هل كان الحاكم النيسابوري شيعيا؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

‏بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شيخنا الحبيب / ياسر الحبيب --- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شيخنا ---- أخذ الوهابية لعنة الله عليهم يتبرأون من علمائهم الذين يمتدحون الإمام علي عليه السلام !! فنراهم يقولون على الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ صاحب المستدرك بأنه شيعي !!! وبعضهم يقول بأن الحاكم لا يؤخذ بتصحيحاته للأحاديث !! شيخنا سؤالي هو هل حقا الحاكم كان شيعيا ؟ إن كان الجواب لا هل لكم أن تزودونا ببعض المصادر ---- وهل حقا الحاكم لا يؤخذ بتصحيحاته للأحاديث وأنه كان متساهلا في تصحيح الأحاديث ؟

هذا ولكم مني كل الشكر والتقدير ---- سائلا من الله أن يحفظكم بحق محمد وآل محمد

أخوكم / ابو فاطمة


باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدنا ومولانا أبي الأحرار والشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهم) وجعلنا الله ممن يثأر له ولأهل بيته وأصحابه مع الطالب بذحولهم مولانا صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف وجعلنا الله تعالى من كل محذور فداه.

إن الحاكم – وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ النيسابوري – من أعلام مذهبهم وكبار حفّاظهم ومحدّثيهم، ولا علاقة له بالتشيع لا من قريب ولا من بعيد! إنما جاءته هذه التهمة لمجرد أنه روى في مستدركه أحاديث أظهرت فضائل ومناقب مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وكانت مثار حنق غيره! إذ كيف يروي مثلا حديث الولاية (من كنت مولاه فعلي مولاه) مع ما يؤكده من أنه الخليفة الشرعي وحده؟! وكيف يروي حديث الطائر (اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطير) مع ما يؤكده من أنه أشرف خلق الله على الإطلاق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

لقد انزعجوا منه لأنه يروي أمثال هذه الأحاديث الشريفة ليس إلا، فاتهمه بعضهم بالتشيع والرفض! مع أن نظرة عابرة إلى شخصيته وتاريخه وكتبه تثبت العكس تماما، فالرجل قدّم في مستدركه ذكر أبي بكر وعمر وعثمان على علي عليه السلام، ويفتتح كتابه هذا بالثناء على من يسميهم بالصحابة قائلا: "أما بعد فإن الله تعالى أنعم على على هذه الأمة باصطفائه بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى آله أخيار خلقه في عصره، وهم الصحابة النجباء، البررة الأتقياء، لزموه في الشدة والرخاء، حتى حفظوا عنه ما شرع لأمته بأمر الله تعالى ذكره ثم نقلوه إلى أتباعهم ثم كذلك عصرا بعد عصر إلى عصرنا هذا" وأمثال هذه العبارات لا تصدر إلا من الذي يعتقد بمذهب المخالفين لا بالتشيع، كما يعرفه من له أدنى حظ من العلم والتمييز.

بل إن الرجل عقد في كتاب الأربعين بابا كاملا لتأكيد أفضلية أبي بكر وعمر وعثمان على جميع الصحابة! وهذا مناقض جملة وتفصيلا للعقيدة الإسلامية الشيعية كما تعلم.

وقد روى في كتاب المستدرك حديث أحجار الخلافة الذي زعمت فيه عائشة كذبا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين بنى المسجد حمل أول حجر، ثم حمل الحجر الثاني أبو بكر، فحمل الثالث عمر! فقالت له: "يا رسول الله ألا ترى لهؤلاء كيف يساعدونك؟ فقال: يا عائشة.. هؤلاء الخلفاء من بعدي"! (المستدرك ج3 ص97) فهل يُعقل أن يروي شيعي مثل هذا الحديث الباطل الذي وضعته عائشة لتصحيح خلافة أبيها وصاحبه؟!

ثم من أين يأتيه التشيع ومشايخه الذين أخذ عنهم العلم هم من المشهورين بالتزامهم بعقيدة الجمهور وبمذهب أبي الحسن الأشعري في أصول الاعتقاد؟! كأبي بكر بن إسحاق الضبي، وأبي بكر بن فورك، وأبي سهل الصعلوكي.. وغيرهم من مشايخه الذين يروي عنهم وكان يأخذ منهم أصول عقيدته، وقد أثنى في تاريخه عليهم أعظم الثناء مع كونهم من ألداء التشيع.

إنه لم يكن منشأ اتهامه بالتشيع إلا قول اثنين من رجالهم؛ هما أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري وأبو بكر الخطيب. أما الأول فقال عندما سئل عنه: "ثقة في الحديث رافضي خبيث"! ولكن كلامه مطروح عندهم لأنه – أي أبا إسماعيل الأنصاري – لم يكن بالثقة المعتبر أصلا! إذ كان من المجسّمة وقد رُمي بذلك من غير واحد حتى أسقطوه!

وأما الثاني – أي الخطيب – فمع كونه ثقة عندهم إلا أن التمعن في عبارته يورّث الاطمئان إلى أن الحاكم لم يكن شيعيا وإنما جاءته هذه التهمة لأجل بعض مرويّاته! فقد قال الخطيب فيه: "أبو عبد الله الحاكم كان ثقة وكان يميل إلى التشيع، فحدثني إبراهيم بن محمد الأموي بنيسابور وكان عالما صالحا قال: جمع أبو عبد الله الحاكم الأحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم ومنها حديث الطير ومن كنت مولاه فعلي مولاه فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا إلى قوله"!

ومن خلال هذه الترجمة نفهم بأن الرجل لم ينسبوه إلى التشيع بسبب اطلاعهم على عقيدته أو تتلمذه على شيوخ الشيعة مثلا أو تصريحه بوجود النص على أهل البيت (عليهم السلام) أو تقديمه عليا (صلوات الله عليه) على من سبقوه.. كلا! بل لمجرّد روايته حديث الطير وحديث الولاية! فلمّا لم يعجبهم ذلك منه أنكروه واتهموه بالتشيع! فما أتفهه من مستند لدعواهم هذه!

وعلى أية حال فإن نسبة الحاكم إلى التشيع كنسبة التراب إلى الذهب! ولاحظ أن اتهامه بالتشيع كان شاذا من بعضهم؛ فجلّهم وعامّتهم متفقون على أنه منهم وهذا هو المتفق عليه بينهم اليوم إلا ممن ملأ النصب والحقد قلبه، كيف لا وكتبه ومصنفاته إلى اليوم تخدم عقيدتهم ومذهبهم وليس فيها مصنّف واحد يصبّ في صالح تأكيد مبدأ الإمامة وترسيخ حق الولاية؟!

إنما هي شنشنة نعرفها من أخزم! وإنما هي محاولة من الفرقة الوهابية الخبيثة للفرار من هذه الأحاديث الشريفة التي تؤكد حق أئمتنا (عليهم السلام) وولايتهم الإلهية، وذلك بالطعن في رواتها! فما أوهن بيتهم! علما أن الأحاديث التي رواها الحاكم في مستدركه لم يتفرّد هو بروايتها، بل رواها غيره، فقد روى الترمذي في سننه حديث الطائر أيضا، على سبيل المثال. أما حديث الولاية فقد رواه العشرات والعشرات حتى فاق درجة التواتر.

أنار الله دربكم لنصرة أوليائه ودحض حجة أعدائه. والسلام.

السابع عشر من شهر محرم الحرام لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp