السلام عليكم ورحمت الله وبركاته
ما هو قولكم فيما ورد في تفسير القمي الجزء الاول عن تفسير قوله تعالى(ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثل يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا)
عن ابي عبدالله (عليه السلام) ان هذا المثل ضربه الله لامير المؤمنين (عليه السلام) فالبعوضة امير المؤمنين (عليه السلام) وما فوقها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والدليل على ذلك قوله" فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم" يعنى امير المؤمنين كما اخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الميثاق عليهم له" واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا" فرد الله عليهم فقال" وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ـ في علي ـ ويقطعون ما امر الله به ان يوصل" يعني من صلة امير المؤمنين (عليه السلام) والائمة (عليهم السلام) " ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون ) ما هو راي شيخنا الجليل بهذه الرواية؟
ابو علي الجوراني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهل البيت عليهم الصلاة والسلام يفسرون كتاب الله تعالى بالمصداق
جاء في تفسير نور الثقلين:
وأما قوله، إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا فانه قال الصادق عليه السلام ان هذا القول من الله رد على من زعم ان الله تبارك وتعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم فقال الله عز وجل: (ان الله لا يستحيى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها).
الله تعالى لا يعذب احدا الا أن يقيم عليه الحجة بالأنبياء والأوصياء وكان الحجة على أهل ذلك الزمان من الله تعالى هما النبي والوصي رسول الله وعلي عليهما الصلاة والسلام.
من خلال الكلام السابق يتبين لك أنّ للآية والمثل الذي ضربه الله تعالى فيها علاقة وارتباطا بولاية علي عليه الصلاة والسلام وبكون النص عليها من الله تعالى وفيها جانب يتعلق باعتراض للمنافقين النواصب إلا أنّ رواية شيخنا القمي رضوان الله عليه لم تنقله على نحو الدقة وهذا إما لكون الراوي لم يفهم الرواية بدقة على الوجه الذي بينه الإمام المعصوم عليه السلام أو نقلها على ذلك النحو اتقاءا للتفصيل أو للنسيان أو جنوحا للإجمال في الرواية, وهذا نكتشفه بالرجوع إلى رواية الامام العسكري عليه السلام في تفسيره.
قال الإمام الإمام العسكري (عليه السلام): قال الإمام الباقر (عليه السلام): فلما قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ )) وذكر الذباب في قوله: (( إِنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخلُقُوا ذُبَابًا )) الآية، ولما قال:(( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَولِيَاء كَمَثَلِ العَنكَبُوتِ اتَّخَذَت بَيتًا وَإِنَّ أَوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ )) ، وضرب المثل في هذه السورة بالذي استوقد ناراً وبالصيب من السماء, قالت الكفار والنواصب: وما هذا من الأمثال فيضرب؟! يريدون به الطعن على رسول الله(صلى الله عليه وآله). فقال الله: يا محمد (( إن الله لا يستحي )) لا يترك حياء (( أَن يَضرِبَ مَثَلاً )) للحق ويوضحه به عند عباده المؤمنين (( مَّا بَعُوضَةً )) أي ما هو بعوضة المثل (( فَمَا فَوقَهَا )) فوق البعوضة وهو الذباب يضرب به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده ونفعهم (( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا )) بالله وبولاية محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وآلهما الطيبين, وسلم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وللأئمة (عليهم السلام) أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم و لم يقابلهم في أمورهم, ولم يتعاط الدخول في أسرارهم ولم يفش شيئاً مما يقف عليه منها إلاّ باذنهم (( فَيَعلَمُونَ )) يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم (انه) المثل المضروب (( الحَقُّ مِن رَّبِّهِم )) أراد به الحق وابانته, والكشف عنه وايضاحه, (( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا )) بمحمد (صلى الله عليه وآله) بمعارضتهم (له) في علي بلم؟ وكيف؟ وتركهم الانقياد له في سائر ما أمر به (( فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً )) يقول الذين كفروا: ان الله يضل بهذا المثل كثيراً ويهدي به كثيراً, (أي) فلا معنى للمثل, لأنه وإن نفع به من يهديه فهو يضرّ به من يضله به, فرد الله تعالى عليهم قيلهم, فقال (( وَمَا يُضِلُّ بِهِ )) يعني ما يضل الله بالمثل (( إِلاَّ الفَاسِقِينَ )) الجانين على أنفسهم بترك تأمله وبوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه.
ثم وصف هؤلاء الفاسقين الخارجين عن دين الله وطاعته منهم, فقال عز ّوجلّ (( الذين ينقضون عهد الله )) المأخوذ عليهم لله بالربوبية, ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة, ولعلي بالإمامة ولشيعتهما بالمحبة والكرامة (( مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ )) أحكامه وتغليظه (( وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ )) من الأرحام والقربات أن يتعاهدوهم ويقضوا حقوقهم, وأفضل رحم وأوجبه حقاً رحم محمد (صلى الله عليه وآله) فإن حقهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) كما ان ّحق قرابات الإنسان بأبيه وأمه ومحمد (صلى الله عليه وآله) أعظم حقاً من أبويه, وكذلك حق رحمه أعظم, وقطيعته أقطع وأفضع وأفضح, (( وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ )) بالبراءة ممن فرض الله إمامته واعتقاد إمامة من قد فرض الله مخالفته (( أُولَئِكَ )) أهل هذه الصفة (( أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ )) خسروا أنفسهم لما صاروا إلى النيران وحرموا الجنان فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد وحرمتهم نعيم الأبد.
إن أراد الناصبة السخرية فلا يذهبوا إلى روايات مُجملة التقصير في بيانها من الراوي وإنما فليسخروا من إمامهم الذي بحق تمنى أن يكون (خُرءا) أجلكم الله.
قال عمر بن صهاك لعنه الله :(يا ليتني كنت كبش أهلي ، سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض ما يحبون فجعلوا بعضي شواءً وبعضي قديداً ثم أكلوني ، فأخرجوني عذرة ولم أك بشراً)
وفقكم الله لمراضيه
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
8 ذو الحجة 1433 هـ