بسم الله الرحمن الرحيم
نشكر لكم يا سماحة الشيخ الجليل تجشمكم عناء البحث و كشف الحقائق و أيمّ الله بأني أزداد معرفة بأهل البيت و بخسّة أعدائهم في كل كلمة تقولها ..
أسمع كثيراً من الخطباء الموثوقين بأن الامام القائم روحي له الفداء حين يظهر أحد الأمور التي سيعمل عليها : إقامة الحد على الحميراء ، و إخراج الصنمين فيصلبهم ثم يحرقهم ... هنا استشكل أحد المؤمنين بأن كيف نوفق بين هذا و بين عدم التمثيل والتشبيه بالجثة كما نهى النبي ص؟ و إذا أمكنكم التوثيق لرواية الحد و نسف الصنمين
جزاكم الله خيراً
محبكم البحراني
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدنا ومولانا السلطان أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله وسلامه عليهما. جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع ولده المنتقم المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل الله فرجه الشريف.
أما إقامة الحد على عائشة بجلدها فليس تمثيلا، لأنه جزاؤها على فريتها على أم إبراهيم رضوان الله عليها، حين اتهمتها افتراءً وإفكا بالزنا فبرّأها الله تعالى في كتابه، فحد القذف ثابت على عائشة منذ ذلك الحين إلا أن الله أخّره إلى حين ظهور القائم صلوات الله عليه، فعندها تُردّ عائشة (لعنها الله) إلى الحياة وتلقى عقابها الشرعي.
وأما صلب وإحراق أبي بكر وعمر فليس تمثيلا أيضا، فإن الصلب جزاء شرعي لهم على محاربتهما لله ولرسوله وسعيهما في الأرض فسادا، كما قال عز من قائل: ”إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ“. (المائدة:34). وقد ذكر فقهاؤنا وفقهاء البكرية أيضا أن الصلب بعد القتل يكون لمن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا بالقتل وسلب المال، وقد صحّ أن الطاغوتيْن قد قاما بذلك، فقد حاربا الله ورسوله في موارد عديدة فاتهما النبي الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله) بالهجر والهذيان وتآمرا عليه في حياته لقتله ثم إنهما قتلاه غيلة بالسم وكذلك قتلا ابنته فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) وتآمرا لقتل وصيه الشرعي علي بن أبي طالب (عليهما الصلاة والسلام) بعدما غصبا حقه في الخلافة، ثم إنهما قد سلبا مال الله من بيت مال المسلمين وتصرفا فيه بغير وجه حق وأفسدا في البلاد والعباد وابتدعا في الدين وحرّفاه، فيكون جزاؤهما الشرعي هو القتل فالصلب، وهذا عين ما سيفعله الإمام (صلوات الله عليه) حين ظهوره الشريف، فلا تمثيل.
هذا عن الصلب؛ وأما الإحراق فليس تمثيلا أيضا، ذلك لأن الإمام (أرواحنا فداه) بعدما يحييهما ويقرّرهما بجرائمهما فيعترفان بها، فإنه سيقتلهما ويصلبهما ثانية ثم يأمر نارا تخرج من باطن الأرض لتحرقهما على سبيل الإعجاز، وهذه النار إنما هي قبس من نار جهنم، وهو العقاب الأخروي الإلهي لهما، غاية ما هنالك أن البشر في ذلك العصر سيشاهدون في الدنيا صورة من صور ذلك العذاب. ولذا فليس هو تمثيلا لأنه لا يجري ضمن إطار المعادلات الدنيوية بل ضمن إطار المعادلات الأخروية، ورمزية هذا الإحراق هو حرق كل ما يمثله هذان الطاغيان من ضلالة وانحراف، كما أن رمزيته هو الاقتصاص منهما أمام الملأ بجنس الفعل الذي أقدما عليه يوم هجما على الدار، حين جمعا الحطب وأضرما فيه النار ليحرقا فيه الزهراء وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم، فقد صرّح أئمتنا (عليهم السلام) بأنهم يتوارثون ذلك الحطب نفسه، وأن صاحب الأمر (صلوات الله عليه) سيجعله وقودا لتلك النار التي ستحرقهما عند الظهور المبارك.
وعلى أية حال فحتى لو افترضنا أننا لا نملك تفسيرا لما سيجري، فإن فِعْل المعصوم (عليه السلام) يكون نابعا من الإرادة الإلهية، وإن خفي وجه الحكمة فيه فلا يصح الاعتراض على فعل المعصوم أو التسرع في استبعاده هكذا جزافا، وليس مثال قتل الخضر (عليه السلام) لذلك الغلام عنا ببعيد أو غائب، فإن القتل وإزهاق الروح ليس بالأمر السهل، ومع ذلك أقدم عليه الخضر (عليه السلام) لحكمة خافية. والواجب على المؤمن أن يسلّم الأمر إلى الله ورسوله وأوليائه (عليهم السلام) حتى لو لم يقف على تفسير لأفعالهم، فكيف والتفسير واضح جلي كما شرحناه؟
أما عن الروايات ذات العلاقة بهذه الحوادث، فهي متنوعة ومروية بأكثر من طريق.
فمنها رواية الطبري في دلائل الإمامة عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) في ذكر حالات المهدي (صلوات الله عليه) بعد ظهوره: ”ثم يدخل المسجد فينقض الحائط حتى يضعه إلى الأرض، ثم يُخرج أبا بكر وعمر لعنهما الله غضّيْن طريّين، يكلمهما فيجيبانه، فيرتاب عند ذلك المبطلون فيقولون: يكلّم الموتى؟! فيقتل منهم خمسمئة مرتاب في جوف المسجد، ثم يحرقهما بالحطب الذي جمعاه ليحرقا به عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وذلك الحطب عندنا نتوارثه“. (دلائل الإمامة للطبري الإمامي ص455).
ومنها رواية الصدوق في علل الشرائع عن عبد الرحيم القصير قال: ”قال لي أبو جعفر عليه السلام: أما لو قام قائمنا لقد رُدَّت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها. قلت: جُعلت فداك.. ولمَ يجلدها الحد؟ قال: لفريتها على أم إبراهيم. قلت: فكيف أخّره الله للقائم؟ فقال: لأن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة، وبعث القائم عليه السلام نقمة“. (علل الشرائع للصدوق ج2 ص580). وقصد الإمام من أن بعثة القائم نقمة أنه سيكون نقمة على الكافرين والمنافقين، وهو الأمر الغالب على مسيرته ومرحلته باعتبار كثرتهم في زمانه ووجوب تصدّيه لهم، لا أنه ليس رحمة للمؤمنين، كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رحمة للمؤمنين ونقمة على الكافرين، إلا أن الغالب على مسيرته ومرحلته هو الأول لأنه في كان في زمان التأسيس للدين حيث يتوجب إغضاء الطرف واستمالة الناس. أما في زمان المهدي (عليه السلام) فالأمر هو الجزاء العادل بعدما قامت الحجة على الناس، فهناك فرق بين المرحلتيْن من عموم وخصوص.
ومنها رواية الفضل بن شاذان في كتابه عن بشير النبال عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ”هل تدري أول ما يبدأ به القائم عليه السلام؟ قلت: لا. قال: يُخرج هذين رطبيْن طريّيْن فيحرقهما ويذريهما في الريح“. (بحار الأنوار ج52 ص368).
ومنها رواية الفضل بن شاذان أيضا عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ”إذا قدم القائم عليه السلام وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر، فيبعث الله ريحا شديدة وصواعق ورعودا حتى يقول الناس: إنما ذا لذا! فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد! فيأخذ المعول بيده، فيكون أوّل من يضرب بالمعول ثم يرجع أصحابه إذا رأوه يضرب المعول بيده، فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه، فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضّيْن رطبيْن فيلعنهما ويتبرّأ منهما ويصلبهما ثم ينزلهما ويحرقهما ثم يذريهما في الريح“. (المصدر نفسه).
ومنها رواية الحسين بن حمدان الخصيبي في الهداية الكبرى عن المفضل بن عمر في حديث طويل عن مجريات ظهور المهدي صلوات الله عليه، وفيه: ”قال المفضل: يا سيدي ثم يسير المهدي إلى أين؟ قال عليه السلام: إلى مدينة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا وردها كان فه فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين.
قال المفضل: يا سيدي ماهو ذاك؟ قال: يرد إلى قبر جده صلى الله عليه وآله فيقول: يامعاشر الخلائق، هذا قبر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد فيقول: ومن معه في القبر؟ فيقولون: صاحباه وضجيعاه أبوبكر وعمر، فيقول وهو أعلم بهما والخلائق كلهم جميعا يسمعون: من أبوبكر وعمر؟ وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، وعسى المدفون غيرهما.
فيقول الناس: يا مهدي آل محمد صلى الله عليه وآله ما ههنا غيرهما إنهما دفنا معه لانهما خليفتا رسول الله صلى الله عليه وآله وأبوا زوجتيه، فيقول للخلق بعد ثلاث: أخرجوهما من قبريهما، فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما، ولم يشحب لونهما فيقول: هل فيكم من يعرفهما؟ فيقولون: نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما، فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما؟ فيقولون: لا. فيؤخر إخراجهما ثلاثة ايام، ثم ينتشر الخبر في الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القرين، ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما وانبشوهما. فيبحثون بأيديهم حتى يصلون إليهما.
فيخرجان غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها، فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا والله الشرف حقا، ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما، ويخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما وولايتهما، فيحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما وينادي منادي المهدي عليه السلام: كل من أحب صاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وضجيعيه، فلينفرد جانبا، فتتجزء الخلق جزئين أحدهما موال والآخر متبرئ منهما.
فيعرض المهدي عليه السلام على أوليائهما البراءة منهما فيقولون: يا مهدي آل رسول الله صلى الله عليه وآله نحن لم نتبرأ منهما، ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة، وهذا الذي بدالنا من فضلهما، أنتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت؟ من نضارتهما وغضاضتهما، وحياة الشجرة بهما؟ بل والله نتبرأ منك وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما، ومن صلبهما، وأخرجهما، وفعل بهما ما فعل فيأمر المهدي عليه ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية.
ثم يأمر بانزالهما فينزلا إليه فيحييهما باذن الله تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع، ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم عليه السلام، وجمع النار لابراهيم عليه السلام، وطرح يوسف عليه السلام في الجب، وحبس يونس عليه السلام في الحوت، وقتل يحيى عليه السلام، وصلب عيسى عليه السلام وعذاب جرجيس ودانيال عليهما السلام، وضرب سلمان الفارسي، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لاحراقهم بها، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط، ورفس بطنها وإسقاطها محسنا، وسم الحسن عليه السلام وقتل الحسين عليه السلام، وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره، وسبي ذراري رسول الله صلى الله عليه وآله وإراقة دماء آل محمد صلى الله عليه وآله، وكل دم سفك، وكل فرج نكح حراما، وكل رين وخبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغشم منذ عهد آدم عليه السلام إلى وقت قيام قائمنا عليه السلام كل ذلك يعدده عليه السلام عليهما، ويلزمهما إياه فيعترفان به ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر، ثم يصلبهما على الشجرة و يأمر نارا تخرج من الارض فتحرقهما والشجرة ثم يأمر ريحا فتنسفهما في اليم نسفا.
قال المفضل: يا سيدي ذلك آخر عذابهما؟ قال: هيهات يا مفضل والله ليردن وليحضرن السيد الاكبر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والصديق الاكبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام وكل من محض الايمان محضا أو محض الكفر محضا، وليقتصن منهما لجميعهم حتى أنهما ليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة، ويردان إلى ما شاء ربهما“. (الهداية الكبرى للخصيبي ص400 ومختصر بصائر الدرجات للشيخ حسن بن سليمان الحلي ص189 وبحار الأنوار للعلامة ج53 ص12).
زادكم الله ولاءً لآل محمد وعداءً لأعدائهم. والسلام. غرة شهر ربيع الأول لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.