ردت المتواترات وقبول الموضوعات .. آخر صيحات النواصب الجدد!

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
ردت المتواترات وقبول الموضوعات .. آخر صيحات النواصب الجدد!

24 شهر رمضان 1446

الشيخ:

الخبير بديدن عامة كهنة البكرية يدرك أنهم مهما قعَّدوا من قواعد أو أصَّلوا من تأصيلات؛ فإنهم لا يألون في تجاوزها جميعا متى كانت حماية المذهب من السقوط تستحثهم عليه، لذا يُرَوْنَ يضعفون أحاديث هي طبقا لقواعدهم من الصحاح! أو يصحِّحون أحاديث هي طبقا لقواعدهم من الضعاف!

بيد أن هناك أحاديث وأخبار تبلغ من الصحة والقوة والاشتهار ما لا يجسر معه عامة كهنة البكرية على الإنكار أو التكذيب أو حتى التشكيك في الصدور، لأن الواحد منهم إن أقدم على ذلك فإنه سيعرِّض نفسه حينئذ لما ينزع عنه الصفة العلمية أساسا! لذا يلجم نفسه عن هذه المجازفة؛ لاجئا حينئذ إلى التأويل أو التهوين أو تدوير الزوايا للمحافظة على المذهب والحيلولة دون سقوطه.

وحديث «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» هو من هذا الجنس من الأحاديث، فإنه ليس من قبيل خبر الواحد القابل للتضعيف؛ بل هو من الأخبار المتواترة التي لا يرقى إليها الشك، والتي يستغني قبولها عن البحث في سندها، لأن التواتر معناه رواية جمع كثير عن جمع يستحيل تواطؤهم جميعا فيه على الكذب.

نص على تواتر هذا الحديث الشريف أعلام المذهب البكري وأركانه، فهذا المزي يقول في (تهذيب الكمال): «وتواترت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمار: (تقتلك الفئة الباغية). روي ذلك عن عمار بن ياسر، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، في آخرين».

وهذا ابن عبد البر في (الاستيعاب) يقول: «وتواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تقتل عمارا الفئة الباغية) وهذا من إخباره بالغيب وأعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وهو من أصح الأحاديث».

وهذا السيوطي يقول في (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة): «هذا الحديث متواتر، رواه من الصحابة بضعة عشر».

وقال القرطبي في (التذكرة): وهو من أثبت الأحاديث كما تقدم، ولما لم يقدر معاوية على إنكاره لثبوته عنده قال: إنما قتله من أخرجه، ولو كان حديثًا فيه شكٌّ لردَّه معاوية وأنكره وأكذب ناقله وزوَّره، وقد أجاب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه! قال ابن دِحْيَة: وهذا من عليٍّ إلزامٌ مفحم لا جواب عنه، وحجةٌ لا اعتراض عليها».

أما ابن حجر؛ فإنه بعد ترقيعاته الهشّة التي تناولناها، نجده يبخع فيقول في (فتح الباري): «فائدة: روى حديث (تقتل عمارا الفئة الباغية) جماعة من الصحابة: منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه».

ولعلك لاحظت أن الحديث مروي بطرق حتى عن الذين كان يحاربهم عمار بن ياسر رضوان الله عليهما ويحاربونه؛ كعثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص! فلم يكن بإمكان هؤلاء جحده، كما لم يكن بإمكان من أتى بعدهم، ولا سيما أن الحديث كان من إخباره صلى الله عليه وآله بالمغيبات التي تحققت، فغدا بذلك من أعلام نبوته الباهرة، ولذا تجده إلى اليوم حجة يُحْتَجُّ بها في كتب العقيدة لدى مختلف الفرق، وتُناظَر به شتى الأمم دليلًا ساطعًا على صدق نبوة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله.

لهذا اضطر عامة كهنة البكرية للتسليم بصدق الحديث وصحته، إلا أن أفراخ الناصبة من شُذّاذهم أبوا إلا جحودا! لأن هؤلاء لا معايير علمية يلتزمون بها البتة، وإنما الذي يلتزمون به هو معيار واحد فقط، وهو أن ما يهدد المذهب؛ يُطرح وإن كان كنور الشمس الذي لا يُحجب! وما يحمي المذهب؛ يُقبل ولو كان على جبينه أثر الكذب!

هذا هو المعيار المنحط لدى هؤلاء الأراذل، لذا تراهم لا يتحرَّجون من رد المتواترات وقبول الموضوعات!

أما رد المتواترات؛ فدونك هذا الحديث الذي نحن فيه، فلقد علمتَ أنه في أعلى درجات التواتر، ومع ذلك تراهم يردّونه ويزعمون أنه (زيادة مدسوسة)! وليس لهم من دليل على ذلك سوى خلو بعض نسخ صحيح البخاري منها! وقد علمتَ مما تقدم أنه حدث بها ثم تعمّد حذفها لغرضه التعيس الذي فصَّلناه. وأيًّا كان؛ فإنه سواء أخرج الحديث بتمامه أم لم يخرج، حذف منه أم لم يحذف؛ فإنه ثابت بالتواتر وبالأسناد الصحيحة في غيره من الصحاح والمسانيد وكتب الأثر والسيرة والتاريخ كلها، فليس لمن يحترم العلم أن يدعي مع كل هذا أن هذه الزيادة ضعيفة! ناهيك عن أن يتمادى فيدعي أنها مكذوبة مدسوسة! إنما يتمادى في ذلك من لا يحترم العلم، بل من لا يخاف الله جل وعلا!

وأما قبول الموضوعات؛ فلقد كانت إحدى محاولاتهم للتشكيك في هذا الحديث، ما في (المنتخب من علل الخلال) للمقدسي، وحاصله أنهم ذكروا حديث «عمار تقتله الفئة الباغية» عند أحمد فقال: «ما فيه حديث صحيح»! وهكذا ظن هؤلاء الألقاط أنهم ظفروا بشيء يحتجون به، ولكن هيهات! فإن هذا الخبر عن أحمد تالف! إسناده مبتلى بالمجاهيل! والثبت عن أحمد نقيضه! ولذا رده ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري بقوله: «وهذا الإسناد غير معروف، وقد روي عن أحمد خلاف هذا. قال يعقوب بن شيبة السدوسي في مسند عمار من مسنده: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في عمار: (تقتله الفئة الباغية) فقال أحمد: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقتله الفئة الباغية). وقال: في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا»!

ولو كان يمكن الاحتجاج بهذا الخبر المعزو لأحمد؛ لما سبق أحدٌ شيخ الناصبة ابن تيمية به! إلا أننا نجده - على عتوِّه - ينحني مقهورًا لقوة الحق، فيقول في (منهاج سنته): «وقد صححه أحمد بن حنبل وغيره من الائمة، وإن كان قد روي عنه أنه ضعَّفه، فآخر الأمر منه أنه صححه».

إن الكلمة الخالدة لأبي القاسم صلى الله عليه وآله: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» كانت ولا تزال كالنهر الجارف الذي يجتاح سدود تحصين معاوية وحزبه الطلقاء الأدعياء! وسيبقى هذا الحديث الشريف لعنة تلاحق كل من يحاول طمس الحق والحقيقة وتلميع صورة الطغاة والمنافقين والمستبدين!

وبعد هذا؛ أية قشة تبقى لغرقى الناصبة لكي يتشبثوا بها وقد أتى عليهم هذا الطوفان المتلاطم من أدلة النقض والبراهين؟! كلا! (إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)!

وللكلام صلة إن شاء الله تعالى.

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp