في خطبتكم حول مالك بن أنس وقعت أخطاء فادحة كانت محل سخرية المخالفين ، فالرجل الذي نهره هو ابن الخليفة المهدي ، فكيف قلتم انه تحالف مع السلطات ؟
وسخريتكم من مالك بن أنس جرت علينا نحن في تونس وابلا من المشاكل بحكم خطأ الأجتهاد ، فالرجل ساند ثورة محمد النفس الزكية وكان ضد المهدي ، وهذا الذي نهره هو ابن الخليفة المهدي . ارجو الأستماع للنصح .وشكرا
سامي الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأولى أن يسخر هؤلاء المخالفون من أنفسهم! فكلام الشيخ صحيح والمقصود بالرواية التي نقلها هو المدعو: عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري الأزدي، وهو من أئمة وأعلام المخالفين، وتجد ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي (ج9 ص192) بعنوان: عبد الرحمن بن مهدي، وقد سمّاه: «الإمام الناقد المجود سيد الحفاظ»، وهو المعاصر لمالك بن أنس وقد سمع منه.
وليس المقصود ابن خليفتهم المهدي، فالمعروف من أبنائه ثلاثة هم: موسى (المسمى عندهم بالهادي) وهارون (المسمى عندهم بالرشيد) وإبراهيم (المعروف عندهم بالغناء والضرب بالملاهي) لعنة الله عليهم جميعا. واسم خليفتهم المهدي هو: محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. فأين هذا النسب العباسي من نسب العنبري الأزدي: عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن؟!!
وهؤلاء الجهلة تصوروا أن المقصود من (ابن مهدي) هو (ابن الخليفة المهدي) والحال ليس كذلك، فمهدي هنا اسم للأب وليس لقباً، ولم يزعم أحد أن المقصود بالرواية التي نقلها الشيخ هو ابن خليفتهم، والجميع يعلم أن المقصود هو عبد الرحمن بن مهدي. يؤكد ذلك أن نص الرواية فيه: «قدم علينا ابن مهدي..» وليس: «ابن المهدي». فراجع نص الرواية في الاعتصام لإمامهم الشاطبي ج1 ص116.
أما قولكم أن سخرية الشيخ من مالك بن أنس (لعنه الله) جرت عليكم في تونس وابلاً من المشاكل بحكم خطأ الاجتهاد! فهذا كلام تهويل لا ينبغي لكم النطق بمثله، فأولاً إن الشيخ لم يخطئ كما تبيّن لكم، وثانياً إنه لم يسخر وإنما فضح هذا اللعين الذي نصب نفسه في مقام الإمامة والفتوى في قبال الأئمة الشرعيين من آل محمد (عليهم الصلاة والسلام) وكشف كيف كان مجرما وصاحب بدع ومنكرات، وثالثا حتى لو افترضنا أن الشيخ أخطأ فهل من المعقول أن يجر ذلك عليكم «وابلاً من المشاكل» وكأنكم أودعتم في السجون والمعتقلات بسبب هذا الخطأ المزعوم؟! نرجو احترام العقل وعدم تهويل الأمور، كما نرجو عدم تصديق كل كلمة يقولها المخالفون الجهلة وإنما عليكم بالرجوع إلى العلماء.
أما أنه كيف قال الشيخ أن مالك بن أنس قد تحالف مع السلطات؟ فسماحته قد بيّن ذلك بالأدلة في المحاضرة نفسها «مالك بن أنس.. إجرام وبدعة» والمحاضرة التي قبلها التي كانت بعنوان: «التباعد عن الحكومات منهج الشيعة»، فماذا نسمي إطلاق المنصور الدوانيقي (لعنه الله) ليد مالك بن أنس «يأمر بحبس من يشاء ويضرب من يريد» كما جاء في مقدمة تحقيق الموطأ؟! وهل يعقل أن يُتاح هذا لأحد دون تحالف مع السلطة؟!
وماذا نسمي تعهّد المنصور لمالك بن أنس بأن «يحمل الناس على قوله» أي يجبرهم على فتاويه كما نقله الشيخ بالمصادر؟! وهل يتصوّر أحد أن يقدم الحاكم على مثل هذا دون أن يكون من يريد حمل الناس على رأيه من المقرّبين إليه المتحالفين معه؟!
بل إن كتاب (الموطأ) لمالك بن أنس (لعنه الله) إنما ألّفه أصلاً بأمر من خليفتهم المنصور! وهذا أمر معروف لدى الجميع، فهل بعد هذا دليل على العلاقات الوثيقة والتحالفات بين الطرفين؟!
أما قولكم أنه ساند ثورة المدعو محمد النفس الزكية (لعنه الله) فأولاً هذا لم يثبت، وثانيا هذا لا يغير من واقع تحالفه مع السلطات شيئاً، فإنه لما استشعر أن السلطة ستكون لمحمد سانده، خاصة أنه حكم المدينة لبرهة، وكان المتوقع - لولا حماقته وسوء تدبيره - أن يزيح ملك بني العباس لأن قلوب الناس كانت معه، فلهذا تحالف مالك معه، فهو إنما يريد التحالف مع أية سلطة قائمة تتيح له النفوذ والمال. ولذلك عندما فشلت هذه الثورة تحالف مجددا مع المنصور العباسي. والنماذج من هذا النوع من البشر كثيرة إلى هذا اليوم، فنحن نرى كيف أن بعض مشايخ البكرية في مصر كانوا متحالفين مع الطاغية حسني مبارك يدعون الناس لطاعته، ولما سقط انقلبوا عليه وشتموه وبدأوا يتقربون من الثائرين والمجلس العسكري، ولو افترضنا أن حسني مبارك يعود مرة أخرى فسوف تراهم أول المبادرين لبيعته والدعاء له بطول العمر ودعوة الناس إلى طاعته كونه ولي الأمر!! هذه هي عادة مشايخ البكرية على مر العصور.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
ليلة 5 جمادى الاولى 1432