هل يمكن القول بأن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يشاركوا في قتل عثمان؟ وهل كان الإمام رافضا لقتله حقا؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ الفاضل ياسر الحبيب حفظه الله ووقاه من كل سوء وحشره مع محمد وآله الطاهرين.
عظم الله أجوركم وأجورنا باستشهاد الرسول الأكرم.
لدينا بعض الأسئلة عن مدى صحة مشاركة أصحاب أمير المؤمنين في قتل عثمان لعنة الله عليه وهل هي تتعارض مع أقوال أمير المؤمنين عليه السلام وهي من نهج البلاغة نشر مؤسسة دار الهجرة الطبعة الثانية.

س1:ألا يمكن أن تعتبر مثل هذه الأقوال من خطب وكتب الامام صلوات الله عليه دليلا على عدم مساهمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام وأصحابه المخلصين في قتل عثمان لأنها إما قد تنسب القتل إلى غيره أو قد تشير إلى عدم رضاه.

أ-من كتاب له في نهج البلاغة إلى معاوية جوابا رقم 28 صفحة 491 :” ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان ، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له ، أهدى إلى مقاتله ! أم من بذل له نصرته فاستقعده واستكفه ، أم من استنصره فتراخى عنه بث المنون إليه ، حتى أتى قدره عليه ، كلا والله لقد علم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا . وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا ، فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له ، فرب ملوم لا ذنب له . وقد يستفيد الظنة المستنصح وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت ".

وقد صار الإمام عليه السلام سفيرا بينه وبين الناقمين ونصح عثمان مرارا في الخروج من مظالمهم ، فطلب من عثمان أن يكف الامام عن نصرته وقد أخرج عثمان الامام من المدينة إلى ينبع ولعله طلب إليه أن لا يتدخل في الأمر بعدما هدأ الامام الثوار وطلب منهم أن يكفوا عن عثمان بل أرسل الماء مع الإمام الحسين عليه السلام إليه حيث حصروه في داره.

ب-ومن كتاب له عليه السلام في نهج البلاغة صفحة 463 رقم 6 إلى معاوية "ولعمري يا معاوية ، لئن نظرت بعقلك دون هواك ، لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان ، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه ، إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك ، والسلام .”
فهو عليه السلام لم يشارك بيد ولا لسان

ج-ومن كلام له عليه السلام لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان من نهج البلاغة صفحة 110 رقم 74 ”أولم ينه بني أمية علمها بي عن قرفي ؟ أو ما وزع الجهال سابقتي عن تهمتي ؟ ولما وعظهم الله به أبلغ من لساني ...”.

د- ومن كلام له عليه السلام من نهج البلاغة صفحة 70 رقم 30 في معنى قتل عثمان “لو أمرت به لكنت قاتلا أو نهيت عنه لكنت ناصرا ، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من هو خير منه ، ومن نصره لا يستطيع أن يقول نصره من هو خير مني ، وأنا جامع لكم أمره ، استأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع ، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع" .

ه- ومن كلام له عليه السلام في نهج البلاغة صفحة 454 رقم 240 وهو آخر الخطب في النهج قاله لعبد الله بن عباس "...والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما.".

و-ومن كلام له عليه السلام في معنى طلحة والزبير من نهج البلاغة صفحة 238 رقم 137 ”و اللّه ما أنكروا علي منكرا ، و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا . و إنّهم ليطلبون حقّا هم تركوه ، و دما هم سفكوه . فإن كنت شريكهم فيه فإنّ لهم نصيبهم منه ، و إن كانوا و لوه دوني فما الطّلبة إلاّ قبلهم".

ز-ومن كلام له عليه السلام في نهج البلاغة في معنى طلحة بن عبيد الله صفحة 306 رقم 174”...والله ما أستعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه ، لأنه مظنته ... “.

ح-توضيح النهج صفحة 473 “...وزعمت أنك جئت ثائرا بعثمان . ولقد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالبا ...”.

ومن الممكن أن يستفاد من الشواهد السابقة أن معاوية عالم على من لزم الدم ومن أراقه ومن حرض وحث عليه كطلحة وعائشة والزبير ، وعثمان مهدور الدم بما فعله من الجرائم والبدع الثابتة أو على الأقل أمره شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ، وبناء على قاعدة الإلزام فإن القتلة كانوا مجتهدين وللمجتهد أجر واحد فلا يقع القصاص عليهم على مسلك معاوية وأضرابه ، هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك انتقائية وتناقض واضح في المطالبة بقتل قتلة عثمان لعنه الله حيث أن معاوية لم يلاحق كبار المحرضين كطلحة والزبير وعائشة وعمرو بن العاص مما يستدل منه عدم جدية الدعوى بالقصاص من قتلة عثمان إنما هي دعوىى كيدية من معاوية لعنه الله إن صح التعبير ، لكن ألا يمكن أن يستفاد عدم مشاركة أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أيضا لعدم رضاه سلام الله عليه بالاتهامات الموجهة إليه ولتبريء نفسه من دم عثمان على ما قد يبدو من أقواله السابقة ؟

س2:لماذا لم يرض أمير المؤمنين عليه السلام بالأسلوب الذي قتل فيه عثمان لعنه الله على ما قد يفهم من بعض الأخبار ، هل يرجع ذلك إلى أن مقتله بهذه الطريقة يفتح على الأمة باب التقاتل فلا تسلم أمور المسلمين فيكون عدم الرضى من باب التزاحم وسد طرق الشر التي وقعت بالفعل بعد ذلك من قبل الناكثين والقاسطين والمارقين فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام من كلام له في نهج البلاغة صفحة 287 رقم 164:"...يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة..." ؟


باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى أصل يوم العذاب حيث انتهكت حرمة الزهراء (صلوات الله عليها) وجرى الهجوم عليها وإزهاق روح جنينها السبط المحسن السقط صلوات الله عليه، جعلنا الله وإياكم من الطالبين بالثارات مع إمامنا المهدي المنتظر صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف.

زبدة القول في هذا الموضوع تتوقّف على بيان مقدّمة هي: إن الأمة محكومة شرعا بإمامها المعصوم، ولا ينبغي لأفرادها الإقدام على أي عمل من قبيل الخروج على السلطان إلا بإذنه ورضاه وتوجيهه، حتى ولو كان أصل الخروج مباحاً، فإن على أفراد الأمة التقيّد بالكيفية التي يأمر بها الإمام لتحقيق مقاصد الخروج والثورة، بل عليهم الاستئذان في وقته ومبدئه سيّما إذا كان الإمام حاضرا.

ونظير ذلك؛ قتل الناصب الفعلي، فإنه مُباح أصلاً، إلا أن مبدأه ووقته وكيفيته تتطلب جميعا الاستئذان من الإمام المعصوم عليه السلام، لأن المعصوم أقدر على تشخيص صلاح العمل من عدمه في المورد، وتوجيهه بما يدرأ المفاسد، فإذا أقدم أحدٌ على قتل ناصبي بغير استئذان كان عمله من قبيل ترك الأولى، ولهذا نجد الصادق (صلوات الله عليه) يقول لعبد الله بن النجاشي الذي قتل جماعة من النواصب: ”يا أبا خداش؛ عليك بكل رجل منهم قتلته كبش تذبحه بمنى، لأنك قتلتهم بغير إذن الإمام، ولو أنك قتلتهم بإذن الإمام لم يكن عليك شيء في الدنيا والآخرة“. (الكافي ج7 ص370).

ولا يخفى أن دية النفس ليست شاة واحدة بل هي ألف شاة، فذبح شاة واحدة والتصدّق بها في منى إنما يكون لجبر ترك الأولى وهو استئذان الإمام رغم أن العمل مباح أصلا.

إذا عرفت هذا؛ فاعلم أن الأمة بمن فيهم من بعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) كان ينبغي عليهم أن يسلكوا سبيلا آخر للتخلص من عثمان لعنه الله، وهو تحشيد الناس وتوعيتهم بحقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ليأتوه مبايعين بالخلافة فيقوم هو بخلع عثمان، وكان ذلك سيدرأ كثيرا من المفاسد كإراقة الدماء واختلاط الحق بالباطل.

أما إراقة الدماء فإن عثمان لو لم يُقتل لما كان لعائشة وطلحة والزبير ومعاوية الطلب بدمه كذبا وتصنّعا بدعوى أنه مقتول ظلما، الأمر الذي كان سيجنّب الأمة هذه الحروب الأهلية الطاحنة، لا لأن عائشة وطلحة والزبير ومعاوية (لعنهم الله) سيتورّعون عن محاولات إشعال فتيل الحرب؛ بل لأنهم لن يحصلوا على مظلومية يتاجرون بها أو (قميص عثمان) يخدعون به الناس ويستثيرون به عواطفهم لينصروهم ويقاتلوا الأمير عليه السلام.

وأما اختلاط الحق بالباطل فإن الذين بايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان إنما بايعوه دون أن يعرفوا من هو؟! فقد بايعوه كما بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان (لعنهم الله) بتصوّر أنه مجرد حاكم أو خليفة بالمعنى الذي يعتقدونه، ولم يبايعوه على أنه إمام مفترض الطاعة وحجة الله على الخلق أجمعين!

وكان الأمير (عليه السلام) مضطرا لأن يسير بهؤلاء لقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، ومن هنا كان يتجنّب إجمالا الإفصاح عن مقامه الشرعي وموقفه ممن تقدّمه، وهو الموقف الذي كان يعرفه خُلّص أصحابه من شيعته، إلى أن تهيّأ له أن يفصح عن شيء من ذلك في البصرة بعد معركة الجمل، ثم صرّح بالحقيقة كاملة في أواخر خلافته على منبر الكوفة، فإلى ذلك الحين كان ثمة اختلاط للحق بالباطل، إذ لم يعلم عامة الناس أن عليا يبرأ إلى الله من أبي بكر وعمر وعثمان ويوجب ذلك على أصحابه.

ولو أن الناس حين بايعت عليا (عليه السلام) علمت من يكون واستذكرت نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليه؛ لما وقع مثل هذا الخلط، إلا أن الذي جرى هو أن الناس بايعته كردّ فعل على مقتل عثمان ليس إلا، ومن هنا كان الإمام (عليه السلام) كارها لهذه البيعة غير المكتملة وحاول تجنّبها في بادئ الأمر.

بناءً على ما تقدّم؛ فإن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ما كان راغبا عن قتل عثمان بالكيفية التي وقعت، وإنْ كان قتله مباحا بالأصالة، وما يبدو من محاولاته (عليه السلام) لمنع قتله لم تكن إلا محاولات لتصويب الفعل ودرء المفاسد وضبط الانفلات، لا أنها بُذلت لحماية عثمان أو نصرته، فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يأمر ولم ينهَ في شأنه، وهذا صريح قوله: ”لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت ناصرا، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من هو خير منه، ومن نصره لا يستطيع أن يقول نصره من هو خير مني“. (نهج البلاغة - الخطبة: 30).

ومنه تعرف أنه (عليه السلام) كان على موقف الحياد (في الكيفية) وعلى موقف التأييد (في الأصل) كما هو بادٍ من ذيل كلامه، فإنه يصرّح فيه بأن الذين خذلوا عثمان خير من الذين نصروه.

ثم إن عدم تقاصّه (عليه السلام) من قتلة عثمان وإبقائهم مقرَّبين منه - كمحمد بن أبي بكر وكميل بن زياد النخعي وعمرو بن الحمق الخزاعي وحكيم بن جبلة العبدي - يؤكد موقفه في استحقاق عثمان للقتل وإن كان متحفظا على الأسلوب والكيفية على ما قرّرناه. وأما أن أصحابه (عليه السلام) لم يشاركوا في قتل عثمان؛ فذلك مما هو بعيد عن الادّعاء فضلا عن الإثبات مع استفاضة ذلك في التاريخ، وإنما أمر الروايات التي نقلتموها هو على ما شرحناه.

وفقكم الله وإيانا لنصرة نبيّه وأهل بيته صلوات الله عليهم. والسلام.

الرابع من ربيع الأول لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp