ترقيع ابن حجر لم يستر عورة البخاري!

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
ترقيع ابن حجر لم يستر عورة البخاري!

23 شهر رمضان 1446

الشيخ:

مما يؤكد أن البخاري الدجال قد حذف متعمدا «تقتله الفئة الباغية» من قول سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين في عمار رضي الله عنه؛ أن أبا مسعود الدمشقي قال كما نقله عنه الحميدي: «لم يذكر البخاري هذه الزيادة، وهي في حديث عبد العزيز بن المختار، وخالد بن عبد الله الواسطي، ويزيد بن زريع، ومحبوب بن الحسن، وشعبة، كلهم عن خالد الحذاء. ورواه إسحاق بن عبد الوهاب هكذا. وأما حديث عبد الوهاب الذي أخرجه البخاري دون (هذه الزيادة) فلم يقع إِلينا من غير حديث البخاري».

فأنت ترى أن الحديث من دون عبارة «تقتله الفئة الباغية» لم يُعرف من غير رواية البخاري، فجميع هؤلاء الحفاظ والمحدثين رووه بتمامه مع (هذه الزيادة)، ولم يقع لهم هذا الذي انفرد به البخاري وشذ به، مع أنهم قد اتصلوا بشيوخه ورووا عنهم كما روى، فكيف سمعوا جميعا الحديث من هؤلاء وفيه «تقتله الفئة الباغية» فيما البخاري وحده لم يسمع ولم تقع له (هذه الزيادة) فصار الحديث عنده منقوصا مبتورا؟!

إن هذا يسقط احتمال أن البخاري لم تقع له (هذه الزيادة)، فلا يبقى إلا الاحتمال الآخر الشنيع، وهو أنه قد حذف (هذه الزيادة) عمدا! فقد مر معنا من قبل كلام الحميدي إذ قال: «ولعلها لم تقع للبخاري، أو وقعت فحذفها عمدا»!

وهذا ما يذهب إليه أيضا شارح صحيح البخاري؛ الحافظ ابن حجر العسقلاني، الذي أتانا بترقيع ممجوج لخيانة البخاري في التصرف بحديث خاتم النبيين صلى الله عليه وآله. قال: «قلت: ويظهر لي أن البخاري حذفها عمدا! وذلك لنكتة خفية، وهي أن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم، فدلَّ على أنها في هذه الرواية مدرجة، والرواية التي بيَّنت ذلك ليست على شرط البخاري، وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد: (فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يابن سمية؛ تقتلك الفئة الباغية) انتهى. وابن سمية هو عمار، وسمية اسم أمه. وهذا الإسناد على شرط مسلم، وقد عيَّن أبو سعيد مَن حدثه بذلك، ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : (حدثني من هو خير مني أبو قتادة، فذكره) فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث»!

ولنا مع ترقيع ابن حجر وتهوينه مما ارتكب البخاري؛ وقفات نقدية:

أما أولا؛ فإن هذا محض تبرع أخرجه ابن حجر من كيسه في توجيه تعمد البخاري حذف هذه العبارة الخطيرة من الحديث، فلم يؤثر عن البخاري أنه تعمد حذفها لعلة فيها أو لمخالفتها شرطه المزعوم.

وأما ثانيا؛ فإن الأمانة العلمية وأمانة النقل تقتضي من المحدث أن يحدث بالحديث كما تلقاه من شيوخه، وأن يؤدي كما سمع بلا زيادة ولا نقصان. فأما أن يتصرف بمتن الحديث على هواه فيحذف منه كلمات بذريعة مخالفتها لشرطه فتلك هي الخيانة العلمية بعينها! ولا سيما أن البخاري لم ينبه إلى حذفه وإعلاله، والشرط إنما يكون في السند؛ فإما أن يقبله المحدث فيحدث بمتن الحديث كما سمع، وإما أن لا يقبله فيترك الحديث إلا أن ينبّه. أترى يجوز لأحد الرافضة مثلا أن يأخذ حديثا من أحاديث البخاري يروق له بعضه ولا يروق له بعضه الآخر، فيرويه عنه بسنده نفسه مع أنه قد قطّعه أوصالا فأبقى مثلا: «علي في الجنة» وحذف «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة» ثم لمّا يعاتَب على ذلك يقول: قد خالفتْ البقية شرطي وهذه زيادات منكرة؟!

وأما ثالثا؛ فإن دعوى أن (هذه الزيادة) معتلة أو مخالفة لشرط البخاري دعوى باطلة، لأن إرسال الصحابة لا يضر بشرط الصحة لا عنده ولا عند غيره، فكيف وقد عيَّن أبو سعيد من حدثه بهذه العبارة ونصّ على أنه خير منه وهو أبو قتادة؟! وكلام ابن حجر يؤول إلى اتهام البخاري بأنه لا يرى عدالة جميع الصحابة لو كان ابن حجر يعقل ما يقول! لأن حذف البخاري لقوله: «تقتله الفئة الباغية» بدعوى أن أبا سعيد لم يسمعها مباشرة منه صلى الله عليه وآله وإنما سمعها من غيره عنه؛ معناه أن البخاري لا يلتزم بضرورة عدالة هذا الغير مع أنه لا محالة من الصحابة حتى وإن أعرضنا عن الرواية التي تسمي أبا قتادة! فانظر كيف يهدم كهنة البكرية مذهبهم بأنفسهم حين يرقّع بعضهم لبعض!

وأما رابعا؛ فقد اعترف ابن حجر بأن الرواية التي بينت عدم سماع أبي سعيد هذه العبارة مباشرة من النبي صلى الله عليه وآله ليست على شرط البخاري أصلا! فكيف رتَّب عليها الأثر فتلاعب بالحديث وتصرَّف فيه وحذف منه ما حذف؟!

وأما خامسا وأخيرا؛ فإن الذي يبدد ما افترضه ابن حجر من سبب لما ارتكب البخاري؛ أنّه لم يجرِ هذا الفعل الشنيع في غير هذا الحديث من صحيحه مع أن كثيرا منها مبتلاة بمثل هذه العلة المزعومة وزيادة! فهذا البخاري قد أخرج مثلا حديث عروة «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك! فقال: أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال». هذا مع أن عروة كما هو معلوم؛ لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله ولم يسمع منه مباشرة، فما بال البخاري أخرج هذا الحديث؟! فإن قلتَ: لأن هذا الانقطاع لا يضر فإن عروة إما أنه سمع من خالته عائشة أو سمع من أمه أسماء عن أبي بكر؛ والجميع عدول، قيل لك: وكذلك أبو سعيد الخدري! قد سمع من غيره من الصحابة العدول، وهو أولى من عروة لأنه صحابي لا تابعي؛ وقد عيّنت رواياته الأخرى من سمع منه وهو أبو قتادة!

إن علة الحذف العمدي واضحة، وهي الحرص على تحصين معاوية!

نعم؛ ليست العلة بالتي يدعيها ابن حجر زاعما «دقة فهم البخاري وتبحره في الاطلاع على علل الحديث»! وإلا فلماذا لم ترَ عين البخاري هذه العلة بعينها - وهي أكبر - في حديث عروة فأخرجه في صحيحه بطيب نفس وراحة بال؟! هل هذا إلا لأن حديث عروة يخدم المذهب البكري فيما حديث أبي سعيد يضره؟! فإن الأول في صالح أبي بكر فارتضى البخاري تخريجه في صحيحه، أما الآخر ففي ضرر معاوية وفئته الباغية فتلاعب به البخاري وبتره ولم يخرج منه إلا ما رأى أنه لا يضر!

وهكذا يظهر البخاري على حقيقته القبيحة؛ متعصبا للشجرة الملعونة في القرآن، محاميا عن ابن آكلة الأكباد ورؤوس البغي والفساد، خائنا للأمانة العلمية، مستغفلا لأبناء الأمة الإسلامية، يلعب بكلام سيد المرسلين صلى الله عليه وآله كما يلعب الورَّاقون بحروف الكتب، فحين تصادمت «تقتله الفئة الباغية» مع أصول مذهبه؛ اختار أن يقطع من الحديث قلبه ويتركه جثة بلا روح!

هكذا ظن المحتال الدجال أنه سيفلت بفعلته! ولكن هيهات! فههنا رجال الرافضة بالمرصاد لكل أفاك أثيم! (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)!

وللكلام صلة إن شاء الله تعالى.

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp