تقرير لمحاضرة الشيخ الحبيب بعنوان: (كيف زُيِّفَ الإسلام؟) - (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة وأزكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق أجمعين سيدنا المصطفى أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا , ثم اللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين آمين
عظم الله أُجورنا وأُجوركم بذكرى استشهاد سيدنا ومولانا وإمامنا أبي جعفر محمد بن علي الجواد التقي النقي صلوات الله وسلامه عليهما. وجعلنا الله ممن يأخذ بثأره مع ولده المهدي الحجة بن الحسن عجل الله له الفرج.
قبل ان نشرع في تناول البحث دعونا نرحب بالمحضر المبارك لسماحة آية الله العظمى السيد محمد علي الطباطبائي , ونسأل الله عز وجل له و لجميع مراجعنا الابرار البقاء والموفقية بحرمة الصلاة على محمد وآله الطاهرين.
(اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجِّل فرجهم والعن عدوّهم).
وصلنا في المحاضرة السابقة إلى تثبيت حقائق مهمة في هذا البحث اللذي نسعى من خلاله الى الاجابة على هذا التساؤل وهو, كيف تم تزييف وتحريف الدين الإسلامي وصناعة وانتاج دين بديل يحمل اسم الاسلام بنسخة مزيفة.
من بين الحقائق التي ثبتناها هي حقيقة أنّ وقوع مثل ذلك التحريف أو التزييف والتبديل والتغيير في هذا الدين ليس محالاً او ممتنعا لا عقلاً ولا نقلا (أي شرعا) .
من بين تلك الحقائق التي ذكرناها حقيقة أنّ بدء تحريف هذا الدين لم يكن في عهد متأخر من استشهاد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلَّم وإنما قد بدأ منذ اللحظة الأولى من إستشهاده وعرضنا نماذج من سيرة الاقوام السابقة وما وقعت فيه من تحريف لاديانها و أثبتنا أنّ عملية التحريف والتغيير لسائر الأديان كانت سنة البشر ـ مع الأسف الشديد - , فبمجرد أن يغيب الرمز الأول لدين سماوي وهو النبي الذي نزلت عليه تلك الرسالة السماوية فاجتهد في تبليغها و أرسى دعائم دعوته, نجد امته بمجرد أن يرتحل عنها نبيها ويتوفى فإنها تنقلب عليه وعلى وصيه الشرعي من بعده, و الأدلة على ذلك كما بينا مستفيضة من مصادر القوم و مصادرنا على السواء.
هنا وفي هذه الحلقة من السلسلة سوف ننتقل بالبحث إلى مرحلة جديدة تدور في فلك هذا السؤال وهو, من هي الشخصيات التي لعبت دوراً اساسيا في تحريف دين الإسلام وتزييفه وتغييره؟
في البداية علينا معرفة انّ محاولات كثيرة قد بُذلت في سبيل القضاء على هذه الدعوة الإسلامية وقد كانت تلك المحاولات تصدر من أطراف عدة , مثلا من بين تلك الأطراف جبهة المشركين بقيادة أبي سفيان لعنة الله عليه وأبي جهل لعنه الله وأمثالهما.
هذه الجبهة حاولت أن تقوم بدور في تحريف الدين وتغييره ولم تنجح في ذلك على حياة رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهنالك جبهة تضم الشعراء مثلا و أخرى تضم الكهنة, كما توجد جبهات الفرق الاخرى واتباعها كالنصارى واليهود.
جبهات متعددة برزت بمجرد أن صدع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله برسالته وأعلن الإسلام دينا.
سعت تلك الحركات والاحزاب المناوئة كلها للقضاء على دين الاسلام ونبيه، وكان السبب الذي دفعهم ودعاهم الى ذلك هو انّهم رأوا في هذا الدين ونبيه الجليل خطرا يهدد الزعامات القبيلة والدينية والإجتماعية التي كانت قائمة في ذلك العصر على جميع الاصعده سواءا السياسية , الاقتصادية , الاجتماعية أو الدينية.
وذلك ناشيء من التصور العام لسكان الجزيرة العربية حينها. فتصورهم يقول ان ذلك النبي حينما يظهر ويعلن انه متصل بالله فإنه سيملك الارض ويحظى بتأييد واجلال المجتمع.
وذلك التصور هو الذي كان يقض مضاجعهم ويجعلهم في حالة ترقب وتحفز دائمين.
ولذلك مثلا نجد انّ مسيلمة الكذاب لعنة الله عليه حينما ادّعى النبوة في آخر سنة من حياة النبي الأعظم صلى الله علي وآله بعث لرسول الله بكتاب يحمل عين ذلك التصور.
كتب للنبي صلى الله عليه و’له يقول:
(( من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله , أنه قد أُشركت معك في الأمر فلي نصف الأرض ولك نصفها)
تعليق: يعني بذلك أنا أحكم نصف الأرض وأنت تحكم النصف الآخر!
هذا هو التصور المترسخ في أذهانهم . فالقول بالنبوة مساوق عندهم لطلب الحكم والرئاسة الدنيوية.
ولذلك السبب كانوا يحاولون بكل وسعهم إيقاف مد وانتشارهذا الدين الجديد والقضاء على هذا النبي الجليل.
غير أنّ محاولاتهم التي بُذلت من أجل القضاء على هذا الدين وتغييره وإنهاء وجوده كلها باءت بالفشل لأن المشركين في الواقع كانوا جمعا من الأغبياء والحمقى
حاولوا مواجهة قوة الإسلام ونبي الإسلام المتجسدة في تعاليم ذلك الدين ومنهجه بقوة الجسد وراحوا يمارسون تجاه أتباع ذلك الدين الوحشية والعنف. واجهوا قوة الإسلام بقوة الأحزاب وقوة الجسد.
أيضا لم يكن في حساباتهم أنهم لن يتمكنوا أبدا من القضاء على هذا الدين لأن الله عز وجل قضى بأن ينتصر هذا الدين وينتصر هذا النبي في حروبه وصراعاته مع جبهة الكفر جزاءا لهذا النبي على صبره وتضحياته التي فاق بها كل الأنبياء قبله.
حاولوا أيضا تقويض هذا الدين من خلال معارضة المعجزة الأساسية والعظمى التي جاء بها هذا الدين وهي معجزة القرآن الكريم فحشروا شعراء قريش وبُلغاءها بهدف أن يأتوا بمثل القرآن ولكنهم أيضا فشلوا عن معارضة كتاب الله العزيز.
نشطوا أيضا في بث الشائعات ونسج الأكاذيب حول هذا النبي ورميه بالسحر والجنون وغيرها من الشائعات الرخيصة ولكنّ كل تلك المحاولات باءت بالخيبة والخسران والفشل الذريع.
ومن أدهى وأخبث مخططاتهم اللتي تكللت بالفشل والخزي كانت محاولة التخطيط لإغتيال محمد صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة الهجرة وتفاصيل تلك الحادثة معروفة.
المحاولة الوحيدة التي نجحت في أن تنال من هذا الدين وتُحدث فيه شرخا إن جاز التعبير وأن تغير من هذا الدين او تحرفه وتزيفه ,هي المحاولة التي بذلها أبو بكر وعمر لعنة الله عليهما.
هذا إن شاء الله ما سنثبته ونبرهن عليه في المحاضرات المقبلة وسنثبت أنّ هذين الملعونين قد اندسا في صفوف المسلمين بغرض القضاء على هذا الدين وتغييره.
وإذا ما تفحصنا التاريخ وقلبنا صفحاته وطالعنا جيدا وبتمعن سيرة الأنبياء مع أقوامهم سنلاحظ أنّ كل الأديان السابقة لم ينجح أعداؤها الظاهريون المعلنون بعدائهم لتلك الأديان في القضاء على أي من تلك الأديان أو تحريفها, وإنما اللذين نجحوا هم أولئك المتخفون بعداوتهم وهم منتسبون لتلك الأديان ظاهرا.
والأمر ذاته بـالنسبة إلى أئمتنا عليهم السلام فمن قتلوهم ينسبون أنفسهم للإسلام حسب الظاهر.
وبالطبع إنّ الذين اندسوا في هذه الأديان وغيروها و حرفوها عقابهم سيكون عند الله عز وجل من أشد أنواع العقاب يوم القيامة.
هم المنافقون اللذين وصفهم الله تعالى بأنهم في الدرك الأسفل من النار. لأن هؤلاء هم من تمكنوا من تحريف الدين وتزييفه.
هذه راوية عن مولانا الكاظم عليه السلام يصف فيها عقابهم
أنقلها لكم مروية عن أحد أجلاء أصحاب الأئمة عليهم السلام و اسمه إسحاق بن عمّار الصيرفي .
سأل الأمام الكاظم عليه السلام قائلا:
(جُعلت فداك حدثني بحديث في أبي بكر وعمر فقد سمعت من أبيك أحاديث عدة , فقال عليه السلام: يا إسحاق الأول بمنزلة العجل والثاني بمنزلة السامري , فقلت جعلت فداك زدني فيهما )
تعليق : اي أريد المزيد من التفاصيل بشأنهما
فقال عليه السلام:
(هما والله هوّدا ونصّرا ومّجسا )
تعليق :هوّدا كناية عن الرجل الذي هوّد اليهود أي حولهم يهودا , نصّر أي من جعلهم نصارى, مجّس اي من جعلهم مجوسا.
نعيد قول الإمام عليه السلام:
(هما والله هوّدا ونصّرا ومجّسا فلا غفر الله ذلك لهما)
تعليق : أي أنهما اتبعا سنة أقوام الأنبياء السابقين في تغيير الأديان وتحريفها.
إلى أن يقول الإمام عليه السلام :( يا إسحاق إن في النار لوادياً يقال له محيط , لو طلع منه شرارة لأحرقت من على وجه الأرض)
تعليق: ذلك الوادي المسمى (محيط) لو انّ شرارة واحدة خرجت منه لأحرقت من على وجه الأرض. نعوذ بالله ونستجير به.
نكمل الرواية ...
(و إنّ أهل النار يتعوذون من حرّ ذلك الوادي, ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله)
تعليق: إنّ أهل النار أنفسهم يتعوذون من ذلك الوادي ويسألون الله أن لا ينقلهم من حيث مكانهم في النار إلى ذلك الوادي.
ركزوا الآن جيدا فيما هو قادم من كلام الامام عليه السلام..
(وإنّ في ذلك الوادي لجبلاً يتعوذ منه أهل ذلك الوادي من حرّ ذلك الجبل ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله , وإنّ في ذلك الجبل لشعباً يتعوذ منه أهل ذلك الجبل من حرّ ذلك الشعب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله, وإنّ في ذلك الشعب لقليباً يتعوذ منه أهل ذلك الشعب من حرّ ذلك القليب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله , وإنّ في ذلك القليب لحيةٌ يتعوذ أهل ذلك القليب من خبثها ونتنها وقذرها وما أعد الله في أنيابها من السمّ لأهلها)
تعليق : نعوذ بالله, نعوذ بالله ونستجير به. تأملوا كم مرتبة ودرجة ولونا من ألوان العذاب في ذلك الوادي؟
نكمل الرواية..
(وإنّ في جوف تلك الحية لسبعة صناديق فيها خمسةٌ من الأمم السالفة , واثنان من هذه الأمة )
تعليق : هؤلاء هم من يُعذبون أشدّ عذاب في الآخرة وعقابهم في جهنم يكون أشد صنوف العقاب. تفكروا في عظيم العقاب الذي أعدّه الله لهم . داخل جوف الحية, داخل قليب, والقليب داخل شعب والشعب داخل جبل والجبل في وادٍ في أدنى درجات جهنم.
أعاذنا الله وإياكم.
الآن إسحاق يسأل الإمام عليه السلام, فلنتم الرواية..
قلت: (جُعلت فداك ومن الخمسة ومن الاثنان ؟)
تعليق : أي يستفسر من الإمام من الخمسة من الأمم السالفة ومن الاثنان من هذه الأمة ؟
قال عليه السلام : (أما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل, ونمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربّه وقال أنا أحيي وأميت , وفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى , ويهودا الذي هوّد اليهود, وبولس الذي نصّر النصارى )
تعليق : يهودا هو الشخص الذي جاء بعد موسى وهوّد قوم موسى فغير وحرف دينهم. أمّا بولس فهو الذي حرّف دين عيسى ونصّر قومه, وقد أتينا على ذكره في المحاضرة السابقة.
الآن ركزوا في ما هو قادم من كلام الإمام عليه السلام وهو ما نحن بصدد إثباته.
(وأما الاثنان من هذه الأمة فالأعرابيان أبو بكر وعمر)
تعليق: لعنة الله عليهما, لعنة الله عليهما.
من بين كل المنحرفين من امة محمد هما من سينالان أشد أنواع العذاب في الآخرة.
الحديث السابق وارد في (ثواب وعقاب الأعمال للصدوق الصفحة 216 , الخصال الصفحة 399) و مصادر شتّى.
فلماذا كل هذا العقاب لأولئك الأشخاص؟
عقابهم سيكون أشد حتى من عقاب صدام مثلاً وبقية الحكام الطواغيت !, لماذا؟
لأنّ هؤلاء هم الذين أسسّوا لتحريف المسيرة الدينية للبشرية.
غيّروها جملةً وتفصيلا ولولا ما أقدموا عليه من تحريف لما كان يتسلط على هذه الأمة مجرم كصدام مثلا وبقية حكام الجور.
لو أنّ أبا بكر وعمر لم يُحرّفا ديننا ولم يعارضا ويخالفا وصية رسول الله في تنصيب علي عليه السلام خليفة من بعده ولم ينقلبا على أول الأوصياء الشرعيين لرسول الله لما تجرأ من أتوا بعدهم على بقية أوصياء رسول الله الأطهار العشرة فقتلوهم وانقلبوا عليهم ولم يعرفوا لهم حقا وقدرا فكانت النتيجة أنْ حجب الله تعالى عنا الإمام الثاني عشر من أوصياء رسول الله ليبدأ منذ غيبته الشريفة عصر الانتظار.
لقد أعطانا الله تعالى أئمة أطهارا عدولا معصومين لكن الأمة ما رعت لهم حقا ولا حُرمةً و أعرضت عنهم وقتلتهم وتركت وصية نبيها وما التفت حولهم إلا قلة من المؤمنين مضطهدة صابرة. فكانت النتيجة هذا الذي نحن فيه. حجب الله تعالى الإمام الثاني عشر من وُلد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مولانا بقية الله في أرضه محمد بن الحسن المهدي صلوات وسلامه عليه وعلى آله الأطهار. فالإمام غال وعزيز عند الله وحينما لم تعرف الامة قدر و منزلة من سبقوه ولم ترعَ لهم حقا وقتلتهم فان الله تعالى حجب خاتمهم وهو المهدي عليه السلام لتجرب هذه البشرية كل مشاريعها وتبحث عن سبيل الخلاص والنجاة بكل طرقها وأساليبها حتى إذا ما يئست عرفت وأيقنت أنْ لا مخلص لها سوى من عينه الله تعالى خليفة له على أرضه.
لقد عين رسول الله لنا خلفاءه الأثنى عشر الذين أشار إليهم البخاري ولكنه حجب أسماءهم.
كل الأمم عاشت فترات انتظار, فقبل قدوم نبينا محمد بن عبد الله بالتأكيد لم تنقطع الحجج لأن الأرض لا تخلو من حجة لله فقد كان هناك أوصياء وأنبياء قبل محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله ولكن انقطعت الرُسُل. وكانت الأمة تنتظر ذلك المخلص محمد بن عبد الله كما أخبرت بذلك الكتب السماوية السابقة وعينته و وصفته.
اليوم نحن أيضا في عصر الانتظار ولكن لتعجيل ظهور إمامنا علينا الإستعداد والتهيؤ بتهذيب النفس والاستقامة عسى أن يرزقنا الله نصرته ورؤية طلعته الرشيدة وغرته الحميدة.
فإذن ما نحن فيه اليوم من غيبة الإمام المهدي وتسلط حكومات الجور علينا هو بسبب أبي بكر وعمر فهما من أسسا أساس الظلم والجور على العترة الطاهرة وحرفا مسيرة هذا الدين التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وانقلبا على وصي رسول الله الشرعي كما صنع الأشرار من أقوام الأنبياء السابقين اللذين انقلبوا على أوصياء الأنبياء بعد رحيلهم.
كان يُفترض أننا نحن اليوم في هذا الزمان نعيش في ظل حكومة مولانا صاحب العصر عجل الله له الفرج وننعم بالعدل والأمن والخير والسعادة التي تنشدها البشرية
فإذن أولئك اللذين انقلبوا على أعقابهم بعد رحيل الأنبياء هم جذر كل المصائب التي عانتها و قاستها البشرية ولا زالت.
تغييرهم لهذه الأديان وإحلالهم قيم جديدة وأحكام جديدة محل الأحكام الواقعية التي أنزلها الله عز وجل هو ما فتح الباب للإجرام وجرّأ من أتوا بعدهم.
أشرعوا الأبواب لتفشي الفساد , ومصادرة حقوق الناس والتعدي عليهم وغيرها من أبواب الشر ومداخله.
بالطبع في محاضراتنا المقبلة إن شاء الله سنورد الإثباتات والدلائل على ما نقول وبالأخص من كتب أهل الخلاف, وسنبرهن على ما أقدم عليه كل من أبي بكر وعمر من تحريف وتزوير لهذا الدين العظيم.
ولكن قبل ذلك ما يهمّنا في هذه المحاضرة على وجه الخصوص هو أن نسلط الضوء على تاريخ هذين الرجلين.
كيف كان حالهما قبل الإسلام ؟
كيف دخلا في الإسلام ؟
ولماذا دخلا في الإسلام ؟
وماذا صنعا ؟
وما كان هدفهما الحقيقي من دخولهما في الإسلام ؟
نريد أن نسلّط الضوء على واقع هذين الرجلين في مرحلة ما قبل الإسلام. وسوف نتناول المكانة الإجتماعية للرجلين في عهد الجاهلية وبدايات إسلامهما, لكي نكتشف و نعرف أنّ ما يشيعه المخالفون حول مكانة ابي بكر وعمر في الجاهلية وما ينسجونه لهما من اوهام تعطيهما مكانة عظيمة في قريش و وجاهة اجتماعية وثراءا كلها محض أكاذيب وأساطير واختراعات.
من بين تلك الأكاذيب التي سنكشفها ونفندها قضية بذلهما المال في سبيل الأسلام , كدعوى أنّ أبا بكر بذل كل ماله في سبيل نصرة الإسلام وأنه نصر هذا الدين بكل قوة وغيرها من الفضائل المخترعة له ولصاحبه عمر لعنهما الله.
نريد أن نعرف هل تلك العنتريات والمزايا المنسوبة لهما حقيقية واقعية أم أنها من بين الأكاذيب التي نُسجت ورُوج لها فيما بعد؟!
فنبدأ أولا بالبحث في تاريخ أبي بكر لعنه الله.
فيما يتعلق بأبي بكر لدينا حول هذا الشخص ثلاثة أسئلة..
السؤال الأول: متى أسلم أبو بكر ؟
المخالفون يزعمون بأنّ أبا بكر كان أول من أسلم. أما أهل الأنصاف منهم فيقولون إنّ عليا عليه السلام أول من أسلم إلا أنه كان صبيا, فيقولون أول من أسلم من الصبيان , وأما من الرجال الأحرار البالغين الراشدين فأبو بكر.
هذا مع بالغ الأسف ما يشيعونه
السؤال الثاني :
لماذا دخل أبو بكر في الإسلام ؟
بمعنى هل كان إسلامه حقيقياً نابعا عن إقتناع وإيمان؟
السؤال الثالث:
هل كان له دور كبير , عظيم وحقيقي في نصرة الإسلام سواءا بالمال أو بالسيف أم لا؟
نشرع الآن في الإجابة على السؤال الأول ...
متى أسلم أبو بكر؟
كما قلنا فإنّ المخالفين قد أشاعوا على مدى عصور من الزمان أنّ أبا بكر كان أول من أسلم.. ولطالما روجوا تلك المعلومة عبر وسائل إعلامهم المسموعة والمقروءة.
وقد بلغت الوقاحة في بعضهم كابن تيمية لعنه الله إلى درجة أنه أراد أن ينفي بانّ عليا عليه السلام كان أول من اسلم وذلك في محاولة منه لتثبيت تلك الفضيلة لأبي بكر. ولأنّ الأدلة والبراهين على أنّ عليا (صلوات الله وسلامه عليه) كان أول من أسلم أكثر وأقوى من الأدلة والبراهين على أنّ أبا بكر كان أول من أسلم , فقد عمد ذلك اللعين الناصبي الخبيث إلى أن ينفي إسلام علي عليه السلام من حيث الأصل. أي نفى أصل إسلام علي عليه السلام.
فقال ما مضمونه: أنّ عليا حتى لو قلنا بأنه أول من أسلم لكنّ إسلام الصبي غير مقبول!.
اي هذا ليس راشدا, ليس بالغا فإسلامه لا يصح!
بينما الذي اسلم وكان إسلامه عن إقتناع وإرادة حقيقية هو أبو بكر لأنه كان راشدا!
لهذه الدرجة بلغت بهم الوقاحة والجرأة مع الأسف الشديد.
ذلك كلام الناصبي ابن تيميه في علي عليه السلام أمير المؤمنين.
دعونا نرى ماذا يقول الحسين سيد شباب أهل الجنة عليهما السلام في والده حيدرة الكرار؟
عــــبــــد الله غـــــلامـــــا يــــافــــعــــــاً
وقــــــــــريشٌ يـــــــعـبدون الـــوثنيـن
يــــعبدون اللات والــعُزَى مــعـــــــاً
وعـــــلــــيٌ قـــــــــــــائــــــــمٌ بالحُـــــــسنييـــن
مع رســـــول الله سبــــعـــا كــــامـــــــلا
ماعلى الأرضِ مُصلٍ غير ذين
هــجـــــــــرَ الأصنـــــامَ لا يــــعبُدُهــــــــا
مع قُريشٍ لا ولا طرفةَ عـين
نحن سنحاول هنا ومن خلال بعض الشواهد التي اقتطعناها أو انتقيناها من كبتهم ومصادرهم التاريخية المهمة
أن نفند مقولة أنّ أبا بكر كان أول من أسلم.
بل على العكس من ذلك سنثبت أنه قد أسلم في مرحلة متأخرة وكان ذلك في السنوات اللاحقة من بعثة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم, اي قبل الهجرة بقليل .
من بين الشواهد التي تشير إلى تلك الحقيقة شاهدنا التالي..
روى الذهبي وهو علم من أعلام المخالفين:
(عن الحسن بن زيد قال: أنّ عليا أول ذكر أسلم , ثم أسلم زيد بن حارثة , ثم جعفر بن أبي طالب , وكان أبو بكر الرابع أو الخامس)
هذا ورد في (سير أعلام النبلاء الجزء الأول الصفحة 216)
هنا أولا في هذه المرحلة من خلال هذا الحديث الذي يبين بوضوح أنّ عليا عليه السلام أول من أسلم وليس أبا بكر كما يشيعون أثبتنا أنّ القوم أنفسهم مختلفون في القضية. فنقول لهم: أنتم مختلفون في الموضوع , فهنا تثبتون أنّ عليا أول من أسلم ثم زيدا ثم جعفر ثم أبا بكر كان إما الرابع أو الخامس.
ننتقل الآن لمرحلة أخرى..
روى أبو هلال العسكري (أنّ عائشة وقفت يوم البصرة, فقالت: أبي رابع أربعة من المسلمين)
(ورد هذا في كتاب الأوائل الصفحة 98)
تعليق: في النص السابق المقتطع من خطبة طويلة لعائشة لعنها الله كانت عائشة في معرض تعداد وإبراز فضائل ـبيها على سبيل التفاخر. فابنة أبي بكر نفسه حينما أرادت أن تفخر بوالدها قالت:
( أبي رابع أربعة)
لم تقل أول من أسلم!
فهذا يدلل بشكل واضح صريح على كون مقولة أنّ أبا بكر كان أول من أسلم هي مقولة مُخترعة, وأنّ ذلك الأمر لم يكن معروفا عن أبي بكر في تلك الحقبة المتقدمة من الزمان وإنما تلك فضيلة أختُرعت في العصور المتأخرة.
نواصل عرض أدلتنا..
النص الثالث..
هذا النص في الواقع ينفي تماما مسألة أنّ أبا بكر كان من أوائل اللذين أسلموا. هذا النص وفقا لشروطهم ومقاييسهم وحسب علم الرجال عندهم يكون صحيح السند.
روى الطبري عن محمد بن سعد بن أبي وقاص(الصحابي الجليل عندهم)
يقول: قلت لأبي
تعليق: هنا سعد بن أبي وقاص يسأل والده
(أكان أبو بكر أولكم إسلاما ؟)
فقال: (لا, ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين)
تعليق: أكثر من خمسين رجلا اسلموا قبل أبي بكر وفقا لشهادة وإقرار سعد بن أبي وقاص الذي ينقل عن والده
ثم يقول:
(ولكن كان أفضلنا إسلاما)
تعليق: هذا طبعا حسب رؤيته واعتقاده هو. في الواقع سعد بن أبي وقاص كن من حزب أبي بكر وعمر وأشياعهما. لذا لا يمكننا أن نجرح شهادته في حق أبي بكر
نحن لسنا في معرض الحديث عن ولاء سعد لأبي بكر ولكن لابد هنا أن نشير إلى نقطة مهمة, وهي أنه هل يمكن أن نشك في كون سعد نفى أولوية إسلام أبي بكر عمدا بدافع الغيرة أو الحسد أو شيء من هذا القبيل؟ كلا.
لماذا؟
لأنّ سعدا في الرواية نفسها كان يمدح أبا بكر, علاوة على ذلك فهو من أنصار أبي بكر وأشياعه وقد عمل على التوطيد لحكمه ومساعدته على الوصول للسلطة.
لذلك حينما نقول أنّ سعدا قد شهد بهذه الشهادة فإننا نكون على ثقة ويقين من صحّتها وسلامتها.
هذا النص ورد في (تاريخ الطبري الجزء 2 صفحة 60)
بالطبع نعلم جيدا أنّ عدد أتباع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله
وبالأخص في الثلاثة عشر عاما الأولى من بعثته الشريفة أي ما قبل الهجرة كان عددا قليلا جدا لا يتجاوز المائتين أو الثلاث مائة.
قسم مهم قد هاجر إلى الحبشة , وبقية تفاصيل تلك المرحلة أغلبكم على اطلاع بها
فإذا ما لاحظنا جيدا تلك المرحلة التي اتسمت بقلة عدد المسلمين فيها والظروف المحيطة بها سنعرف بأنّ والد سعد بن أبي وقاص حينما قال إنّ أبا بكر قد اسلم قبله (أكثر) من خمسين رجلا كان تردده منطقيا.
فنص كلامه (أكثر)
أي ليس على يقين أنّ أبا بكر كان رقم واحد وخمسين حتى!
كلا بل أكثر من خمسين أسلموا قبله أي انه قد اسلم قبله مئة رجل على أقل تقدير.
فهذا معناه أنّ الرجل قد تأخّر في إسلامه. وقد دخل في الإسلام بعد بعد سنوات من بعثة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
من بين الأمور التي نعتبرها قرينة على صدق تلك الحقيقة ما يُنقل في التاريخ من أنه في السنوات السبع إلا ولى من بعثة النبي صلى الله عليه وآله لم يكن هنالك أحد قد أعلن إسلامه إلا (علي وخديجة) فقد كانا هما فقط من أشهرا إسلامهما آنذاك
وسنأتي بشاهد حول هذه النقطة ومن مصادر المخالفين أيضا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( صلّت الملائكة علي وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين, قالوا: ولمَ ذاك يا رسول الله؟
قال: لم يكن معي من الرجال غيره)
هذا ورد في (تاريخ دمشق لأبن عساكر الجزء 42 صفحة 36, شرح ابن أبي الحديد الجزء 3 الصفحة 258) ومصادر كثيرة أخرى.
تعليق: سبع سنوات لم يكن مع رسول الله من الرجال غير علي كما يبين النص.
أيضا نُورد هذا النص ..
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذاً بيد علي,
(إنّ هذا أول من آمن بي , وهو أول من يصافحني يوم القيامة,
وهو الصّديق الأكبر, وهذا فاروق هذه الأمة, يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب الدين))
رواه (الطبراني في المعجم الكبير الجزء 6 الصفحة 269
, والهيثمي في مجمع الزوائد الجزء التاسع الصفحة 102)
و ذات الرواية السابقة لها تتمة يذكرها الحافظ الكنجي الشافعي
تتمتها هي هذه:
(وهو بابي الذي أوتى منه, وهو خليفتي من بعدي))
تعليق: رسول الله صلى الله عليه واله يثبت هنا الخلافة لعلي أيضا.
طبعا المعاندون من المخالفين يتهربون من مضمون هذه الروايات بالطعن في أسانيدها. ولكن ذلك لا يغير من حقيقة ثبوتها شيئا فأمثال تلك المضامين موجودة في مصادرنا نحن الشيعة بإسناد صحيحة معتبره لذا فانّ وجودها في مصادرهم أيضا و إنْ طعنوا في السند يكون قرينة على صحتها.
الحديث السابق وارد أيضاً في الكفاية الصفحة 79
ـ فإذن نستنتج من خلال عرضنا لتلك النصوص التي ذكرها أهل الخلاف وسجّلوها في مصادرهم أنّ أبا بكر لم يُسلم في السنوات الأولى بل تأخّر إسلامه و أنّ دعوى كون ابي بكر أول من أسلم كانت تزويرا وفضيلة منحولة اختُرعت فيما بعد.
ننتقل الآن إلى الإجابة على السؤال الثاني وهو..
لماذا أسلم أبو بكر ؟
بعد أن أثبتنا أنه لم يكن من أوائل المسلمين بل تأخر إسلامه إلى ما قبل الهجرة بقليل.
هنا نطرح هذا السؤال..
لماذا أسلم ؟
ما هو السبب ؟
ما هي الدوافع من وراء دخوله في الإسلام؟
للإجابة على ذلك السؤال ننقل في البداية رواية من مصادرنا,
تبين سبب دخول أبي بكر في الإسلام وتجيب على ذلك التساؤل.
الرواية هي عن سيدنا ومولانا بقية الله الأعظم صاحب الأمر(عجل الله تعالى فرجه الشريف):
الرواية عن رجل اسمه سعد بن عبد الله القمي الأشعري وذلك الرجل من أجلّاء فقهاء الشيعة في ذلك الزمان وكان معاصرا للإمام العسكري عليه السلام. توجّه ذلك الرجل الجليل كما في قصة مفصلة مذكورة إلى سامراء المقدسة للتشرف بلقاء الإمام العسكري عليه السلام والتوجه إليه بهذه المسألة التي استعصت عليه إجابتها.
كان سعد بن عبد الله القمي قد خاض مناظرة مع أحد النواصب كما يذكر هو في هذه الرواية . وبالطبع في ذلك الزمان لم تكن قم متشيعة كلها كما هو الحال اليوم وبالأخص أطرافها كالري وما أشبه. فيروي عبدالله القمي أنه قد خاض مناظرة مع أحد النواصب في قم.
يروي ذلك الرجل الجليل انه حينما دخل في مناظرة مع ذلك الناصبي, هاجمه ذلك الناصبي وقال: قاتلكم الله معشر الروافض أنتم تقولون أنّ أبا بكر وعمر منافقان و إسلامهما لم يكن إسلاما حقيقيا فأخبرني أيها الرافضي , أبو بكر وعمر حينما أسلما ,هل أسلما عن طوع أم عن كره؟ أسلما طوعاً أم كرهاً؟
الثابت عند المسلمين أنّ أبا بكر وعمر قد دخلا الإسلام في مرحلة ما قبل الهجرة أي في مكة, وهذا لا يختلف عليه اثنان.
فأنت أيها الرافضي الشيعي بماذا تجيب؟
هل أسلما كرهاً أم طوعاً؟
فيقول سعد بن عبد الله القمي : أنا احترت حينها, بماذا أجيبه؟
إن قلت طوعا بطُل اعتقادي وديني
لأني إن قلت طوعا فهذا يعني أنهما اسلما عن اقتناع وإيمان.
وإن قلت أسلما كرهاً أكون بذلك مغفلا, لماذا؟ لأنه لم يكن هناك من شيء قبل الهجرة يضطر أحدا إلى الدخول في الإسلام فالنبي حينها لم تكن له دولة. فلو كان إسلامهما بعد الهجرة حيث بدأ رسول الله يؤسس لدولته في المدينة وخاض حروبا مع قريش لصح القول بانّ إسلامهما كان كرها بسبب الخوف مثلا.
على سبيل المثال, أسلم بعض المنافقين في المدينة مُكرهين بسبب خوفهم من دولة النبي التي أدركوا قوتها منذ البداية, فبدا لهم و
كأنّ الإسلام جاء بالفرض والإكراه.
ولكن في مكة كان النبي مُحارباً مُطاردا وكان أنصاره قلائل فلا يمكن أن نقول أنه في مثل تلك الأجواء يمكن أن يُعرّض أحد نفسه للمشاكل و ينضم إلى جماعة المسلمين وهو غير مقتنع بالإسلام.
يقول عبد الله القمي الأشعري أنه حينها قد تألم جدا لأنه لم يجد جوابا مفحما على ذلك الناصبي, فعزم على المسير إلى سامراء متوجها بالمسألة إلى إمام زمانه الحسن العكسري صلوات الله وسلامه عليه.
بعد أن وصل عبد الله الأشعري القمي أرض سامراء وأتى بيت الإمام العسكري وطرق بابه ثم تشرف بالسلام على الإمام والمثول بين يديه.
نادى الإمام الحسن العسكري عليه السلام: (عليّ بـابني )
وإذا قد اقبل الإمام صاحب العصر محمد المهدي بن الحسن عليهما السلام وهو صغير السن, لا يزال في الثالثة او الرابعة من عمره الشريف. أي قبل استشهاد الإمام الزكي الحسن العسكري عليه السلام.
فأجلسه الإمام في حجره وقال لسعد بن عبد الله القمي
(سل هذا) أي ابني هذا الطفل الصغير سله وهو يجيبك.
بالطبع هناك مسائل عدة طرحها عبدالله القمي الأشعري على الإمام المهدي عجل الله له الفرج فأجابه عليها ولكننا ننقل مورد الشاهد وهو الكلام الذي أجاب به الإمام على ذلك السؤال وهو, هل كان إسلام أبي بكر وعمر طوعاً أو كرهاً؟.
فكان جواب الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف على ذلك السؤال هو التالي..
قال الإمام صاحب الزمان(عجل الله فرجه الشريف) لسعد القمي:
لمَ لم تقل له, بل أسلما طمعاً
تعليق: أي إن الإمام المهدي عليه السلام يقول لعبدالله القمي الاشعري, لماذا لم تقل لذلك الناصبي إنّ أبا بكر وعمر قد اسلما طمعا؟. أي أنهما لم يسلما لا طوعاً ولا كرهاً بل أسلما طمعاً.
فلنتم الرواية..
(وذلك بأنهما كانا يجالسان اليهود ، ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بـالملاحم من حال إلى حال , من قصة محمد (ص)ومن عواقب أمره, فكانت اليهود تذكر أن محمدا يُسلط على العرب كما كان بخت نصر سُلطَ على اليهود)
تعليق: كل أخبار الملاحم وأحوال الأمم كانت مسجلة في كتب اليهود وكذلك النصارى.
فكان مدونا في كتبهم انه سيخرج رجل يتسلط على العرب ويصير الحاكم الأوحد عليها وقد حددت كتبهم أوصافه وفي أي قرية يولد وماهو شعاره وأي حروب سيخوض. وأنه سوف يتسلط على العرب ويحكمهم ولا بد له من الظفر والانتصار وانّ ذلك واقع لا محالة.
نتم الرواية الشريفة..
(فكانت اليهود تذكر أن محمدا يسلط على العرب كما كان بخت نصر سلط على بني إسرائيل , ولابد له من الظفر بـالعرب كما ظفر بخت نصر ببني ‘سرائيل غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي)
تعليق : بالطبع قول اليهود (غير انه كاذب في دعواه انه نبي) هي ‘ضافة منهم وتزوير وتحريف منهم كما هو دأبهم. فحري بهم ـن يكونوا ـول من يؤمن بهذا النبي الذي ـخبرت به كتبهم. كانوا يحدثون الناس عن هذا الرجل ويخبرون بصفاته ولكنهم يقولون لهم إن قال لكم ـنه نبي فلا تصدِّقوه فادعاؤه هذا غير صحيح وهو كاذب في ادعاء النبوة. طبعا إخبارهم بتلك الحقائق ليس بهدف إذاعة إمر ذلك الرجل فلو وجدوا إلى طمس ذكره سبيلا لفعلوا ولكنه إجراء احترازي لابد لهم منه لكي يتمكنوا من صد الناس عن التصديق بذلك النبي الخاتم لذا فإنهم يخبرون بحق يخلطونه بباطل لذلك الغرض.
نتم الرواية الشريفة حيث يخبر الإمام المهدي عليه السلام بما كان من أمر أبي بكر وعمر حين علما بأمر ذلك الرجل الذي يتسلط على العرب كما اخبرهما رهبان النصارى وأحبار اليهود.
يقول الإمام عليه السلام
(فأتيا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم)
تعليق: أي أنّ أبا بكر وعمر أتيا إلى النبي صلى الله عليه وآله بعد أن علما أنه سيحكم جزيرة العرب وانه هو الرجل اللذي أخبرت به كتب اليهود والنصارى .
نكمل الرواية الشريفة
(فساعداه على شهادة أن لا إله إلا الله , وبايعاه طمعاً في أن ينال كل واحد منهما من جهته (أي من جهة رسول الله) ولاية بلد إذا استقامت أموره واستقرت أحواله)
تعليق : أي أنهما قد دخلا الإسلام في مرحلة ما قبل الهجرة وهي المرحلة الثانية من مراحل الدعوة الإسلامية حرصا منهما على التقرب من ذلك النبي طمعاً في أن يكون لهما حضوة عند النبي فيجزل لهما العطاء حينما يستتب له الأمر ويحكم العرب فيولي كل واحد منهما على ناحية من النواحي.
ثم يقول عليه السلام : (فلما آيسا من ذلك)
تعليق : اللذي حصل أنّ أبا بكر وعمر قد اكتشفا أنّ حسبتهما كانت خاطئة ولم يكن لهما ما أراداه . حينها يئسا من الحصول على أي رياسة أو منصب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يوكل لهما أي مهمة أو منصب في الدولة الإسلامية.
حتى سورة براءة التي تسلّمها أبو بكر لينطلق بها إلى المشركين قد سُحبت منه ولم يكن مؤهلا حتى لتبليغ تلك السورة الكريمة.
نكمل الرواية..
(فلما آيسا من ذلك (أي وقع في قلبهما اليأس ), تلثّما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه)
تعليق : أي على أن يقتلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم), وهذه القضية تناولناها سابقا في بحث مفصل وأثبتنا من مصادر المخالفين أنهما قد حاولا قتل رسول الله وشاركا في مؤامرة لاغتيال النبي عن طريق النفر بناقته من على العقبة. فيالها من جريمة تهتز لها أظلة العرش.
ثم يقول الإمام عليه السلام: (فدفع الله تعالى كيدهم وردهم بغيضهم لم ينالوا خيرا , كما أتى طلحة والزبير علي عليه السلام , فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد , فلما آيسا نكثا بيعته وخرجا عليه فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين)
تعليق: فالمسالة إذن واضحة. سبيل أبي بكر وعمر مع رسول الله كان سبيل طلحة والزبير مع علي عليه السلام.
طلحة والزبير أيضا بايعا عليا وهما يضمران له العداء رغبةً وطمعا في أن يولّيهما على واحدة من البلدان فيصيران عليها حاكمين.
فلما آيسا من ذلك نكثا بيعة علي عليه السلام وحارباه. الأمر ذاته بالنسبة لأبي بكر وعمر فقد كان إسلامها طمعا , وحينما يئسا من الحصول على مبتغاهما من رسول الله تريثا إلى أن تصبح الفرصة سانحة لهما للإنقضاض على دولة رسول الله فانقلبا على وصي رسول الله علي عليه السلام بعد رحيل رسول الله واستشهاده.
ذلك النص وارد في (رواية الصدوق في إكمال الدين الصفحة 461 , الإحتجاج للطبرسي الجزء 2 صفحة 275) ومصادر شتّى من كتبنا.
اـ الآن قد يعترض المخالفون بقولهم إنّ ما جئتم به من مصاردكم ونحن لا نقبل به.
فنحن نجيبهم بأننا سنأتي بشاهد من مصادركم هو (قرينة) على صحة ما ورد في الرواية الشريفة عن الإمام المهدي عليه السلام.
تثبت تلك الرواية المذكورة في مصادركم أنّ أبا بكر بـالذات كان قد علم بأنّ نبيا و هو هذا النبي بالذات المسمى محمدَ بن عبد الله بن عبد المطلب, هو لا غيره سيظهر على العرب وسيكون هو النبي الذي يحكم جزيرة العرب.
النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم متى أعلن نبوته؟
أعلن نبوته في الأربعين من عمره الشريف.
لقد كان أبو بكر يصغُر النبي محمدا صلى الله عليه وآله بسنتين, فطوال تلك الفترة من الزمان التي سبقت إعلان محمد صلى الله عليه وآله لنبوته كان أبو بكر يرى ويسمع اليهود والنصارى وعلماءهم.
كان يسمع على الدوام منهم أنّ هذا سيصبح نبياً لكنه رغم ذلك لم يبادر الى الى تلبية دعوته منذ اللحظة الأولى كما قد بينا بل دخل في الإسلام بعد أكثر من خمسين رجلا.
دخل في الإسلام متأخرا بعد أن (ازداد) ثقة من صحة ما سمعه من علماء اليهود والنصارى وتأكد أنّ القضية حقيقية وانّ هذا النبي قد التف حوله جمع من المناصرين وسينطلق إلى المدينة ويكوّن حكومته هناك.
كبداية ما يجب علينا معرفته هو أنّ المعلومات المتعلقة بإرهاصات ظهور النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي ذكرتها كتب اليهود والنصارى قد انتشرت في الجزيرة العربية آنذاك.
نعني بذلك أنهم كانوا يشاهدون علامات معينة وبالأخص علماء اليهود والنصارى, فكانوا يشيعون ذلك بين الناس , لدرجة أنّ التاريخ ينقل لنا بأنّ أبا سفيان أعتى الكفرة كان يتوقع من خلال ما جمعه من معلومات في أسفاره ورحلاته ومن مخالطته لليهود والنصارى بأنّه هو النبي.
كان أبو سفيان يتصور أن الله تعالى لن يختار أحدا سواه من مكة التي سيخرج منها ذلك النبي المذكور في كتب الأحبار والرهبان.
فهو زعيم مكة والقابض على الأموال وصاحب النفوذ والجاه.
فلما ظهر النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) , يتيم عبد المطلب الذي اختاره الله واصطفاه لنبوته ثار واشتعلت بقلبه نار الحسد
فما هو ذلك الشاهد من مصادر المخالفين الذي يحمل قرينة على صدق ما ورد في الحديث المروي عن الإمام المهدي عليه السلام ؟
طبعا مُعظم كتب السيرة عندهم ومنها ننقل هذه الرواية
(روي أنّ أبا بكر كان في قافلة تجارية فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان لا يزال شابًا )
تعليق : النبي حينها في تلك القافلة كان شابا وأبو بكر كذلك بالطبع, فكانت تلك إحدى رحلاته التجارية في الفترة التي كان يتاجر فيها بأموال السيدة خديجة عليها السلام. في تلك الرحلة وفي تلك الحقبة من الزمان وقعت هذه الحادثة.
تقول الرواية =: فلما توقفت (أي توقفت القافلة الل=تي كان أبو بكر يعمل فيها)
تقول الرواية: (جلس النبي تحت شجرة حتى يستظل من حرارة الشمس, فذهب أبو بكر إلى راهب يسأله عن الدين)
تعليق: هذه العبارة الأخيرة ضعوا تحتها خطا..
لماذا يسأل أبو بكر راهبا عن الدين؟
أليس رجلاُ وثنياُ كسائر قريش؟
هذا يثبت قول الإمام الحجة, أنهما كانا يخالطان اليهود والنصارى, كانا يحتكّان ويختلطان بأتباع تلك الملل و يسمعون بعض الأخبار منهم.
فكما ترون ذهب أبو بكر ليسأل الراهب عن دينه أي النصرانية.
وهناك سأله الراهب
(من الرجل الذي في ظل السدرة ؟)
تعليق: هذا الراهب لفت انتباهه شيء معين, فسأل الراهب ابا بكر من هذا الرجل المستظل تحت الشجرة؟
فقال أبو بكر: (ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب)
فهنا قال الراهب: (هذا والله نبي وما استظل تحتها , (أي تحت هذه السدرة) , أحد بعد عيسى بن مريم إلا محمد نبي الله)
تعليق: اللهم صل على محمد وآل محمد وعجِّل فرجهم والعن عدوّهم.
إذن كما ترون فالراهب ذكر لأبي بكر إن ذلك الرجل محمد بن عبدالله هو نبي الله. تقول مصادرهم بعد أن قال الراهب هذا الكلام.
(فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق)
تعليق : وقع في قلبه منذ ذلك الزمان, أي منذ ذلك الحين أبو بكر تيقن من كون محمد بن عبد الله سيكون هو النبي الذي أخبرت عنه كتب اليهود والنصارى وقالت أنه سيدّعي النبوة وأنه كاذب فإدعاء النبوة ولكنه سيحكم أرض العرب كما بينا في الرواية المذكورة في مصادرنا .
فإذن ما وقع في قلب أبي بكر من يقين وتصديق لم يكن يقينا وتصديقا بكون محمد صلى الله عليه وآله نبي من الله كما ذكر ذلك الراهب.
وإنما وقع في قلبه يقين وتصديق بأنه هو ذلك الذي يحكم أرض العرب ويقول أنه نبي من عند الله.
ـ أصلاً هل كان أبو بكر يؤمن بأنّ عيسى عليه السلام نبي لكي يصدّق الراهب في قوله بأنّ محمدا نبي من عند الله؟!
أبو بكر كان وثنياً يعبد الأصنام.
الوثنيون كانوا يتعاملون مع الأنبياء وكتبهم على أنها كهانة
أي هم أصلا لا يؤمنون بأنّ هناك رجالا لهم اتصال بالله عن طريق الوحي. فعلى ذلك الأساس كان يتعامل أبو بكر مع ذلك الراهب, كان يسأله على أنه كاهن. الوثنيون من قريش يعتقدون أنّ ما يخبر به الأنبياء وأتباع الأنبياء وما في كتبهم هو كهانة. هم يؤمنون بالكهانة لكنهم لا يؤمنون بالنبوة بالمعنى الذي يعتقد به أتباع الأديان السماوية.
بسم الله الرحمن الرحيم
(ولا بقولٍ كاهنٍ قليلا ما تذكرون)
فتلك حقيقة اعتقاد عباد الأوثان في الأنبياء وكتبهم. فأبوبكر كان من عباد الأوثان وذلك كان اعتقاده الحقيقي في باطنه.
فإذن وقع ذلك اليقين بكون محمد صلى الله عليه وآله هو النبي الذي تحدثت عنه كتب اليهود والنصارى في قلب أبي بكر قبل أن يعلن رسول الله نبوته ويصدع بدعوته!
كلمة نبي عند الوثنيين ومنهم أبو بكر تساوي وتعادل كلمة كاهن!
خصوصا أنهم وفق عقيدتهم يقولون أنّ النبي قبل أن ينزل عليه الوحي لم يكن يعرف أنه نبي!. فإذن وفق عقيدتهم لم يعرف أبو بكر ذلك سوى من اليهود والنصارى الذين لم يكن هو منهم أصلا ولم يكن يؤمن لا بعيسى ولا بموسى ولا بأحد من الأنبياء فهو وثني. وإنما يتعامل مع ما في كتبهم على إنه كهانة.
إذن روايتهم تصرّح
(فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق, فلما نُبِّئ رسول الله وهو ابن أربعين سنة , وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة أسلم وصدّق رسول الله)
تعليق: هذا الذي ينقلونه شاهد وقرينة واضحة جداً على صدق كلام الإمام الحجة عليه السلام.
ذلك تصديق حقيقي لما روي في مصاد