كيف تكون الموازنة بين ولاية الفقيه ومبدأ الشورى؟ وكيف نتعلم علم الحديث؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

‏بسم الله الرحمان الرحيم

‏سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظك الله ورعاك وسدد خطاك !!!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد !!!

عندي هذه المجموعة من الأسئلة الإشكالية وبعضها نوعا ما محرجة !!! لأنها تمس نقاط حساسة في المجتمع الشيعي !!! ومن الظروري أن تصل هذه الأسئلة لسماحة الشيخ حفظه الله !!

1- في احدى المرات وأنا أسمع احدى المحاضرات الدينية لأحد الشيوخ سمعته يقول بأنه ليس من حق أي أحد أن يمنع من السؤال لأن العقيدة والرأي لا تكون بالقوة ولكن تكون بالاقتناع !!! وقد تفاجأت حينما جائني اشكال ونهي عن السؤال في موردين ، سوف أذكر المورد الأول في هذا السؤال – أما المورد الثاني سوف أضعه في السؤال الثاني- كان السؤال أرسلته إلى أحد مكاتب المراجع في النجف الأشرف عن طريق موقعه على الانترنت - المرجع بشير النجفي -!!! وكان السؤال كالتالي ( بالنسبة لمن يقول بولاية الفقيه كيف يتم الموازنة بينها وبين مبدأ الشورى ؟) كان سؤال ثار عندي وفي ذهني لعدم فهمي لكلا النظريتين على حقيقيتهما !!! فأردت المعرفة فقررت السؤال!! فأتاني الجواب كالتالي : ( بسمه سبحانه .. ألم يكن رسول الله رسول الله ص يملك الولاية المطلقة ومع ذلك يستشير امتثالا لقوله سبحانه ( وشاورهم في الأمر ) ثم إن الحاكم الشرعي هو أعرف بوظيفته منك ولا تتدخل بما لا يعنيك ولا شأن لك فيه والله الهادي ) انتهى !!! سبحان الله ... كل هذا لمجرد سؤال !! وهذه ليست المرة الأولى !! المهم هنا بما أنني وبعد أشهر من انتظار الجواب وكان كما رأيتم وكنا سابقا لم نكن نعرفكم !! فالآن وبعد أن عرفنا عنكم نرسل لكم هذا السؤال وأتمنى أن لا يكون جوابك مثل الأول !!!

2- السؤال الثاني كان موجه إلى مكتب آخر المهم ، كان معنيا بعلم الحديث فقد كنت أستمع إلى مناظرات ومنها مناظرات قناة المستقلة !!! فكان لمسألة معرفة الناس بهذا العلم بشكل عام أي ليس من باب التخصص أو تصحيح او تضعيف رواية هو فقط لفهم المصطلحات والمنهجية المتبعة عندنا بشكل عمومي لا بهدف التحصص ، خصوصا بأنه وهذا واقع الحال كل شيعي تقريبا يفهم منهجية البكرية ونهجهم بشكل عام في علم الحديث مع أننا شيعة ، بينما نحن لا نعرف شيئا بهذا الخصوص ونحن من نفس المذهب !!! فكيف بعد ذلك نلوم المخالفين ؟ ولاحظت بأنهم دائما يسئلون ويقولون بأنه أنتم لديكم الاجتهاد حسنا قبلنا ولكن لماذا لا يقوم كل عالم من علمائكم بما أنه يحقق الروايات ويجري عليها مقايسكم ونحو ذلك ، أن ينشر ذلك في كتاب حتى يسهل للآخرين الاستفادة من ذلك !!! وأيضا حسنا هل لدى الشيعة كتب واضحة توضح شروط الشيعة في التصحيح والتضعيف !!! وكذا المقصود من مصطلحاتكم ؟؟ فلا أجد مجيبا ؟؟؟ فحبذا لو تجيبوا على هذا السؤال !!! ونكون لكم ممنونين !!!


باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيدتنا الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، جعلنا الله وإياكم قريبا من الطالبين بثارها مع ولدها المنتقم لها صاحب العصر والزمان الإمام الحجة بن الحسن المهدي أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

ج1: هذا الجواب الذي وصل إليك فيه شدة وغلظة لا نرى لهما مبررا ولا نجد له أثرا غير التنفير، وعلى أي حال فلا تهتم بالفلتات التي تصدر من هذا القبيل. أما جوابنا فهو أنه مع ثبوت الولاية للفقيه الجامع للشرائط إلا أنه مكلف بالشورى لعمومية نطاقها للواجب والمستحب والمباح، فمن الواجب استشارته لغيره من الفقهاء في الحكم في الموضوعات العامة للأمة كالأمر بالجهاد مثلا إذ لا يجوز له الاستفراد على قول الإمام الراحل، ومن المستحب المؤكد استشارته لأهل الحل والعقد من الأمة كالبرلمان المنتخب وإمضاؤه لما تمخضت عنه المشورة بغالب الآراء، ومن المباح استشارته لمطلق الأمة صالحهم وطالحهم في استفتاء مثلا تأليفا للقلوب واسترجاحا لآراء الأكثرية، ولا يبعد القول بالاستحباب حتى في هذا المورد أيضا. فعليه تعرف أن الموازنة قائمة بين ولاية الفقيه والشورى كلٌ في مورده الشرعي المقرر، وليس إثبات واحد منهما مبطلا للآخر بالضرورة.

ج2: أن عدم علم بعض شباب الشيعة بعلم الحديث وفق المنهجية الشيعية يرجع إلى عدم اهتمامهم بتحصيل العلوم الدينية، ولذلك قلنا مرارا أن على جميع من يتصدى لمقارعة المخالفين ومحاججتهم أن يبذل الجهد في التحصيل العلمي ولو من باب الإلمام. وفي موضوع علم الحديث هناك عشرات المؤلفات التي تبيّن قواعده وأصوله، فعليكم بالرجوع إليها ودراستها جيدا لتكون عندكم القدرة على تقييم الأخبار وتصحيحها أو تضعيفها، ولعلّ مما ننصحكم بالاطلاع عليه كموجز سهل وبسيط كتاب للشيخ السبحاني المعاصر تضمّن دروسه في هذا الباب وأظنه يحمل عنوان ”دروس موجزة في علم الحديث أو علم الدراية“ فارجع إليه ولاحظه.

أما تساؤل المخالفين عن سبب عدم قيام عالم من العلماء الشيعة بتحقيق الروايات وإجراء القواعد عليها لتمييز الصحيح عن غيره؛ فهو تساؤل ينبئ عن الجهل بالواقع، إذ قد قام بعضهم بهذه المهمة حسب اجتهاده، ومن هؤلاء الشيخ آصف محسني في كتابه ”مشرعة البحار“، غير أن على المخالف أن يفهم أن قيام أحدهم بذلك لا يعني إلزام غيره من علماء الشيعة بنتائجه، فإن لكل فقيه مبانيه وآراؤه، ولذا تختلف الأنظار في خصوص الخبر الواحد ما بين من يرى اعتباره ومن لا يرى، وما بين من يرى صحته ومن لا يرى، وهكذا، فليس عندنا حرمان للفقيه من أن يجتهد في علم الحديث كما هو الحال عندهم، إذ قد حرموا فقهاءهم من ذلك اليوم فإذا خرج أحدهم وشكّك في صحة حديث واحد رواه البخاري – وليكن حديث الذباب - لثاروا عليه واتهموه بالمروق من الدين! ولذلك فإنهم ليسوا سوى جمهور مقلّدة أقفلوا باب الاجتهاد وطفقوا يردّدون كالببغاء ما ذكره علماؤهم المتقدّمون من مباني وأصول دون إعمال الفكر في أن تلك المقدّمات والمباني صحيحة أم سقيمة؟

أما عندنا فباب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه، ولذا ترى مثلا أن ”مشرعة البحار“ الذي صدر أخيرا لم يسلم من النقد والإشكال وتوجّهت إليه عشرات النقوض، وما هذا إلا لحيوية المدرسة الفقهية الشيعية وتجددها المستمر والدائم بخلاف ما عند البكريين من جمود بل موت، لأن كل فقيه من فقهاء الشيعة العظام لا يعتمد على مباني غيره بل يُعمل النظر في أن يؤسس مبانيه الخاصة، فإذا فعل ليس له إلزام غيره بها بل غاية ما يمكنه فعله طرحها ليراجعها غيره من الفقهاء فإذا وجدها تسلم من الإشكال أخذ بها وإلا طرحها وأقام غيرها مكانها وعمل بمقتضاها. أما المخالفون فليس فيهم اليوم (فقيه) بالمعنى الحقيقي، لأنه ليس سوى مقلّد لمن مضى من فقهائهم في مبانيه الأصولية والفقهية والحديثية، وحتى هذا الذي مضى تجد مبانيه واهنة ضعيفة بمقدور أضعف طلبة الحوزة اليوم نقضها من أساسها، ولذا فإننا في الدروس الحوزوية عندما نذكر آراء ”فقهائهم“ - أن جاز التعبير - لا يكون ذلك إلا من باب التندّر والتفكّه!

إذا عرفت هذا؛ تعرف أن عدم تركيز الشيعة على تأليف كتب تجمع الأحاديث ”الصحيحة“ فقط هو أن ذلك لا فائدة علمية حقيقية فيه، لأنه يبقى المجموع صحيحا في نظر صاحبه فقط، فقد يأتي غيره ويعتبر هذا الصحيح ضعيفا، أو العكس، أما عندهم فعندما جاء البخاري وجمع روايات وصفها بالصحة فإنهم جميعا اعتمدوا كتابه وفرضوه على قومهم فرضا فصادروا حقهم في الاجتهاد في قبال نظر البخاري ومبانيه وآرائه في توثيق الأحاديث. أما عندنا فلا مصادرة لحق أحد في الاجتهاد، لذا تبقى المراجع الروائية الأصلية كنوزا يفتّش فيها كل فقيه عما يعتمد عليه ويركن إلى اعتباره ويعمل به. ثم لا يخفى عليك ما سبق وأن بيّناه وهو أنه ليس كل حديث ضعيف السند ساقط بالضرورة عن الاعتبار والحجية كما يتوهّم الجهلة والمخالفون، فلا تغفل.

وفقكم الله لخير الدنيا والآخرة. والسلام.

19 جمادى الآخرة لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp