1 ذو الحجة 1446
في لفظ الحب ونفيه ج1:
قد مر معنا - في الدروس السابقة - خبر عن يونس بن يعقوب قال: ”سألت أبا عبد الله عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة فأحب أن ينظر إليها؟ قال عليه السلام: تحتجر (تحتجز) ثم لتقعد وليدخل فلينظر قال: قلت: تقوم حتى ينظر إليها؟ قال: نعم، قلت: فتمشي بين يديه؟ قال: ما أحب أن تفعل“.
وأما ذيله فقد جاء فيه نفي محبوبية مشي المرأة المخطوبة بين يدي الخاطب. فهل يدل هذا النفي على المحبوبية أم الكراهة؟
لامرئٍ أن يختار الكراهة لأن الحب لغةً هو الميل إلى الشيء واستحسانه وهذه الكراهة فلا يثبت من نفيه سواها، وهي في الشريعة ما كان مرجوحًا عند الإطلاق، وإذ أطلق الخبر اقتصرنا على إثبات الكراهة.
ولكن لامرئٍ أن يختار الحرمة لأن في الاستعمال الشرعي ما أطلق نفي المحبوبية وهو مع ذلك مقطوع الحرمة كقوله تعالى: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، فلا يقال بأن الاعتداء مكروهٌ وليس بحرام وكقوله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) فلا يقال أن جهر غير المظلوم بالسوء من القول مكروهٌ وليس بحرام.
وكذلك هو الاستعمال في كلامهم عليهم السلام وهذه أمثلة:
الأول ما عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لرجل أنت ومالك لأبيك، قال أبو جعفر عليه السلام: ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه (إن الله لا يحب الفساد).
فقد أطلق نفي المحبوبية هنا مع أن الفقهاء قالوا بما يتجاوز الكراهة وهو حرمة أخذ الأب مال ولده البالغ مع غناءه عنه أو إنفاق الولد عليه قدر الواجب.
الثاني ما عن إسحاق بن عمار عن عبدٍ صالح عليه السلام قال سألته عن رجل في يده دار ليست له ولم تزل في يده وفي يد آبائه من قبله قد أعلمه ممن مضى من آبائه أنها ليست لهم ولا يدرون لمن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها؟ قال عليه السلام ما أحب أن يبيع ما ليس له أن يبيع ما ليس له. قلت: فإنه ليس يعرف صاحبها ولا يدري لمن هي، ولا أظنه يجئ لها رب أبدا، قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت: فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول: أبيعك سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي، قال: نعم يبيعها على هذا.
فقد أطلق نفي المحبوبية هنا مع أن الفقهاء قالوا بما يتجاوز الكراهة وهو حرمة بيع الدار وبطلان البيع لمفروغية أن غير المالك ليس له التصرف في ملك غيره.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.
لمشاهدة الدرس كاملًا: