ما هي النية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام للصلاة؟ وهل ما يقوله الغزي صحيح؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

يقول بعض البالونات ان النية التي ننوي بها مثلا انوي ان اصلي صلاة الظهر لوجوبه خرابيط ويقول يجب ان يكون عنوان الاذان علي والصلاة حسين كما في الفيديو وله قول اخر ان تكون النية ذكر محمد وال محمد لها وجه من الصحة لاننا في الصلاة نذكر محمد وال محمد وندعوا للامام الحجة ونلعن اعدائهم . السؤال الان ماهي النية الواردة عن اهل البيت للصلاة ؟ وهل قول الغزي صحيح؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ؛

في هذا الكلام خلط فاضح، فلقد خلط المتحدث بين (النية) و(العلة) و(العنوان) و(شرط القبول)، وهذا الخلط يحصل غالباً من الضعف العلمي المتزامن مع الهوس بالنجومية ولفت أنظار الناس بابتداع ما لم يطرق أسماعهم لفظاً أو موضوعاً.

(النية) بمعنى الداعي لإيقاع الفعل على هذا الوجه؛ إنما هو الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى به، وهو عبادة له وحده، حقيقتها طلب الوصال إليه. وفعل الصلاة من ذلك، ففي الذكر الحكيم: «قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ» (الأنعام: 163)، وفي الحديث الشريف: «سئل بعض العلماء من آل محمد عليهم السلام فقيل له: جعلت فداك ما معنى الصلاة في الحقيقة؟ قال: صلة الله للعبد بالرحمة، وطلب الوصال إلى الله من العبد، إذا كان يدخل بالنية، ويكبر بالتعظيم والإجلال، ويقرأ بالترتيل، ويركع بالخشوع، ويرفع بالتواضع، ويسجد بالذل والخضوع، ويتشهد بالإخلاص مع الأمل، ويسلم بالرحمة والرغبة، وينصرف بالخوف والرجاء، فإذا فعل ذلك أداها بالحقيقة» (فقه الرضا عليه السلام ص63).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام في معنى قد قامت الصلاة: «أي حان وقت الزيارة والمناجاة، وقضاء الحوائج، ودرك المنى، والوصول إلى الله عز وجل، وإلى كرامته وعفوه ورضوانه وغفرانه» (معاني الأخبار ج1 ص41). هذا إن كانت النية بمعنى الداعي لإيقاع الفعل، أما إن كانت بمعنى العزم على إيقاع الفعل على هذا الوجه؛ فهي تشمل كل ما تتركّب منه الصلاة من أفعال، إذ المصلي ينوي أي يعزم على أن يكبّر ويقرأ ويركع ويسجد وهكذا تباعاً، ومن جنس ذلك ما سمّته الروايات الشريفة بالتوجّه، وهو ذكر خاص مشتمل على لفظ التوجه «وجّهتُ وجهي» يتلوه المصلي عند افتتاح الصلاة. فعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري «أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن التوجه للصلاة يقول: على ملة إبراهيم ودين محمد، فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال: على دين محمد، فقد أبدع لأنّه لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثاً واحداً في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد أن الصادق عليه السلام قال له: كيف تتوجّه؟ فقال: أقول: لبّيك وسعديك. فقال له الصادق عليه السلام: ليس عن هذا أسألك؛ كيف تقول: وجّهت وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً؟ قال الحسن: أقوله. فقال الصادق عليه السلام: إذا قلتَ ذلك فقل: على ملّة إبراهيم عليه السلام ودين محمد صلى الله عليه وآله ومنهاج علي بن أبي طالب عليه السلام والائتمام بآل محمد حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين. فأجاب عليه السلام: التوجّه كله ليس بفريضة، والسنة المؤكدة فيه التي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجّهتُ وجهيَ للذي فطرَ السماوات والأرض حنيفاً مسلماً على ملة إبراهيم ودين محمد صلّى الله عليه وآله وهدى علي أمير المؤمنين عليه السلام، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أُمِرت وأنا من المسلمين، اللهم اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. ثم تقرأ الحمد» (وسائل الشيعة ج6 ص25 عن الاحتجاج). فهذا كما ترى ذكرٌ ينوي المصلي تلاوته إن شاء، وليس عليه شيء إنْ لم يفعل لأنه كما قال إمامنا المهدي أرواحنا فداه: «التوجّه كله ليس بفريضة». وعليه يُحمل ما في الفقه الرضوي: «وانوِ عند افتتاح الصلاة ذكر الله وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله، واجعل واحداً من الأئمة نصب عينيك» (فقه الرضا عليه السلام ج1 ص105) حيث يتلو المصلي ذكر التوجه الذي مرّ أو يستحضر في نفسه التوجه بهم إلى الله سبحانه كما في الأدعية الشريفة ذات مضمون: «اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة.. إلخ»، وكلاهما (أي الذكر أو الاستحضار) من النية بمعنى العزم على إيقاع الفعل لا الداعي إليه، إذ حتى هذا الاستحضار في النفس فعل قلبي، يُراد به التقرّب إلى الله سبحانه في الصلاة، كما يُتقرّب إليه فيها بالخشوع والتعظيم والإجلال كما مرّ في الخبر. وعطف عبارة «واجعل واحداً من الأئمة نصب عينيك» على قوله: «وانوِ عند افتتاح الصلاة ذكر الله وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله» ظاهرٌ في أن الجميع من باب الأفعال والنية على إيقاعها، إذ الذكر فعل. هذا كله مع قطع النظر عن انفراد الفقه الرضوي بهذه العبارة، وكون أصل الكتاب من تأليف الشلمغاني عليه لعنة الله، وهو ما يستدعي أن لا تكون منزلة ما ينفرد به بمنزلة ما جاء في الأصول المعتبرة إلا أن يجبره جابر. وعليه فما زعمه المتحدث من أننا نصلي لهذا (العنوان) وهو النبي أو أحد الأئمة عليهم السلام؛ هو أمر مضحك، إذ هو يشبه قول القائل: إنما أصلي لكي أركع وأسجد وهذا هو عنوان الصلاة وهذه هي النية!

أما (العلة) أو الحكمة بمعنى ما يرجع إليه الفعل أو يحققه أو يؤثر فيه أو يرتّبه عليه؛ فكثيراً ما يكون متعدداً متنوعاً، حيث إن الأفعال العبادية تنطوي على كثيرٍ من العلل والحِكَم والمصالح، والصلاة من هذا القبيل، فلقد ورد مثلاً أنها فُرضت «تنزيهاً عن الكبر» (نهج البلاغة: 252 والخطبة الفدكية في دلائل الإمامة ص113) ولكن هذا لا يعني اقتصار علتها على ذلك، بل لها علل كثيرة أخرى، فعن الإمام الرضا عليه السلام: «إن علة الصلاة أنها إقرار بالربوبية لله عز وجل وخلع الأنداد، وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع والاعتراف، والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كل يوم إعظاما لله جل جلاله، وأن يكون ذاكراً غير ناسٍ ولا بطر، ويكون خاشعاً متذللاً راغباً طالباً للزيادة في الدين والدنيا مع ما فيه من الإيجاب والمداومة على ذكر الله عز وجل بالليل والنهار، لئلا ينسى العبد سيده ومدبره وخالقه فيبطر ويطغى، ويكون ذلك في ذكره لربه جل وعز وقيامه بين يديه زاجراً له عن المعاصي ومانعاً له من أنواع الفساد» (علل الشرائع ج2 ص317). فهذه كلها كما ترى علل لتشريع الصلاة، ومنها أن لا يندرس ذكر خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله، لأن في إحياء ذكره تحصيناً للأمة من اتخاذ دين غيره، فعن هشام بن الحكم قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن علة الصلاة فإن فيها مشغلة للناس عن حوائجهم ومتعبة لهم في أبدانهم، قال: فيها علل؛ وذلك أن الناس لو تُركوا بغير تنبيه ولا تذكر للنبي صلى الله عليه وآله بأكثر من الخبر الأول وبقاء الكتاب في أيديهم فقط لكانوا على ما كان عليه الأولون، فإنهم قد كانوا اتخذوا ديناً ووضعوا كتباً ودعوا أناساً إلى ما هم عليه وقتلوهم على ذلك، فدرس أمرهم وذهب حين ذهبوا، وأراد الله تبارك وتعالى أن لا ينسيهم أمر محمد صلى الله عليه وآله ففرض عليهم الصلاة يذكرونه في كل يوم خمس مرات ينادون باسمه، وتعبدوا بالصلاة وذكر الله لكي لا يغفلوا عنه وينسوه فيندرس ذكره» (علل الشرائع ج1 ص317). وليس معنى كون تجديد ذكره صلى الله عليه وآله علةً للصلاة دخول ذلك في النية بنحو الداعي ولا أنها العلة الوحيدة، ففي أول الخبر قال الصادق عليه السلام: «فيها علل» أي علل كثيرة؛ هذه إحداها، وهي كما ترى علةٌ موصلة لعلة كبرى هي التحصين من تحريف دين الله تبارك وتعالى. وعليه فما ذكره المتحدث من أن علة تشريع الصلاة هي أن لا تصيبنا الغفلة فننسى محمدا وآل محمد عليهم السلام وأن هذه هي النية وادعاؤه أنه «لا يوجد شيء آخر».. كل ذلك هو كما ترى من الجهل والضعف، إذ إن محمداً وآل محمد عليهم السلام هم أنفسهم الذين قالوا أن للصلاة عللاً كثيرة قد مرّ بعضها من أحاديثهم، والنية أصلاً أمر مختلف عن العلة كما تبيّن.

أما (شرط القبول) بمعنى ما يجب أن يقترن بالفعل ليُقبل ويُحتسب؛ فأوله معرفة أهل البيت عليهم السلام وقبول ولايتهم والبراءة من أعدائهم، فعن الإمام الحسين عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إلزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله وهو يحبنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلا بمعرفتنا» (أمالي المفيد ص44) وعن الباقر عليه السلام: «من عرفنا نفعته معرفته وقُبل منه عمله، ومن لم يعرفنا لم تنفعه معرفته ولم يُقبل منه عمله» (بصائر الدرجات ص383) وبهذا المضمون أحاديث كثيرة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام، وفي خصوص الصلاة سُئل السجاد عليه السلام عن سبب قبولها فقال: «ولايتنا والبراءة من أعدائنا» (مناقب ابن شهرآشوب ج4 ص131) وشرط القبول مختلف عن النية والعلة كما هو واضح، فإن للأعمال شروطا كثيرة حتى تُقبل، منها مثلاً أن لا ينظر الابن نظرة مقتٍ لأبويْه حتى وإن كانا ظالميْن له، فعن الصادق عليه السلام: «من نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاةً» (الكافي ج2 ص349) أفهل يقول عاقل أن النية في الصلاة وعلة تشريعها هي أن لا نغفل عن برّ آبائنا ولو ظلمونا؟!

أما سائر ما تفوّه به المتحدث فلا يعدو كونه مصداقاً جليّاً للظاهرة البالونية حيث قصر الباع عن الإحاطة بالفقه وتتبع أقوال الفقهاء، فإن أحداً منهم - على سبيل المثال - لم يفتِ بوجوب التلفظ بنية الصلاة أصلاً، وغاية ما هنالك البحث في أن النية إخطارية في القلب أم بنحو الداعي. وعليه فما هوّل منه ثم سخّف ووصفه بـ (الخرابيط) - ارتكازاً على ما هو شائع من أفعال العوام بالتلفظ بالنية موهماً أنه من نتاج الفقه والفقهاء - ليس سوى سفهٍ. هذا ناهيك عن استعمال اصطلاحات ذات إشكال في نسبتها إلى المعصوم، كالقول: «فهم أهل البيت أو ذوق أهل البيت»!

وفقكم الله لمراضيه

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

17 ذو القعدة 1438 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp