أيمكن أن تكون (تقتله الفئة الباغية) زيادةً شيعية مدسوسة؟

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
أيمكن أن تكون (تقتله الفئة الباغية) زيادةً شيعية مدسوسة؟

25 شهر رمضان 1446

الشيخ:

حينما يطلع المرء على محاولات النواصب الجدد ومطاوَلاتهم؛ يتذكر بيت الأعشى المشهور:

كناطح صخرةٍ يومًا ليوهِنَها
فلَمْ يَضِرْها وأوهى قرنَهُ الوَعِلُ!

فهؤلاء الحقراء الأراذل تبوء بالفشل جميع محاولاتهم للتشكيك في مكانة أمير المؤمنين وسيد المسلمين صلوات الله عليه، كما تنتهي بالخيبة والزلل كل مطاوَلاتهم لتنزيه معاوية ذي الأستاه لعنات الله عليه. وقد رأيتَ كيف أنهم من افتقارهم المدقع للحجج والبراهين؛ لا يملكون إلا التشبث بقشة هنا أو قشة هناك! وكان آخرها مما تناولناه بالأمس؛ من استدلالهم البائس بما هو موضوعٌ على أحمد بن حنبل من أنه أنكر وجود حديث صحيح يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وآله: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»! والحال أن المروي عن أحمد خلافه تماما، وأنه يقر بصحة هذا الحديث بلا مرية.

ويزيدك يقينا بموقف أحمد المسلِّم بهذا الحديث، أنه لو لم يكن يراه صحيحا لما أخرجه بكثرة من طرق شتى، وفيها كلها هذه العبارة النبوية الخطيرة، فلم يفعل فعلة البخاري الدجال إذ أخرجه أولا ثم ندم فحذف هذه العبارة منه! فراجع بنفسك ما في مسند أحمد؛ تجد ما يربو على اثني عشر طريقا أو أكثر، وفي رجالها الشيوخ الثقات الأثبات الذين لا مغمز فيهم ولا مطعن عليهم إلا أن يتحامل متحامل مبتعدا عما يقتضيه العدل والإنصاف.

ثم إنك إذا تفحَّصت أحوال هؤلاء الشيوخ والرواة؛ علمتَ استحالة أن يكونوا متواطئين جميعا على الكذب والتقوُّل على رسول الله صلى الله عليه وآله! فما فيهم كذاب ولا وضاع يستحل مثل هذا عياذا بالله، والرؤوس منهم في طبقة التابعين ما كانت بينهم صلة حتى يُحتمل أخذ بعضهم عن بعض، فأية صلة بين عكرمة مثلا وعبد الرحمن بن زياد؟ أم بين عبد الرحمن بن يعقوب وأبي نضرة؟ أم بين الحسن البصري وحنظلة بن خويلد؟ فكلٌّ مستقلٌّ بالرواية عن صاحبه من أصحاب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، ولا يعقل أن يسمع كل هؤلاء عن هؤلاء - وبينهم مفاوز - حديثا بهذه الألفاظ المتطابقة معنى؛ دون أن يكون الحديث صادرا حقا عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله الطاهرين.

ثم إنك إذا نظرت في ميول هؤلاء الرواة وأهوائهم؛ وجدتها بعيدة عن التشيع والرفض، فلا يمكن أن تُردَّ روايتهم باعتبار اتفاقها مع مشاربهم، أو أن يُبهتوا بوضعها لهوى مذهبي لهم فيها.

خذ مثلا خالد بن مهران الحذاء الراوي عن عكرمة، والراوي عنه شعبة وعبد العزيز بن المختار ومحبوب بن الحسن، فإن هذا الرجل كما نجده في (صحيح البخاري) يروي قوله صلى الله عليه وآله: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»؛ فإنّا نجده في (صحيح البخاري) يروي أيضا عن عمرو بن العاص: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة! فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها! قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب! فعَدَّ رجالا». ولا ترى في الحديث ذكرا لعلي عليه السلام، وهو كما ترى أبعد ما يكون عن التشيع والرفض!

كذلك نجد الحذاء في (سنن النسائي) يروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر! وأشدهم في أمر الله عمر! وأصدقهم حياء عثمان! وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب! وأفرضهم زيد بن ثابت! وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل! ألا وإن لكل أمة أمينا، ألا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح»! أفهل ترى على هذا الحديث مسحة من تشيع أو رفض أم هو على النقيض تماما من ذلك؟!

بل إننا نجد الحذاء في (الطبقات الكبرى) يروي عن أبي قلابة قال: «بلغني أن عثمان بن عفان يُحَكَّمُ في قتلته يوم القيامة»! وهذا كما ترى؛ لا يمكن أن يقول به شيعي أو رافضي، إنما يقول به عثماني الهوى، وليس بعيدا أن يكون الحذاء من هؤلاء، فهو بصري، والبصرة يومئذ عثمانية.

بهذا يتبدد أي احتمال لأن تكون عبارة «تقتله الفئة الباغية» زيادة دسّها الشيعة في الحديث كما يزعم هؤلاء الأفاكون! فالحديث بتمامه منهم وإليهم، رواه من لا يُتَّهم بتشيع ولا رفض! في أصح الأسناد المتصلة بنقل الثقة العدل الضابط عن مثله، من أول السند إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة!

إنما الشذوذ والعلة في هؤلاء الشواذ المعتلين؛ الخارجين عن إجماع المسلمين؛ مبغضي أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الذين يحسبون أنهم بهذه الخربشات التافهة قادرون على ردم الحق! ولكن هيهات! متى أمكن ردم البحر بكفٍّ من رمل؟!

وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp