هل صحيح أن عمر أحرق مكتبة الإسكندرية و لماذا فعل ذلك و هل سبب هذا هو حقده على العلم أم حرصه على إنتشار الجهل لدى الناس أرجوا التفصيل في الرد و شكراً
أحمد الجبوري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما نذهب إليه ونرجحه هو أنّ المكتبة أحرقها عمرو بن العاص لعنه الله بأمر من عمر بن الخطاب لعنه الله بعد أن طلب رجل يسمى يوحنا فيلوبينوس الملقب عند العرب بيحيى النحوي من عمرو بن العاص الاستفادة من الكتب الموجودة في مخازن الروم ,فأرسل إلى عمر بن الخطاب لعنه الله يستشيره فأمره عمر بإحراقها حتى وإن حوت ما يوافق كتاب الله قائلا أنّ في كتاب الله كفاية, وبنفس تلك الذريعة لم يتورع عن إحراق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله.
وزع عمرو بن العاص لفافات البردي على أربعة آلاف من حمامات الإسكندرية لتسخين المياه بها وقد استمر ذلك مدة ستة أشهر لكثرة الكتب.
أنصار عمرو بن العاص وعمر بن الخطاب لعنهما الله الذين رفضوا هذه الرواية وصفوا طريقة إحراق الكتب بالاشتمال على التهويل والتضخيم والبعد عن المنطقية والحال أنّ هؤلاء أنفسهم يقبلون الرواية التي تقول أنّ المغول رموا كتب مدارس بغداد في بحر الفرات فكانت لكثرتها جسراً يمرّون عليها ركاباً ومشاةً، وتغيّر لون الماء بمداد الكتابة إلى السواد!
نعم لا مانع من القبول بتلك الرواية إذا ما قيل أنّ الأمر تم بالتدرج البطيء نسبيا وأُحرقت الكتب على مجاميع ليست بالكبيرة.
من اعترض على تلك الرواية قال أنّ مكتبة الاسكندرية قد أُحرقت قبل دخول بن العاص مصر ويحاولون تأييد هذا الرأي بقولهم أنّ قدماء المؤرخين العرب كابن عبد الحكم والبلاذري والطبري لم يذكروا شيئا عن إحراق مكتبة الاسكندرية.
هذا رأي لا قيمة له وفق المقاييس العلمية حيث عدم الوجدان في مصدر ما لا يعني عدم وجود القضية على الاطلاق.
المؤرخون ليسوا كلهم على درجة واحدة من الشجاعة والحيادية , فرجل كابن الحكم ما الذي يستفيده من تثبيت حقيقة تاريخية كتلك؟
الأمر الآخر أنك تجد المؤرخين اللاحقين أو المعاصرين لمؤرخ ما يعتمدون الاستنساخ عن غيرهم ولا ينتهجون التحقيق الذاتي في كثير من محطات التاريخ.
حتى ما ذُكر من عدم ورود تلك الحادثة في تاريخ النقيوسي القبطي لا يمكن اعتباره دليلا على النفي حيث بعض التوازنات السياسية لها يد في التعتيم على جملة من حقائق التاريخ, فالحرب كانت تدور رحاها مع الرومان المعادين للأقباط. فلا نستبعد أنّ النقيوسي هذا كان قد هادن الحكومة الجديدة وذلك ما يفسر وجود تناقضات في تاريخ يوحنا حيث بعض المقاطع تذكر تعرض الأقباط للاضطهاد وبعضها الآخر يعبر عن صور من اللا معادة للنصارى, لذلك قال بعضهم أنّ ما ورد من تعرض الأقباط للاضطهاد هو من إضافات المترجم الحبشي حين ترجم الديوان إلى اللغة الحبشية بأمر من ملك الحبشة حين كانت تدور مواجهات بينهم وبين المسلمين.
بعضهم حاول رد تلك الرواية بقوله أنّ يوحنا فيلوبينوس لم يكن حياً آنذاك لكنّ هذا غير ثابت أيضاً حيث أنّ ابن النديم من رجال القرن العاشر الميلادى فى كتابه "الفهرست " ذكر أنّ يوحنا فيلوبينوس قد كان موجودا أيام دخول العرب للإسكندرية ومن خواص عمرو بن العاص ومقربيه.
من ذكروا هذه الرواية عُمريون أولهم عبد اللطيف البغدادي وابن القفطى وغيرهما وعنهم أخذها أبو الفرج النصراني و بقية المؤرخين الغربيين.
المؤرخ العُمري لا مصلحة لهم من ذكر تلك الحقيقة لكنه تحلى بشيء من الشجاعة والأمانة العلمية.
أما دوافع عمر من إحراق المكتبة فأبرزها حرصه على إفشاء حالة الجهل والظلامية في الأمة, إذ في مثل تلك الأزمنة,كيف يتمكن أن يُحكم رجل جاهل مثله القبضة على مجتمع يسود فيه العلم والنور؟
قضية صبيغ بن عسل الذي لم يكن له ذنب سوى أنه قد سأل عن متشابه القرآن فلقي من العذاب والتنكيل ما لقي خير شاهد على بغض عمر لعنه الله لحالة الوعي والتنوير.
عمر لعنه الله يرفض أي شكل من أشكال العولمة لذا تجده يحارب تعلم اللغات بقوله: (إياكم ورطانة العجم), فكيف بالانفتاح على تراثهم العلمي؟ وسبحان الله تجد الوهابي السلفي الحقيقي يحمل ذات العقلية العمرية الظلامية على هذا الصعيد.
من أحرق منبع العلوم كلها سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ما الذي يجعله يتردد في حرق مكتبة الاسكندرية؟!
عمر يعرف أنّ سنة رسول الله صلى الله عليه وآله (الحقيقية) تحمل الهدى والنور والعلم ومجتمع يحمل هذا النهج القيم وتسود فيه تعاليمه لا يمكن لمثل عمر لعنه الله أن يحكمه.
سبب تسلط هؤلاء الحكام الجهلة الأراذل على شعوبنا هو تفشي حالة الجهل المُقنّع والأمية في مجتمعاتنا. ولذلك تجد هذه الحكومات التي تدعي دعم العلم حينما لم تتمكن من إبقاء حالة الجهل الخالص فإنها راحت تكرس لإفشاء الجهل المُقنّع بطرق شتى.
وفقكم الله لمراضيه
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
23 ذو القعدة 1433 هـ