الشيخ ياسر الحبيب السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بعثت لكم سؤالا قبل فترة و لم تجيبوا
فقد كان السؤال عن نقطة وردة في منشور صدر ضدكم و النقطة هي كما وردت في المنشور:
( ونحن الآن بانتظار موقفك من السيد محمد الشيرازي لشرحه منظومة السبزواري ) وفيها مبحث وحدة الوجود ( وقد صرح في المقدمة إنه عاد لها بعد نكوص، وتبناها بعد أن رفضها في صباه، فهل يشمله الحكم الذي أنزلته على الشيخ بهجت رحمه الله؟)
فهل صحيح ما ورد في المنشور أن السيد الشيرازي علق على منظومة السبزواري و أنه يعتقد بوحدة الوجود ؟
خليفة السالوم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولا الشيخ لا يرد على المنشورات مجهولة المصدر المذيلة بأسماء وعناوين وهمية.
وثانيا إن كاتب هذا المقطع المنقول من الواضح أنه أبله قليل العقل، فالإمام الراحل (قدس الله سره) صرّح في مقدمة شرحه للمنظومة أنه لا يلتزم بالمباني والنتائج الفلسفية لأن فيها ما يتعارض والإسلام بل هو الكفر بعينه كالقول بوحدة الوجود، وإنما ألجأه إلى الشرح واستخدام الفلسفة ههنا شيوع الفلسفات الإلحادية الصريحة كفلسفة ماركس وداروين وفرويد وسارتر، فأراد أن يقابلهم بالمثل وهو استخدام القواعد الفلسفية من خلال شرح المنظومة لإبطال تلك الفلسفات، وحينما كان يصل إلى المواضع المنكرة من المنظومة كان ينبّه على بطلانها أيضا. فمثل الإمام الراحل في هذا مثل الذي يدرس النصرانية بهدف إبطالها، ثم يحاججهم بما فيها طبقا على قواعدها ومبانيها لنقضها وإثبات اختلالها وتناقضها، ولا يعني ذلك أنه يلتزم بالنصرانية! فكذلك الإمام الراحل (قدس الله سره) إنما درس الفلسفة ودرّسها لهذا الغرض كما صرّح، لأنه لا يمكن مقاومة الفلسفة إلا بالفلسفة، ولا يعني هذا أنه يلتزم بها، بل يلتزم بالإسلام.
ولكي تطمئن إلى ذلك ننقل لك بعض تصريحاته في شرحه للمنظومة حيث قال قدس الله سره: ”ما ترددت في علم ترددي في الفلسفة، ذلك لأنها شابت بأمرين نقصا من قيمتها، بل ربما قرّباها إلى الكفر والإلحاد أو الخرافة والمهزلة! الأمر الأول: التزام بعض الفلاسفة بما يخالف الشرع مما ثبت فيها بالبراهين العقلية والأدلة النقلية، كقولهم بوحدة الوجود أو العقول العشر بدون توجيه، بينما ثبت عقلا ونقلا مخالفة المطلبين للشرع. والأمر الثاني: التزام بعضهم بأمور كونية بكل إصرار طبقا لعلم الفلك القديم مما لم يدل عليه برهان وإنما قاله القدماء حدسا ثم أدخله هؤلاء في الحكمة وجعلوه بمثابة المسلّمات! وردّوا بسبب ذلك كل ظاهر شرعي يخالف ما زعموه بينما لم يتوفر الدليل الكافي لإثباته، بل العلم التجريبي الحديث أثبت بطلانه“. (شرح المنظومة ص161).
وقال قدس الله سره في مقام بيان سبب شرحه للمنظومة ولجوئه إلى الفلسفة ههنا: ”لكن ضرورتين ألجئتني على أن أكر على الفلسفة، الأولى: أن كثيراً من الأدلة الشرعية حول المبدء والمعاد تتوقف على معرفة الفلسفة فمن لم يقرئها على حدة اضطر إلى عدم فهم تلك الأدلة والوصول إلى حقائقها، أو أن يتعب في نفس تلك المسألة الشرعية العقلية فيفهم الشيء غير المنضوح مما يجعله بالتقليد أشبه منه بالاجتهاد والتعمق والفهم، فمثله مثل من لا يحقق مسائل الحساب حتى إذا وصل إلى كتاب الإرث في الفقه انساق إلى أحد الجهتين اضطرارا، فهل يمكن فهم قوله سبحانه : (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) أو فهم عبارة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : (لا يكيّف بكيف ولا يؤيّن بأين) أو حديث (الفرجة) أو ما أشبه بدون الإستعانة بالمقدّمات والمطالب المشروحة في الفلسفة؟ ولذا نرى علمائنا العظام بدون فرق بين أهل الحديث منهم كالمجلسي في بيانات بحاره، وبين غيرهم كالعلامة الحلي والمفيد؛ استوعبوا هذا العلم واستدلوا به للمطالب الشرعية وكسروا لسببه شوكة أدلة الخصوم.
الثانية: أن الدنيا الحاضرة إنما بُنيت على فلسفة جديدة كفلسفة (هيجل) و(نيتشه) و(ماركس) و(سارتر) ومن أشبه، ومن المعلوم أن ردّ أمثال هذه لا يمكن إلا بسلاح مثلها. قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولذا استخرت الله في شرح المنظومة، أداءً لهذه الخدمة المزدوجة". (المصدر نفسه).
فأين هذا ممن يلتزم بالمباني الفلسفية ويؤمن بنتائجها المتعارضة مع الإسلام؟! ولعل هذا الجاهل الذي كتب هذا المقطع المنقول تصوّر أن مجرد قيام الإمام الشيرازي (قدس الله سره) بشرح منظومة السبزواري يدخله في سلك الفلاسفة! وغاب عنه أن هذا أمر معهود في عالم الحوزات العلمية؛ أن يدرّس شخص أو يشرح كتاباً دون أن يلتزم بما فيه وإنما يكون غرضه من ذلك توظيفه في الردّ على الخصوم أو إبطال حججهم وما أشبه. وقد قام الشيخ شخصياً بنفس هذا في بعض الدروس الحوزوية فهل يُقال عنه أنه قد آمن بالفلسفة أو شرح صدراً للعرفان؟!
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
ليلة 25 شوال 1430