حفظ ما يتلقاه عن ظهر قلب خشية أن يفقده إذ لم يقيَّد في كتاب أو صحائف، وهذا ما يفسّر كيف وصلتنا روايات طويلة محفوظة، وكيف أن الرواة كانوا يحضرون المجلس الواحد الذي يمتد لساعات ثم يروون ما جرى فيه بألفاظه اعتماداً على قوة الذاكرة التي شُحذِت لسنين. وهكذا يقول الخبراء اليوم أن الدراسات أثبتت أن الاعتماد على الإنترنت يضعف الذاكرة وأن اللجوء للبحث عن المعلومات إلكترونيا يهدد قدرات الإنسان الدماغية على التعلم والتذكر.
وما زالت البشرية تعرف شخصيات لها براعة في العلم والأدب والمعرفة مع أنها ما كانت تحسن القراءة ولا الكتابة، كأبي العلاء في القديم؛ وطه حسين في الحديث.

إذا عرفت ذلك تدرك أن هذه الأحاديث التي فيها النهي عن تعليم نساء تلك الأزمنة الكتابة لم يكن الغرض منها مطلقاً حرمانهن من العلم والمعرفة؛ بل كان الغرض إبقاؤهن يتعلمن بحسب النمط السائد من المشافهة والسماع درءاً لبعض المفاسد الاجتماعية العارضة آنذاك، فإن التاريخ يحدثنا عن النساء اللواتي كُنَّ يحُسِنَّ الكتابة فكاتبن الرجال بما يقبح ذكره ولا حاجة إلى ذكر أمثلته. فكأن شيوع هذه المفسدة آنذاك كان الداعي لصدور مثل هذا النهي الخاص، ولا يبعد أنه لم يكن عن تعليمهن القراءة، فإن المنهي عنه كان مجرد الكتابة في منطوق الأحاديث.

ومهما يكن فإن هذا النهي في أقصاه مجرد حكم تنزيهي إرشادي لا تثبت به حرمة، وأحكام أو نواهٍ من هذا القبيل إنما تكون مقيّدة بالظروف الموضوعية الخارجية، فلو أنها تغيّرت بتغيّر الزمان والبيئات الاجتماعية وتحققت المقاصد بغير ما جاء في تلك الأحكام التنزيهية أو الإرشادية؛ ارتفعت وكان غيرها أولى.
ويمكن ذكر مثال تطبيقي واضح لهذا اعتماداً على الحديث الأول المذكور في السؤال، فإن فيه النهي عن إنزال النساء الغرف وهي عوالي البيوت، وما ذلك إلا لأن إسكانهنّ هناك بحسب طبيعة البناء آنذاك كان يمكن أن يعرّضهن إلى الهتك، فكان الأولى إسكانهنّ البيوت أو الحُجَر، أي ما يكون في أواسط الدور في الطابق الأرضي حيث يكُنَّ هناك في مأمن وستر أكثر. واليوم حيث تغيّرت طبيعة البناء والمباني؛ فإن المحسوس أن إسكان النساء الطوابق العلوية في بعض البلدان هو ما يكون آمَنَ وأستَر لهنّ من الطابق الأرضي حيث يمكن أن تكون النوافذ واقعة على طرق للمارة فتكون احتمالية هتك النساء أكبر، وإذ علمنا أن مقاصد تلك النواهي الواردة في الأحاديث إنما هي التحوّط على النساء وحفظهن وصيانتهن؛ فإننا إذا ما أسكنّا النساء الغُرَف اليوم نكون قد حققناها ولا كراهة حينئذ.

وعلى هذا المنوال تجري سائر الموارد والأحكام من هذا القبيل، كحكم كراهة صلاة النساء في المساجد أو أن صلاتهن في البيوت أولى؛ إذ يرتفع هذا الحكم اليوم لأن للنساء أن يأتين المساجد ويصلّين في أقسامهن الخاصة دون أن يُعرَّضن للفتنة أو للهتك في رواحهنّ ومجيئهنّ، على خلاف ما كان في تلك الأزمنة حين صدرت تلك الأحاديث.

وعليه؛ فإن من الخطأ الذي يرتكبه بعض غير المتفقهين إخراج الأحاديث وما تضمّنته من أحكام تنزيهية أو أوامر إرشادية عن ظروفها الزمنية والموضوعية. كما من الخطأ تقبيح ما ليس بقبيح؛ إذ اللازم مراعاة المقصد والغرض.

واليوم إذ صار تعلم الكتابة أمراً معهوداً لا يعرّض الفتاة للفتنة أو للهتك بحد ذاته؛ فإن حكم الكراهة يكون مرتفعا، وعلى هذه فقس.


وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن
14 محرم الحرام 1437 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp