لماذا جعل الإسلام شهادة المرأة نصف شهادة الرجل وديّتها نصف ديّته؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

أنا مسلم ومن حقي أن أسأل لماذا جعل الإسلام شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ؟؟!! ولماذا جعل الإسلام ميراث المرأة نصف ميراث ؟؟!! ولماذا جعل الإسلام دية المرأة نصف دية الرجل وإن الرجل لايقتل إذا قتل امرأة لكن المرأة تقتل إذا قتلت رجل ،أي الإنصاف والعدالة ؟؟!! ونحن ندعي دائما أن الإسلام دين عدالة ومساواة في الحقوق والواجبات؟؟!! لحد الآن لم يثبت أحد أن هناك قصور أو نقصا في عقل المرأة فلماذا هذه المعاملة الدونية لها؟؟!!


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين


جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد الصديقة الزهراء صلوات الله عليها ولعنة الله على قتلتها.

قبل الإجابة على الأسئلة لابد من التنبيه إلى أنه ليس من أخلاق المسلم الإشكال بصورة اعتراض على أحكام الشرع المقدس خصوصاً وأن هذا الاعتراض دائماً ما يكون مساقاً مع إغفال كثير من جوانب الموضوع المشكل عليه تقصيراً أو قصوراً.

فليس من الإنصاف مثلاً استهجان التفاضل بين الرجل والمرأة في الحقوق الشرعية من جانب وتناسي أو نسيان التفاوت بينهما في أداء الواجبات من جانب آخر فإذا تبين المطلب بجميع جوانبه ظهر العدل الإلهي وبطل الاعتراض.

فيكون إذن الأولى حسن الظن والثقة بالعدالة الإلهية أولاً وإن غابت الحكمة عنا. وثانياً السعي لفهم جانب من هذه الحكمة حتى يزول اللبس ويتقوى اليقين بعدل الله جل وعلا في كل تشريعاته المقدسة.

إذ غالبا ما يأتي هكذا إشكال آخذاً فقط بعين الاعتبار المعطيات الاجتماعية الآنية وكيفية التعامل مع المشاكل الأسرية والحُكم فيها من منظور القوانين الوضعية القاصرة والمقصرة التي بتطبيقها وقع الاختلال لأنها بعيدة كل البعد عن الحكمة الإلهية المقدسة.

فالأولى أيضاً الأخذ بعين الاعتبار التشريع الإلهي المقدس وهو الإسلام الحقيقي كما أرسى دعائمه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وولى عليه من بعده حماة الدين الأئمة المعصومين من آله الطاهرين عليهم السلام. فإليهم نلتجئ لحل كل معضلة وسبر أغوار كل حكمة.

أما عن علة التفاضل بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق إذ ليس التفاضل بينهما في كل الحقوق فلا بأس بالتذكير أولاً ببعض آيات الذكر الحكيم التي لم تفرق بين الذكر والأنثى حيث أسقطت المعاملات الجاهلية الجائرة في حق المرأة وأعادت إليها مكانتها كفرد له من الحقوق ما للرجل وجعلت الأكرم على الله للأتقى منهما.

لا يفرّق بين ذكرٍ واُنثى:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 14).

وقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (النحل:98).

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(غافر:41).

وقال تعالى:﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً﴾ (النساء: 3).

وقال تعالى: ﴿أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾. (سورة آل عمران: 160)

ولا ميز بينها ولا تفارق فيما يمتاز به الإنسان في أصل وجوده وفي سعيه وفي البلوغ إلى مراتب كماله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾. (سورة الأحزاب: 36)

غير أن للرجل الفضل على المرأة بما يحمله على عاتقه من التكاليف التي أعفيت منها بما يتناسب وطبيعة خلقة كل منهما والأدوار الموكلة إليهما في إطار الشرع المقدس.

ونصل هنا إلى بيان الحكمة من التفاضل في السهم مثلا كما جاء عن الإمام الصادق علیه السلام في الرواية التي وردت عن الأحول، قال: قال ابن أبي العوجاء: ما بال المرأة المسکینة الضعیفة تأخذ سهماً واحداً ویأخذ الرجل سهمین؟ قال: فذکر ذلك بعض أصحابنا لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: "إن المرأة لیس علیها جهاد ولا نفقة ولا مُعَقّلة، وإنما ذلك على الرجال، فلذلك جعل للمرأة سهماً واحداً وللرجل سهمین".(الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 26 ،ص 93، نشر مؤسسة آل البیت؛ الشیخ الطوسی، تهذیب الاحکام، ج 9 ص 174 و 275، نشر دار الکتاب الاسلامیة؛ الکافي، ج 7 ، ص 85)

وفي روایة أخری عنه (عليه السلام): «قال ابن سنان: قلت: لأي علّة صار المیراث للذکر مثل حظ الأنثیین؟ قال ابو عبدالله (عليه السلام ):« لما جعل لها من الصداق». (الشیخ الصدوق، علل الشرایع، ج2، ص 57، انتشارات دار الکتب الاسلامیة، 1365)

بلحاظ هاتين الروايتين وغيرهما ومن المنظور القرآني الكريم يظهر جلياً أن الله جل وعلا كما جعل الذكر والأنثى سواء في مبدأ الخلقة وحق العيش والكرامة وغيرهما من الحقوق إلا أنه فاضل بينهما في بعض هذه الحقوق بمقتضى ما أوجب على أحدهما من الواجبات وأعفى الآخر منها.

أما عن علة كون دية الرجل المقتول ضعف دية المرأة المقتولة. لابد من القول إن القصاص بالقتل لا يكون إلا في القتل العمد ويكون لأهل المقتول الخيرة بين العقل وهو الدية وبين القود وهو القتل للقاتل.

وأما الحدود التي تكون فيها الجناية على الدين -كسب الذات الإلهية أو سب المعصوم أو الردة مثلا- فليس لغير المعصوم إقامة الحد فيه لأنه صاحب الحق لا نحن، ولصاحب الحق العفو كما كان يحصل، وإذ لا سبيل إلى القطع بمطالبته إيانا بإجراء الحد أو تفويض ذلك إلينا منه أو رضاه بإجرائه وعدم عفوه؛ فإن الاحتياط قاضٍ بالتعطيل. نعم لا مانع من التعزير في بعض الموارد بما يحفظ الصالح العام لو اتسعت الجناية لتقع على المجتمع إذ يثبت له الحق حينئذ، وتكون ولاية الحاكم على المجتمع كافية في مباشرة هذا التعزير والحكم به استيفاء لحقه.
وعليه فإن أحكام الحدود والقصاص بمفهومها تبقى تأديبية وزجرية أكثر من كونها تطبيقية. وحتى في زمان الحضور للمعصومين صلوات الله عليهم خصوصاً في ظل حكم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ومن بعده حكم أمير المؤمنين عليه السلام لم يطبق القصاص منهما صلى الله عليهما وآلهما إلا فيما ندر من الحالات كما يشهد التاريخ بذلك.

أما في القتل الخطأ بين الرجل والمرأة فتؤدى فقط الدية لذوي المقتول. وتتساوى دية المرأة والرجل في الاروش والخدوش مالم تزد عن الثلث فإن زادت عنه عادت إلى أصل النصف من ديته.
هنا علة التفاوت في قيمتها تكون لجبر الخسارة الاقتصادية التي يسببها قتل الرجل مقارنة بقتل المرأة بمقتضى ما يقع على كاهله من واجبات شرعية كتأدية المهر وإعالة الزوجة والعيال والأم ونفقة الجهاد والسهم من دية المقتول من أحد أقربائه بحكم العاقلة وهي عصبة الرجل القاتل أو المرأة القاتلة حسب قرابتهم منه أو منها فيؤدي عنه أو عنها الأقرب فالأقرب من الرجال ولا يقع هذا العبء على المرأة وإن كانت من أهل القاتل. بهذا اللحاظ ولهذه الخسارة المادية يكون التعويض المادي ولا دخل للدونية في الخلقة أو غيرها من الاعتبارات التي غابت عنها هذه الحكمة.

وفقكم الله لمراضيه

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

9 جمادى الآخرة 1438 هجرية


ملاحظة: الإجابات صادرة عن المكتب لا عن الشيخ مباشرة إلا أن يتم ذكر ذلك. المكتب يبذل وسعه في تتبع آراء الشيخ ومراجعته قدر الإمكان.
شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp