20 شهر رمضان 1446
الشيخ:
للنواصب الجدد أزمة خانقة مع الحديث النبوي الشريف الذي يقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» لأنه - كما قدّمنا - يهدم بنيانهم على رؤوسهم، فإنهم يجتهدون في تنزيه معاوية وفئته من البغي، وإلصاق ذلك في المقابل بأمير المؤمنين عليه السلام وفئته التي استشهد فيها عمار عليه الرحمة! لذا كان لا بد لهم من أن يعالجوا أزمتهم مع هذا الحديث بأي علاج يجعلهم في حِلٍّ منه، إذ الحديث الخطير هذا كالسيف المسلط على رقابهم، فطفقوا يلوونه ويلتوون كالأفاعي التي تفر من ضوء الشمس!
ولئن كان علاج بعضهم لا يستأهل إلا السخرية منه والاستهزاء بصاحبه إذ ادعى أن (عمار) مصحَّف (عثمان)! فإن بعضا آخر منهم تقمص ثوب العلم والتحقيق وأطلق فرقعة صوتية ظنها فتحا من الفتوح إذ زعم أن عبارة (تقتله الفئة الباغية) هي عبارة مكذوبة مدسوسة في أصل الحديث!
وحينما أراد الأخرق أن يقيم دليله على زعمه قال: إن نسخ البخاري المخطوطة خالية من هذه الزيادة في الحديث الذي ليس فيه سوى: «ويح عمار يدعوهم إلى الجنة [أو: إلى الله] ويدعونه إلى النار». والمراد هو ما كان بين عمار وكفار قريش في مكة! ولا علاقة لهذا الحديث بما كان بينه وبين معاوية وأصحابه في صفين!
وهذا الزعم يأنف منه من له أدنى تحصيل علمي في علم الحديث، وذلك للنقوض التالية:
أولا؛ إن ثمة نسخة مخطوطة من صحيح البخاري فيها الحديث بتمامه متضمنا قوله صلى الله عليه وآله: «تقتله الفئة الباغية»، وهي نسخة الصغاني وهي من أصح نسخ البخاري وأعلاها إسنادا، وقد ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري كما وثق الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري. والصغاني معروف بالضبط والإتقان، كما يعتبر من المحدثين المتشددين بحسب الكتاني «وله رسالتان في بيان الأحاديث الموضوعة، جمع فيها كثيرا من الأحاديث التي لم تبلغ درجة الوضع، فعُدَّ من المتشددين كابن الجوزي، أثنى عليه كبار المحدثين والعلماء وأهل اللغة». ومثل هذا الرجل المتشدد لا تفوت هذه الزيادة عليه إن كانت موضوعة أو مدسوسة كما يزعم هؤلاء السفهاء.
ثانيا؛ إن أكثر نسخ البخاري الموثقة تتضمن هذه العبارة كما أكده الدكتور أحمد معبد عبد الكريم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، فإن له رسالة بعنوان: (إرشاد القاري إلى النص الراجح لحديث «ويح عمار» من صحيح البخاري)، خلص فيها بعد مقابلة النسخ والتدقيق فيها إلى قوله: «ومن كل ذلك يظهر لنا أن الراجح هو ثبوت عبارة (تقتله الفئة الباغية) عقب عبارة (ويح عمار) في صحيح البخاري، ضمن سياق حديث أبي سعيد الخدري، وذلك في كلا الموضعين اللذين أخرج البخاري الحديث فيهما، وذلك بناء على ثبوتها في أكثر روايات ونسخ الصحيح الموثقة المعروفة المتداولة. بناء على ما تقدم فإنه يكون القول بعدم ذكر البخاري إطلاقا لهذه العبارة في صحيحه، قولا مردودا على قائله، بما قدمته من الأدلة المعتمدة، وكذلك القول بأنها مدرجة في رواية البخاري هذه بواسطة غيره».
ثالثا؛ إن شيخ الناصبة ابن تيمية لعنه الله لم يسعه جحد كون هذه العبارة من أصل الحديث، مع أنه الذي نعلم في جحده لغير حديث وأثر من الأحاديث والآثار الصحيحة بل والمتواترة التي تخدم موقف أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم وشيعتهم الصالحين، فلو كان في هذه العبارة أدنى شائبة؛ لوجدت ابن تيمية يرفع عقيرته، لكنه لم يجد! بل أنطقه الله بالحق إذ حكى إجماع علمائهم على تضمن الحديث لهذه العبارة، فقال في منهاج سنته متعرضا لخلو بعض نسخ البخاري من هذه الزيادة: «لكن في كثير من النسخ لا يُذكر الحديث بتمامه، بل فيها: (ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار). ولكن لا يختلف أهل العلم بالحديث أن هذه الزيادة هي في الحديث».
وأما دعوى النواصب الجدد أن الحديث إنما هو ناظر إلى ما كان بين عمار وكفار قريش في مكة إذ كان يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار؛ فدعوى باردة متهافتة، لأنها تعتمد على جعل الحديث منصرفا إلى ما وقع لعمار في الماضي، والحال أنه منصرف إلى ما سيقع لعمار في المستقبل، بقرينة قول عمار نفسه في آخر الحديث: «أعوذ بالله من الفتن». ولا نعلم فيما استُقبل من حروب وقعت بين المسلمين والكافرين أنه كان لعمار دور خِصّيص فيها بحيث يعد فيها رأسا ونِدًّا وفارقا، وإنما نعلم ذلك كله منه في حروب أمير المؤمنين عليه السلام بلا نزاع ولا خلاف، فتعيّن أن يكون مراده من قوله: «أعوذ بالله من الفتن» منصرفا إلى ما سيستقبله من فتن بين المسلمين، وهو الذي كان في الجمل وصفين. وعليه؛ فحتى لو جارينا النواصب الجدد في دعواهم خلو حديث البخاري من زيادة (تقتله الفئة الباغية) فإن ما بقي منه يكفي لإثبات أن فئة معاوية كانت تدعو إلى النار! فيما يدعوهم عمار إلى الجنة. وهذه أوقع من تلك لو كان هؤلاء البلهاء ينتبهون!
إن هؤلاء النواصب الجدد يعيشون وهم أن بمقدورهم تلميع صورة ابن آكلة الأكباد؛ إمام الدعاة إلى النار! ونزع صفة البغي عنه وعن أصحابه الفجرة الفسقة وإلصاقها بأطهر وأشرف من عرفته البشرية بعد المصطفى صلى الله عليه وآله! إمام الأتقياء وعظيم العظماء المرتضى علي صلوات الله عليه، الذي تعيش الأمة الإسلامية حزنها المتجدد على فقده شهيدا في محراب صلاته في مثل هذه الليلة من ليالي القدر. فـ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ). وسيبقى علي عليه السلام نورًا لهذه الأمة ينير دربها إلى الجنة، كما سيظل معاوية عليه اللعنة ظلمةً يتيه فيها عمي البصائر إلى النار! وما بينهما يبقى الحق دائما غالبا، والباطل سيظل دائما زاهقا، (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)!
وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.
الشيخ:
— الشيخ ياسر الحبيب (@Sheikh_alHabib) March 21, 2025
للنواصب الجدد أزمة خانقة مع الحديث النبوي الشريف الذي يقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» لأنه - كما قدّمنا - يهدم بنيانهم على رؤوسهم، فإنهم يجتهدون في تنزيه معاوية وفئته من البغي، وإلصاق ذلك في المقابل بأمير المؤمنين عليه السلام وفئته التي استشهد فيها عمار عليه الرحمة!… pic.twitter.com/4slcR7rJBw