عمار القاتل لعثمان! فأيهما المبغي عليه؟

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
عمار القاتل لعثمان! فأيهما المبغي عليه؟

26 شهر رمضان 1446

الشيخ:

إن سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله قد علم من وحي السماء أن أمته ستدب في ما بينها الفتنة حتى تتفرَّق فِرَقًا تتقاتل في ما بينها، ولذا ما كان له - وهو الحريص على هداية أمته ونجاتها - أن يتركها دون أن ينصب لها عَلَمًا ويحدد لها علامات، كي لا يختلط الحق بالباطل ويلتبس المحقون بالمبطلين.

أما العَلَمُ فهو إمام هذه الأمة وولي أمرها الذي أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيعته من عامة أمته يوم غدير خم رافعا يده وصوته الذي مازال صداه يتردد قائلا: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه». وأما العلامات فمن أبرزها قوله صلى الله عليه وآله: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار». وكلا هذين الحديثين متواتران صحيحان عند الخاصة والعامة كما هو معلوم.

هذا؛ والعلامات ترجع إلى العَلَمِ، بمعنى أنها تعتمد عليه وتُرشد إليه، إذ يستحيل أن تكون العلامة على الحق منفكة عن إمام الحق. ولذا ترى عمارا رضوان الله عليه ملازما لعلي صلوات الله عليه ومن أبرز شيعته، وهذا لما أوصاه به خاتم النبيين صلى الله عليه وآله الطاهرين إذ قال له: «إنه سيكون في أمتي بعدي هنات حتى يختلف السيف في ما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضا! وحتى يبرأ بعضهم من بعض! فإذا رأيتَ ذلك؛ فعليك بهذا الأصلع عن يميني؛ علي بن أبي طالب. وإن سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا، فاسلك وادي علي، وخلِّ عن الناس. إن عليا لا يرُدُّكَ عن هدى، ولا يدلك على ردى. يا عمار؛ طاعة علي طاعتي، وطاعتي طاعة الله».

وهكذا كانت شهادة عمار في صفين؛ علامة واضحة على أن أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته؛ على الحق والعدل والهدى، وأن ذا الأستاه معاوية وشيعته؛ على الباطل والطغيان والبغي والردى، لقوله صلى الله عليه وآله: «تقتله الفئة الباغية». فدم عمار عليه الرضوان؛ خطَّ خطًّا فاصلًا بين الحق والباطل؛ والحقيقة والخديعة إلى يوم القيامة!

ولهذه العلامة القوية؛ تشجع بعض مخالفينا للإقرار بحقيقة طغيان معاوية ومَن معه، فاقرأ مثلا ما في (شرح المشكاة) للقاري الحنفي ففيه: «(تقتلك الفئة الباغية) أي الجماعة الخارجة على إمام الوقت وخليفة الزمان. قال الطيبي: ترحم عليه بسبب الشدة التي يقع فيهما عمار من قبل الفئة الباغية، يريد به معاوية وقومه، فإنه قُتل يوم صفين. وقال ابن الملك: اعلم أن عمارًا قتله معاوية وفئته، فكانوا طاغين باغين بهذا الحديث، لأن عمارًا كان في عسكر علي وهو المستحق للإمامة فامتنعوا عن بيعته».

غير أن هؤلاء المخالفين اكتفوا بتجريم معاوية وتوقفوا عند هذا الحد، وقد كان يتوجب عليهم أن يسترسلوا في ما تقتضيه علامة شهادة عمار، بالنظر في الخلفيات والقَبْليات. فإنهم لو فعلوا - بمزيد من الشجاعة - لتوصلوا إلى تجريم عثمان أيضا والحكم بأنه كصاحبه في الطغيان! ذلك لأن صراع عمار لم يكن مع معاوية فحسب؛ بل كان من قبل مع عثمان! وسيف البغي الذي قُتِلَ به عمار إنما سُلَّ يوم الدار؛ يوم قُتل عثمان وحُمِّلَ عمار مسؤولية مقتله لأنه كان أكبر محرض عليه وشاتم له!

هذه الحقيقة الصادمة كشفها (صحابي) هو القاتل لعمار! وهو أبو الغادية الجهني لعنه الله، والخبر عنه في ذلك صحيح، فطالع ما في (الطبقات الكبرى) لابن سعد؛ تجد: «أخبرنا ربيعة بن كلثوم بن جبر قال: حدثني أبي قال: كنت بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر فقلت: الإذن، هذا أبو غادية الجهني. فقال عبد الأعلى: أدخلوه، فدخل عليه مقطعات له فإذا رجل طوال ضرب من الرجال كأنه ليس من هذه الأمة، فلما أن قعد قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: بيمينك؟ قال: نعم، وخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة فقال: يا أيها الناس؛ ألا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ فقلنا نعم. فقال: اللهم اشهد. ثم قال: ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. قال: ثم أتبع ذا فقال: إنا كنا نعد عمار بن ياسر فينا من خيارنا، فبينا أنا في مسجد قباء إذ هو يقول: ألا إن نعثلا هذا! لعثمان! فألتفت فلو أجد عليه أعوانا لوطئته حتى أقتله! قال: قلت: اللهم إنك إن تشأ تمكنّي من عمار! فلما كان يوم صفين أقبل يستن أول الكتيبة رجلا حتى إذا كان بين الصفين فأبصر رجل عورة فطعنه في ركبته بالرمح فعثر فانكشف المغفر عنه، فضربتُه فإذا رأس عمار! قال: فلم أرَ رجلا أبين ضلالة عندي منه! إنه سمع من النبي عليه السلام ما سمع ثم قتل عمارا! قال: واستسقى أبو غادية فأُتي بماء في زجاج، فأبى أن يشرب فيها، فأُتي بماء في قدح فشرب. فقال رجل على رأس الأمير قائم بالنبطية: أوى يد كفتا! يتورع عن الشراب في زجاج ولم يتورع عن قتل عمار! قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا أبو حفص وكلثوم بن جبر عن أبي غادية قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة! قال: فتوعَّدْتُه بالقتل! قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن! فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل هذا عمار، فرأيت فرجة بين الرئتين وبين الساقين، قال فحملت عليه فطعنته في ركبته! قال: فوقع فقتلته، فقيل: قتلتَ عمار بن ياسر! وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قاتله وسالبه في النار! فقيل لعمرو بن العاص: هو ذا أنت تقاتله! فقال: إنما قال: قاتله وسالبه»!

وهذا مما تحتج به الناصبة فتقول: أي بغي في قتل عمار وقد كان يؤلب على عثمان حتى قُتِلَ فهو شريك في سفك دمه؟! والقاتل له رجل من أهل الجنة إذ هو صحابي من أهل بيعة الرضوان! إنه إن كان بغيا بطل دم عثمان وكانت للرافضة الحجة بذلك!

وهذه لعمري من أحرج الزوايا التي تُحشر فيها الطائفة البكرية، والتي لا مناص لها منها إلا بأحد أمرين: إما بتثبيت أن عثمان مبغي عليه فيكون قتل عمار مستحقا! وإما بتثبيت أن عمارا مبغي عليه فيكون قتل عثمان مستحقا! أما الحلول الوسطى التي يقدمها التقليديون من كهنة المذهب البكري؛ فإنها مصاديق للذي بدأنا به هذه السلسلة من المقالات؛ وهو الجمع بين المتناقضات والمتضادات والمتصادمات بما لا يمكن لعقل عاقل قبوله!

ولأهمية هذه النقطة وضرورة الإحاطة بها؛ نتوسع إن شاء الله تعالى في ما يأتي.

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp