أنهى سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله، في بداية الحلقة الثامنة من سلسلة تعليقاته على الضجة المفتعلة من أنصار عدوة الله عائشة، جولته الأولى في الرد على الرسائل، وذلك بعد رده على رسالة واردة على لسان حال ثمانية وأربعين فردا من محافظة كربلاء المقدسة، كتبها الأخ وسام صادق الكربلائي، والذي حمل فيها تهنئته للشيخ بمناسبة عيد الفطر المبارك وثنائه على الحفل البهيج بهلاك الحميراء المدانة من فوق سبع سماوات، ناقلا فرحة الشارع الشيعي بمختلف أطيافه المرجعية في مدينة كربلاء بما أسس دعائمه الشيخ الحبيب بهذا الابتلاء العظيم.
وبعد قراءة الرسالة شكرَ الشيخ الأخ وسام شكرًا جزيلا وسأل الله تثبيته، هو والثمانية والأربعين شخصا الذين معه، واصفا سماحته الرسالة بأنها مثلجة للصدر ومفرحة للقلب لأنها تدلل على وجود الوعي الذي تحتاجه الأمة في المدن المقدسة، لافتا سماحته النظر إلى مشكلة مواجهة الجهل التي يعاني منها العراق بعد سقوط نظام البعث اللعين، والذي ضيّق الخناق على المؤمنين بحرمانهم من كل وسائل المعرفة وكل وسائل الإتصال الداخلي والخارجي مع العالم الشيعي، فضلا عن اضطهاده حوزات النجف واخضاعها للظلم والجور مما انعكس سلبا بانعدام جرأة هذه الحوزات على بيان حقيقة مواقف الشيعة تجاه ظلمة أهل البيت من أضراب عائشة وأبي بكر وعمر، وامتداد مشكلة الجهل إلى بعض طلبة الحوزات العلمية الذين تأثروا بالاتجاه البكري التجهيلي المخالف لمنهج القرآن والداعي إلى احترام كل أزواج رسول الله بحجة أنها من إكرام رسول الله، ثم البدء بالصعود إلى آبائهن وأخوانهن، ثم أصحاب إخوانهن وآبائهن، إلى أن يصل المعراج إلى كلهم رضي الله عنهم وأرضاهم، بينما هاجم القرآن عم النبي وأبناء أنبياء سابقين وأزواج أنبياء سابقين أيضا، ونسف العلاقة بين النسب والسبب بقوله {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}.
وأضاف سماحته أن ما زاد في تعقيد هذه المشكلة هو عودة التيارات البترية المنحرفة إلى داخل العراق، كحزب الدعوة والتيار الإيراني، إلى جانب جيش من معممي العالم الثالت والعالم الرابع ومراجع الحواسم، وهؤلاء بأجمعهم استمروا بعملية التجهيل والتلويث وساعدهم بذلك الساسة الكذبة والمنافقين والمنساقين وراء الدعاوى السياسية الفارغة مما سهّل لهم العبث بمقدرات وعقائد هذا الشعب المظلوم.
وقال سماحته: إننا وغيرنا ممن يؤكدون على الأصالة العقدية في العراق في قبال هذه الجيوش قد فعلنا ما نستطيع من ناحية التبليغ وفوضنا الأمر إلى الله تبارك وتعالى وإلى أهل البيت صلوات الله عليهم، وبحمد الله بدئنا نجد البشائر بتعالي الصوت المصر على الولاية والبراءة في العراق وانتشار حالة الوعي التي تدلل عليها هذه الرسالة.
وفي الختام دعا الشيخ الإخوة الكرام إلى مضاعفة التبليغ وهداية من حولهم وتحصين الشباب من الاغترار بأصحاب الرايات الضالة المضلة والعمائم العفنة المزيفة والعمائم المسيسة والبترية والعرفانية الباطلة، سائلا الله التوفيق لهم لأداء هذه المهمة.
ثم انتقل سماحته إلى الرد على بعض ردود الفعل على وسائل الإعلام، مرجئا الرد على الرسائل إلى وقت آخر، فعرض سماحته مقالة للمدعو دكتور مطلق القراوي، والتي نقلتها جريدة الآن الإلكترونية من جريدة الوطن الكويتية وعرّف فيها الكاتب نفسه بأنه وكيل وزارة الأوقاف المساعد للتنسيق الفني والعلاقات الخارجية والحج في الكويت، مبديًا سماحته إندهاشه من أن تكون هذه مقالة دكتور يفترض أن يكون عالمًا أو أكاديميًا أو مثقفا، قبل أن يختصر سماحته صلب موضوع المقالة بأنها بدأت بديباجة عن فضل عائشة المكذوب، إلى أن وصلت إلى ما يثير الشفقة على كاتبها حين قال: ”إن الرد على ما قيل يرتكز في محورين، الأول: إن ما قيل في حقها رضي الله عنها من سوء خلق وكذب ونفاق وإدعاء بدخولها النار إنما جاء في سياق كلام القائل دون إثبات وشواهد سواءا من القرآن الكريم والسنة المطهرة أو حتى ما قيل على لسان العلماء والمؤرخين، بل كان كلامه في حقها بدعًا من عنده وقولا من نثره كأنما أنزل عليه الوحي في تلك اللحظة وهذا ما لا يصدقه عاقل ولا يقبله إنسان“!
ووصف سماحته كاتب هذه المقالة بأنه أحمق، معلقـًا أنه بدأ يستشعر بأن البعض من أهل الخلاف ليسوا من صنف البشر، لأن البشر مهما يكن يستطيع أن يميز ما يحتويه الكلام بخلاف البهيمة، وأضاف.. إن كان هذا الرجل دكتور ووكيل وزارة الأوقاف، فعلى الدكتوراه السلام وعلى وزارة الأوقاف بمن فيها السلام.
قبل أن يعيد سماحته التذكير ببعض ما ساقه من دلائل وشواهد من القرآن الكريم والسنة المطهرة و ما قيل على لسان العلماء والمؤرخين في كلمته بالاحتفال، من باب أن التكرار يعلّم الحمار، داعيًا سماحته كاتب المقالة إلى ترك الكذب وإضحاك الناس على نفسه، وواصفـًا ما قام به هذا الرجل في مقالته بأنه مهزلة بمعنى الكلمة.
وكان مما أعاد التذكير به سماحته، كذب عائشة على رسول الله صلى الله عليه وآله بإدعاءها أن رسول الله قد سُحِر، وهو الأمر الذي لا يسع أحد من المخالفين أن ينكره لأنه وارد في أصح كتبهم ومصادرهم على الإطلاق، حيث ورد في صحيح البخاري، وبه ناقضت عائشة القرآن الكريم، وضاهت قول الكفرة المشركين وأثبتت أن للشيطان سُلطةً على رسول الله لأنه سحَرَهُ، بينما نفى القرآن الحكيم واستحال أن يتسلط الشيطان على المؤمن الذي اخلص إيمانه.
حيث قال الله تبارك وتعالى نسبةً إلى الشيطان: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} (سورة النحل/آية 99-100)
وقال واعدًا نبيّه : {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (سورة البقرة/آية 137)، وبتطبيق قول رسول: ”من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده في النار“ تكون عائشة في النار.
كما أعاد سماحته التذكير بمثال آخر من برهانه الثاني الذي جاء به في الاحتفال من صحيح مسلم، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينصح ويحذر عائشة بقوله لها: ”يا عائشة لا تكوني فاحشة، فأن الله لا يحب الفحش والتفحش.“ لافتا سماحته النظر إلى سباب عائشة إلى أم سلمة «رضوان الله تعالى عليها» حين سبتها ونزل فيها قرآنٌ، هو قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساءٌ من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} (سورة الحجرات/آية 11) ؛ وهي الآية التي ورد عنها في تفسير القرطبي: ”قال المفسرون في تفسير هذه الآية وبيان سبب نزولها، نزلت في إمرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، سخرتا من أم سلمة وذلك أنها ربطت خصريها بسبيبة وهو ثوبٌ أبيض وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرها، فقالت عائشة لحفصة : انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب ! فهذه كانت سخريتهما.“
وهو ما خالفت فيه عائشة قول الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه.}
وقد ورد عن رسول الله أنه نظر في النار فإذا قومٌ يأكلون الجيف فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال جبريل: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة. وفي هذا الاستدلال علّق سماحته: بما أنه لم تثبت لنا توبة عائشة من غيبة أم سلمة فأنها اليوم في النار وتأكل الجيف.
الجدير بالذكر أن كاتب المقالة قد وضع لها عنوانا ”ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله“ وهو العنوان الذي لا ينطبق إلا عليه نفسه.!
ثم تطرق سماحته إلى نموذج آخر في وسائل الإعلام، وهو مقالة لزميل سابق له بجريدة القبس، يعرفه الشيخ معرفة بعيدة قبل أن ينتقل لجريدة الأنباء التي نشرت له هذه المقالة، ويدعى سامي النصف. وبيّن الشيخ قبل الرد عليه أن الكاتب ليس شيخا بكريا أو ما أشبه بل هو من إتجاه ليبرالي أو غير ذلك، ولكن سماحته لا يدري لِم أخذته الحمية فجأة على عائشة؟ ناصحا الكاتب بترك قضايا عائشة والبقاء على قضاياه السياسية لأنها أفضل إليه.
وقد عبّر الكاتب عن سماحة الشيخ في مقالته بـ "الزميل في الإعلام والسياسة وليس في قضايا الفقه والدين" ، مستعرضا ما تابعه في الحلقة الأولى من رد الشيخ على الضجة المفتعلة من أنصار عائشة، والتي رُفِعت على اليوتيوب واستغرقت ساعة من الزمن، طالب فيها الشيخ بالرد على كلمته في الاحتفال بالأدلة والعقل والمنطق.
وقد قرر سامي النصف مضمون الحلقة الأولى من الرد على الضجة المفتعلة على طريقته الخاصة، مقدمًا تلخيصا يحمل مغالطة لمضمون الحلقة، إدعى فيه أن الشيخ الحبيب يقول أن مسمى الحميراء شتمة من رسول الله لعائشة لأنها سمراء، وقد صحح له الشيخ بأن ما قاله هو أن لفظة الحميراء هي تحقير من رسول الله لعائشة لكونها محياض، كما حقـّر رسول الله أفرادًا غيرها كأبي جهل و أبي هريرة والوزغ بن الوزغ مروان بن الحكم وذي الأستاه معاوية بن أبي سفيان وغيرهم آخرين من الكفرة والمنافقين.
وكان التالي نصه، هو ما سمح به وقت الجلسة لعرضه من رد الكاتب على الشيخ:
”وإليك الرد كما طلبت من إعلامي إلى إعلامي، وأوله الآية الكريمة {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} ولا اجتهاد في وجود النص، فلو كان رسول الأمة رأى على السيدة عائشة ما تدعيه لطلقها، وقد سبق له أن طلق إحدى زوجاته طلقة رجعية بسبب إفشاءها السر، وواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي في بيت السيدة عائشة وفي يومها وبين سحرها ونحرها“
وعقـّب سماحة الشيخ على جزئيات النص المنقول، مفتتحا التعليق بإعجباه بعبارة "ولا اجتهاد في وجود النص" معبرا عنها بأنها تتعارض مع ما فعله عمر بن الخطاب، ومبينا أن الزوجة التي تطلقت لإفشاءها سر رسول الله هي حفصة بنت عمر بن الخطاب، وأن إفشاءها لسر رسول الله هو كبيرة من الكبائر، ثم أنه لا ربط للآية المستدل بها بالموضوع الذي يليها، فالآية تنقسم إلى قسمين، الأول هو بيان أن رسول الله يملك السلطة الفعلية علينا أكثر مما نملك نحن السلطة الفعلية على أنفسنا، والثاني هو بيان أن حكم نكاح أزواجه حرام من بعده لأنهن قد انزلتهن الشريعة منزلة الأمهات، ولهذه المنزلة شرطها وشروطها، فالأمر أشبه بحكم الظهار أي كمن يقول لزوجته أنت عليّ كظهر أمي فينزلها بمنزلة الأم فلا يجوز له أن ينكحها، والجنبتان بعيدتان عن موضع الاستدلال الذي خلط الحابل بالنابل، ثم أن النبي لوط مثلا رأى على زوجته ما ندعيه، وهو فسق وفاحشة، إذ كانت تدعو للواط ولم يخبرنا القرآن أن النبي لوط عليه السلام قد طلق زوجته، وقد كان عالما وعارفا بما تفعله زوجته في حياته إلا أنه صبر عليها إمضاءا وإنفاذا للأمر الإلهي فلم تهلك إلا لما أهلك الله قوم لوط، وهذا الأمر في نبي الله لوط عليه السلام نقوله ذاته في رسول الله صلى الله عليه وآله، لحكمة إلهية بيّنها رسول الله في بعض الموارد وبيّنها وصيه أمير المؤمنين عليه السلام في بعض الموارد، وهي أن عائشة باب ابتلاء للأمة فلابد أن يصبر عليها رسول الله، كما صبر نبي الله هود على زوجته، فلكل نبي عدوة مأمور بالصبر عليها كما قال نبي الله هود عليه السلام، وعليه فلا يمكن نفي حقائق عن هذه المرأة واردة حتى في أصح مصادر أهل الخلاف بناءا على افتراضات واحتمالات، واستبعاد أن يكون رسول الله صلى الله عليه مأمورا بالصبر عليها وهو المأمور بالصبر كما صبر أولي العزم من الرسل، وواقع الحال أن الرسل مأمورون بالصبر على أزواجهم وأبنائهم حتى يتمون الحجة عليهم وحتى تمضي حكمة الله تبارك وتعالى وتنفذ مشيئته في هذه الخليقة.
وفي الختام أرجأ سماحته الرد على الجزئية الأخيرة في النص المنقول، في قول الكاتب أن رسول الله توفي بين سحر ونحر عائشة، إلى الجلسة القادمة، واعدًا إياه بتفنيد هذه الإكذوبة من مصادر المخالفين تفنيدًا مفصلا بحول الله تعالى، وناصحا إياه بإعادة الاستماع للجلسة الأولى، قبل أن ينهي سماحته الجلسة بالصلاة على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.