علي أو عثمان .. فإنهما لا يجتمعان!

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
علي أو عثمان .. فإنهما لا يجتمعان!

19 شهر رمضان 1446

الشيخ:

الفرقة البكرية مولعة بتدوير الزوايا الحادة والتهوين من العظائم التي تهدد أسس المذهب وأركانه، ولا تعدم حينئذ ترقيع الفتوق ولو بالوضع والاختلاق.

من ذلك ما وضعوه على أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما من أنه كان يدين مقتل الطاغية الثالث عثمان بن عفان، وأنه كان يلعن قتلته في السهل والجبل! إلا أن ذلك ترده الحقيقة التاريخية التي تذكر أن قتلة عثمان والثائرين عليه كانوا من رجال أمير المؤمنين عليه السلام، وبعضهم كان من حوارييه الملازمين له، وكانت هذه ذريعة عائشة وطلحة والزبير ومعاوية في خروجهم عن طاعته وشن الحرب عليه، إذ طالبوه بتسليمهم فأبى، مبقيا إياهم آمنين في حمايته. ولا يُعقل أن يلعن الإمام رجالا كانوا أهل ثقته المتحلقين حوله عن يمينه وعن شماله! ولو كان لهذه الموضوعات نصيب من الصدق؛ لكان عليه السلام يقتص منهم ولا تأخذه رأفة بهم في دين الله.

تجيب البكرية التقليدية عن هذا بادعاء سخيف يقول: إنما الذي حبس عليا عن الثأر لابن عفان والاقتصاص من قتلته؛ أنه خشي إن قتلهم أن تتألب عشائرهم وتعود الأمة في فتنة، فتريَّثَ إلى أن يتمكن من تسكين الأوضاع وتهدئة الاضطرابات، وكان تصرفه من باب تغليب المصلحة ودرء المفسدة.

بيد أن هذا الادعاء يسقط كالأوراق اليابسة عند أول نسمة حقيقة، فلو كان حقا ما ادعوا؛ لكان يكفيه عليه السلام أن يترك قتلة عثمان في هامش أصحابه إلى حين تسنح الفرصة للاقتصاص منهم، إلا أنّا وجدناه يقرّبهم ويدنيهم ويجعلهم من ثقاته، حتى لقد جعل بعضهم من أركان دولته، فهذا أمير مصر، وذاك قائد جيش، وثالث ورابع.. حتى إذا قُتِلوا أسف عليهم شديد الأسف، ورثاهم متأوها من فقدهم، مترحما عليهم بأبلغ الترحم، ومثنيا عليهم أعظم الثناء، حتى لقد قال في مالك الأشتر رضوان الله عليه: «على مثل مالك فلتبكِ البواكي»! فكيف يستقيم هذا مع ادعاء أنهم مبغوضون عنده وملعونون؟!

ثم لو كانوا مستحقين للقتل عنده عليه السلام بدم عثمان الذي سفكوه بأيديهم أو بألسنتهم؛ وكان الذي يحبسه عن ذلك خوف الفتنة وجريان مزيد من الدماء، فما باله لم يحبسه هذا الخوف عن مواجهة عائشة وحزبها ومعاوية وحزبه في حروب أهلية طاحنة جرت فيها من الدماء أضعاف أضعاف ما لو قتل قتلة عثمان؟! بل لماذا لم يضع يده بأيدي عائشة وطلحة والزبير ومعاوية ومن انضم إليهم من الطالبين بثأر عثمان لمواجهة قتلته؟! فإن أولئك أعظم عددا وعدة بكثير من قتلة عثمان، ولا قِبَلَ لهؤلاء بأولئك حتى ولو تعصبت لهم عشائرهم. والمفروض أن أولئك كانوا على حق في مطالبتهم بدم عثمان، وهؤلاء كانوا على باطل تمثل في الخروج عليه وقتله.

فكيف يُتصوَّر أن يخشى علي عليه السلام ما يترتب على سفك دم أهل الباطل ولا يخشى ما يترتب على سفك دم أهل الحق؟!

إن العكس هو الصحيح! فهؤلاء الذين اعتبرتهم البكرية على باطل هم عند علي عليه السلام على حق! فما هم سوى ثوار على الظلم والاستبداد والطغيان الذي مثَّله عثمان! وأولئك الذين اعتبرتهم البكرية على حق هم عنده عليه السلام على باطل! فما هم سوى طلاب دنيا بقميص عثمان! بل إن ابن عفان نفسه لم يكن يساوي عند أبي الحسن عليه السلام جناح بعوضة! وكان دمه هدرا شرعا! ولم يكن سوى (حمال الخطايا) كما سمّاه أمير المؤمنين عليه السلام في خبر قوي السند ترويه البكرية نفسها في (الأخبار الموفقيات) يقول: «جاء رجل إلى علي عليه السلام يستشفع به إلى عثمان. فقال: حمّال الخطايا! لا والله لا أعود إليه أبدا». أما صاحب (شرح النهج) فيذكر ما هو أقوى وقعا، وهو قوله عليه السلام: «يا أبناء المهاجرين، انفروا إلى أئمة الكفر، وبقية الأحزاب، وأولياء الشيطان، انفروا إلى من يقاتل على دم حمّال الخطايا! فوالله الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئا»!

وهذه المرويات لا يسع المنصف إلا قبولها لأن مسلمات التاريخ تشهد بصحتها، فلو أن الإمام عليه السلام كان يرى لعثمان حرمة، لأبدى من الاهتمام بجنازته ما ينبغي إبداؤه للمؤمن العادي على الأقل! إلا أنّ التاريخ صدم الجميع بحقيقة أنه عليه السلام لم يبدِ أي اهتمام يُذكر، فلم يشهد جنازة عثمان ولم يصلِّ عليه، بل أهمله إهمالا لا نظير له حتى لقد روي عن مالك بن أنس كما في (تهذيب الكمال): «لما قُتل عثمان أُلقي على المزبلة ثلاثة أيام»! فكيف يمكن أن نصدق أنه كانت لعثمان منزلة أو أنه قُتل شهيدا مظلوما كما يزعمون وقد أهمله هكذا حتى صار مثلا للسقوط في هوة الجحيم؟!

واليوم أصبح يضيق على البكرية الرسمية الخناق، وصار إنكار هذه الحقائق صعبا مع نجوم قرون النواصب الجدد منهم الذين كفونا مؤونة إلزامهم بهذه الحقائق المعروفة، فإنهم ما عادوا ينكرونها، بل باتوا يؤكدونها في سياق عملهم على تنقيح المذهب البكري وإعادته إلى أصوله الأولى، غرضهم من ذلك حمل المسلمين على البراءة من إمام المتقين عليه السلام، لاستحالة الجمع بين موالاته وموالاة عثمان في قلب واحد، فإن أحدهما إما ظالم وإما مظلوم! وقد اختار هؤلاء الناصبة مظلومية ابن عفان!

ولكن هؤلاء الحقراء لم يدركوا أنهم باختيارهم المشين هذا؛ قد حفروا قبورهم بأيديهم! ذلك لأن حكم سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين لا يترك للمسلم التقي إلا أن يختار نقيضه، وهو كون علي مع الحق والحق معه يدور حيثما دار! وأن الباطل مع الفئة الباغية التي نصرت عثمان ورفعت قميصه تطالب بثأره!

ولنا مع هذه النقطة المهمة وقفة تأتي إن شاء الله تعالى؛ تقرِّب الناصبة هؤلاء من قبورهم التي حفروها بأيديهم!

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp