السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته..،،
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن أعداءهم إلى قيام يوم الدين..،،
وجدت روايات شريفة تنهي عن إذاعة أسرار آل محمد عليهم الصلاة والسلام بل وذم أعدائهم ...
فأتمنى منكم بيان ردكم حول هذه الروايات الشريفة رحمكم الله ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسعد الله أيامنا وأيامكم وأيام المؤمنين بعيد الله الأكبر عيد الغدير الأغر، والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
الأحاديث الشريفة المنقولة إنما هي مقيّدة بظرف التقية والخوف، وليس لها إطلاق زماني أحوالي، فالذي أتى بها في مقام الاعتراض على الصادعين بالحق أتى بما لم يفهم! ولو أنه راجع قليلاً لوجد هذه الأحاديث في وسائل الشيعة تحت باب عنوانه: ”باب تحريم إذاعة الحق مع الخوف به“. أي أنها مقيّدة بذلك الظرف فقط.
ولو أُخِذَت تلك الأحاديث على إطلاقها وقيل بجريان الأوامر الواردة فيها في زماننا لكان محرّما علينا ذكر أي حديث عن آل محمد عليهم السلام، لأن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: ”من أذاع علينا حديثنا هو بمنزلة من جحدنا حقنا“! (الكافي ج2 ص370) فيكون بذلك جميع علمائنا المحدّثين الذين صنّفوا الكتب والموسوعات ونشروا بها أحاديث آل محمد (عليهم السلام) مرتكبين للحرام جاحدين بل نواصب قتلة!
كمثال: إن شيخنا الكليني (رضوان الله تعالى عليه) صنّف كتاب الكافي وملأه بأحاديث آل محمد (عليهم السلام) بما فيها أحاديثهم في أعدائهم التي توجب حنق المخالفين، وكان ذلك في زمان التقية فيه أشد من زماننا بلا خلاف. أفلا تورّع الكليني وكتم أحاديث آل محمد عليهم السلام؟! ولماذا دوّنها ونشرها؟! ولماذا لم يقم وزناً لأحاديث تحريم الإذاعة؟!
والجواب واضح، فإنه وكذا سائر المحدّثين كالصدوق والطوسي ومن تلاهم من المتقدّمين والمتأخرين عليهم رضوان الله تعالى، علموا بأن تحريم إذاعة ونشر الأحاديث المعصومية مقيّد بظرف التقية والخوف ليس إلا، لا أن له إطلاقاً أحوالياً، ولو أنهم جميعاً كتموا الأحاديث لما وصل إلينا اليوم حديث واحد! ولضاع هذا التراث العظيم ولفقدته الأجيال إلى غير رجعة!
ويدلّك على أن تحريم الإذاعة مؤقت بزمنه، أن الإمام الجواد (صلوات الله عليه) أجاز في زمنه نشر الأحاديث التي كتمها الشيعة للتقية، وما ذلك إلا لارتفاع شيء من التقية في زمنه. فعن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال: ”قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جُعلت فداك؛ إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم ولم يرووا عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا. فقال عليه السلام: حدّثوا بها فإنها حق“. (الكافي ج1 ص53).
إن هذا الحديث الشريف يوضّح أن الشيعة التزموا بأوامر الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) في كتمان أحاديثهم وعدم إذاعتها ونشرها، لأن في تلك الأحاديث ما يستفزّ الأقوام الأخرى، ولذا كتموها تقيّة منهم. ولمّا جاء زمان الإمام الجواد (عليه السلام) أمر بعدم الكتمان وبنشر تلك الأحاديث لأنها حق يجب نشره، وهذا هو الأصل، ولم يسقط إلا لفترة مؤقتة هي فترة التقية والخوف وقد انقضت. فكذلك الحال في زماننا.
وليس من الصواب أن ينصب العامي نفسه - كالبالون وأمثاله - في مقام الفقيه فيأخذ بعض الأحاديث - كهذه المنقولة - دون فهم لظروفها الموضوعية ويرتّب عليها الأحكام ويقول للناس: ”توقفوا! لا تذيعوا أحاديث وأسرار آل محمد عليهم السلام وإلا كنتم كمن قتلهم قتل عمد“!
إنه لو فُتح هذا الباب لكل من هبّ ودبّ لصار دين الله ألعوبة بيد الجاهلين! ولحرّم جهلة الناس مجرد ذكر فضائل علي وفاطمة (عليهما السلام) لأن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول أيضاً: ”إياكم وذكر علي وفاطمة عليهما السلام فإن الناس ليس شيء أبغض إليهم من ذكر علي وفاطمة عليهما السلام“! (الكافي ج8 ص159) بل لحرّم جهلة الناس التختّم في اليمين الذي هو علامة المؤمن الشيعي ولأوجبوا التختّم في اليسار الذي هو علامة الناصبي! لأن الإمام العسكري (عليه السلام) قال لشيعته في سنة ستين ومئتين: ”أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم، والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم، إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم، فإنه من أدلِّ دليل عليكم في ولايتنا أهل البيت. فخلعوا خواتيمهم من أيمانهم بين يديه ولبسوها في شمائلهم! وقال عليه السلام لهم: حدّثوا بهذا شيعتنا“! (بحار الأنوار ج78 ص373 عن تحف العقول).
كلا! إن تشخيص التكليف في مثل هذه الموارد إنما هو بيد أهل الفقه والعلم والتحقيق، ومن صرف عمره في تحصيل العلوم الدينية والتمنهج بمنهاج آل محمد صلوات الله عليهم. فلا تكن إلا مع هؤلاء تربح.
شكرا لتواصلكم
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
19 ذي الحجة 1434 هجرية