سماحة الشيخ المجاهد الحبيب ، حبيب قلوبنا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سمعت من أحد الخطباء يوماً رواية يقول فيها أن أحد حكام الجور من بني العباس أو بني أمية أراد أن يضرب أحد الأئمة بالسيف فتمثل له رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف وقال له تفعل أفعل مهدداَ فتوقف عن ضرب الإمام ، فهلا زوتنا بهذه الرواية؟
وفقكم الله لما يحب ويرضى وثبتك على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ج1: الخبر طويل ذكره العلامة المجلسي في بحار الأنوار (الجزء 91 - الصفحة 288) نقلا عن مهج الدعوات (الصفحة 236 برقم 243) ننقله هنا بكامله للفائدة: ”ومن ذلك: دعاء لمولانا الصادق (عليه السلام) لما استدعاه المنصور مرة خامسة إلى بغداد قبل قتل محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن وجدتها في كتاب عتيق في آخره: وكتب الحسين بن علي بن هند بخطه في شوال سنة ست وتسعين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله بن صفوة الهمداني بالمصيصة قال: حدثنا محمد بن العباس بن داود العاصمي قال: حدثنا الحسن بن علي بن يقطين، عن أبيه قال: حدثني محمد بن الربيع الحاجب قال: قعد المنصور أمير المؤمنين يوما في قصره في القبة الخضراء، وكانت قبل قتل محمد وإبراهيم تدعى الحمراء، وكان له يوم يقعد فيه يُسمّى ذلك اليوم يوم الذبح، وقد كان أشخص جعفر بن محمد (عليهما السلام) من المدينة، فلم يزل في الحمراء نهاره كله حتى جاء الليل ومضي أكثره، قال: ثم دعا أبي الربيع فقال له: يا ربيع إنك تعرف موضعك مني وأني يكون لي الخبر ولا تظهر عليه أمهات الأولاد، وتكون أنت المعالج له، فقال: قلت: يا أمير المؤمنين ذلك من فضل الله علي وفضل أمير المؤمنين، وما فوقي في النصح غاية، قال: كذلك أنت سر الساعة إلى جعفر بن محمد بن فاطمة فأتني به على الحال الذي تجده عليه، لا تغير شيئا مما هو عليه، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا والله هو العطب إن أتيت به على ما أراه من غضبه قتله، وذهبت الآخرة، وإن لم آت به وداهنت في أمره قتلني وقتل نسلي، وأخذ أموالي، فخيرت بين الدنيا والآخرة، فمالت نفسي إلى الدنيا.
قال محمد بن الربيع: فدعاني أبي وكنت أفظ ولده وأغلظهم قلبا فقال لي: امض إلى جعفر بن محمد بن علي فتسلق على حائطه ولا تستفتح عليه بابا فيغيّر بعض ما هو عليه، ولكن أنزل عليه نزولا فأت به على الحال التي هو فيها.
قال: فأتيته وقد ذهب الليل إلا أقله، فأمرت بنصب السلاليم، وتسلّقت عليه الحائط، فنزلت عليه داره، فوجدته قائما يصلي، وعليه قميص ومنديل قد ائتزر به، فلمّا سلّم من صلاته قلت له: أجب أمير المؤمنين! فقال: دعني أدعو وألبس ثيابي، فقلت له: ليس إلى تركك وذلك سبيل، قال: وأدخل المغتسل فأتطهر؟ قال: قلت: وليس إلى ذلك سبيل فلا تغسل نفسك فإني لا أدعك تغير شيئا.
قال: فأخرجته حافيا حاسرا في قميصه ومنديله، وكان عليه السلام قد جاوز السبعين فلمّا مضى بعض الطريق ضعف الشيخ، فرحمته فقلت له: اركب، فركب بغل شاكري كان معنا ثم صرنا إلى الربيع فسمعته وهو يقول له: ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل، وجعل يستحثه استحثاثا شديدا، فلما أن وقعت عين الربيع على جعفر بن محمد، وهو بتلك الحال بكى وكان الربيع يتشيع فقال له جعفر (عليه السلام): يا ربيع أنا أعلم ميلك إلينا، فدعني أصلي ركعتين، وأدعو، قال: شأنك وما تشاء فصلّى ركعتين خففهما ثم دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه إلا أنه دعاء طويل، والمنصور في ذلك كله يستحث الربيع، فلما فرغ من دعائه على طوله أخذ الربيع بذراعيه فأدخله على المنصور، فلما صار في صحن الإيوان وقف ثم حرك شفتيه بشئ ما لم أدر ما هو ثم أدخلته فوقف بين يديه.
فلما نظر إليه قال: وأنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وإفسادك على أهل هذا البيت من بني العباس، وما يزيدك الله بذلك إلا شدة حسد ونكد ما يبلغ به ما تقدره، فقال له: والله يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا من هذا ولقد كنت في ولاية بني أمية وأنت تعلم أنهم أعدى الخلق لنا ولكم، وأنهم لا حق لهم في هذا الأمر فوالله ما بغيت عليهم ولا بلغهم عني سوء مع جفاهم الذي كان بي، وكيف يا أمير المؤمنين أصنع الآن هذا وأنت ابن عمي، وأمس الخلق بي رحما، وأكثرهم عطاء وبرا فكيف أفعل هذا.
فأطرق المنصور ساعة، وكان على لبد وعن يساره مرفقة جرمقانية وتحت لبده سيف ذو فقار كان لا يفارقه إذا قعد في القبة قال: أبطلت وأثمت ثم رفع ثني الوسادة، فأخرج منها إضبارة كتب فرمى بها إليه وقال: هذه كتبك إلى أهل خراسان، تدعوهم إلى نقض بيعتي، وأن يبايعوك دوني، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا أستحل ذلك، ولا هو من مذهبي، وإني لممن يعتقد طاعتك على كل حال، وقد بلغت من السن ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته، فصيرني في بعض جيوشك حتى تأتيني الموت فهو مني قريب، فقال: لا ولا كرامة، ثم أطرق وضرب يده إلى السيف فسل منه مقدار شبر وأخذ بمقبضه فقلت: إنا لله، ذهب والله الرجل ثم رد السيف.
ثم قال: يا جعفر أما تستحيي مع هذه الشيبة ومع هذا النسب أن تنطق بالباطل وتشق عصا المسلمين، تريد أن تريق الدماء، وتطرح الفتنة بين الرعية والأولياء فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ما فعلت، ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خادمي فانتضى من السيف ذراعا فقلت: إنا لله، مضى الرجل، وجعلت في نفسي إن أمرني فيه بأمر أن أعصيه لأنني ظننت أنه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفرا، فقلت: إن أمرني ضربت المنصور، وإن أتى ذلك علي وعلى ولدي، وتبت إلى الله عز وجل مما كنت نويت فيه أولا.
فأقبل يعاتبه وجعفر يعتذر، ثم انتضى السيف إلا شيئا يسيرا منه فقلت: إنا لله مضى والله الرجل، ثم أغمد السيف وأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال: أظنّك صادقا، يا ربيع هات العيبة من موضع كانت فيه في القبه فأتيته بها، فقال: أدخل يدك فيها، فكانت مملوءة غالية، وضعها في لحيته، وكانت بيضاء، فاسودت وقال لي: أحمله على فاره من دوابي التي أركبها، وأعطه عشرة آلاف درهم وشيّعه إلى منزله مكرما وخيّره إذا أتيت به إلى المنزل بين المقام عندنا فنكرمه والانصراف إلى مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرجنا من عنده وأنا مسرور فرح بسلامة جعفر (عليه السلام)، ومتعجب مما أراد المنصور وما صار إليه من أمره.
فلما صرنا في الصحن، قلت له: يا ابن رسول الله إني لأعجب مما عمد إليه هذا في بابك وما أصارك الله إليه من كفايته ودفاعه ولا عجب من أمر الله عز وجل وقد سمعتك تدعو في عقيب الركعتين بدعاء لم أدرِ ما هو إلا أنه طويل، ورأيتك قد حركت شفتيك ههنا أعني الصحن بشيء لم أدرِ ما هو؟ فقال لي: أما الأول فدعاء الكرب والشدائد لم أدعِ به على أحد قبل يومئذ، جعلته عوضا من دعاء كثير أدعو به إذا قضيت صلاتي لأني لم أترك أن أدعو ما كنت أدعو به، وأما الذي حركت به شفتي فهو دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الأحزاب حدثني به أبي عن جده عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قال: لمّا كان يوم الأحزاب كانت المدينة كالإكليل من جنود المشركين، كانوا كما قال الله عز وجل ”إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا“ فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الدعاء وكان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يدعو به إذا حزبه أمر: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يُضام واغفر لي بقدرتك علي، رب لا أهلك وأنت الرجاء، اللهم أنت أعز وأكبر، مما أخاف وأحذر، بالله أستفتح، وبالله أستنجح، وبمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتوجه يا كافي إبراهيم نمرود، وموسى فرعون، اكفني مما أنا فيه الله ربي لا أشرك به شيئا حسبي الرب من المربوبين، حسبي الخالق من المخلوقين، حسبي المانع من الممنوعين حسبي من لم يزل حسبي مذ قط حسبي، الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
ثم قال: لولا الخوف من أمير المؤمنين لدفعت إليك هذا المال، ولكن قد كنت طلبت مني أرضي بالمدينة، وأعطيتني بها عشرة آلاف دينار، فلم أبعك وقد وهبتها لك، قلت: يا ابن رسول الله إنما رغبتي في الدعاء الأول والثاني، فإذا فعلت هذا فهو البر ولا حاجة لي الآن في الأرض فقال: إنا أهل البيت لا نرجع في معروفنا، نحن ننسخك الدعاء ونسلم إليك الأرض، صر معي إلى المنزل، فصرت معه كما تقدم المنصور وكتب لي بعهدة الأرض، وأملى علي دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأملى علي الذي دعا هو بعد الركعتين.
ثم ذكر في هذه الرواية الدعاء الذي قدمناه نحن في الرواية الأولى الذي أوله ”اللهم إني أسألك يا مدرك الهاربين، يا ملجأ الخائفين“ وهو في النسخة العتيقة نحو ست قوائم بالطالبي إلى آخره، ثم قال: وقوله: ”أنت ربي وأنت حسبي ونعم الوكيل والمعين“ قال: فقلت يا ابن رسول الله لقد كثر استحثاث المنصور واستعجاله إياي، وأنت تدعو بهذا الدعاء الطويل متمهلا كأنك لم تخشه، قال: فقال لي: نعم، قد كنت أدعو به بعد صلاة الفجر بدعاء لا بد منه، وأما الركعتان فهما صلاة الغداة خففتهما ودعوت بذلك الدعاء بعدهما فقلت له: أما خفت أبا جعفر؟ وقد أعدّ لك ما أعد؟ قال: خيفة الله دون خيفته، وكان الله عز وجل في صدري أعظم منه.
قال الربيع: كان في قلبي ما رأيت من المنصور ومن غضبه وحنقه على جعفر ومن الجلالة له في ساعة ما لم أظنه يكون في بشر، فلمّا وجدت منه خلوة وطيب نفس قلت: يا أمير المؤمنين رأيت منك عجبا قال: ما هو؟ قلت يا أمير المؤمنين رأيت غضبك على جعفر غضبا لم أرك غضبته على أحد قط، ولا على عبد الله بن الحسن ولا على غيره من كل الناس حتى بلغ بك الأمر أن تقتله بالسيف، وحتى أنك أخرجت من سيفك شبرا ثم أغمدته، ثم عاتبته ثم أخرجت منه ذراعا ثم عاتبته ثم أخرجته كله إلا شيئا يسيرا فلم أشك في قتلك له، ثم انجلى ذلك كله، فعاد رضى حتى أمرتني فسودت لحيته بالغالية التي لا يتغلف منها إلا أنت ولا يغلف منها ولدك المهدي، ولا من وليته عهدك، ولا عمومتك، وأجزته وحملته وأمرتني بتشييعه مكرّما.
فقال: ويحك يا ربيع ليس هو كما ينبغي أن تحدّث به، وستره أولى، ولا أحب أن يبلغ ولد فاطمة فيفتخرون ويتيهون بذلك علينا، حسبنا ما نحن فيه ولكن لا أكتمك شيئا، انظر من في الدار فنحّهم، قال فنحيت كل من في الدار ثم قال لي: ارجع ولا تبق أحدا ففعلت ثم قال لي: ليس إلا أنا وأنت، والله لئن سمعت ما ألقيته إليك من أحد لأقتلنّك وولدك وأهلك أجمعين، ولآخذن ما لك، قال قلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله، قال: يا ربيع قد كنت مصرا على قتل جعفر ولا أسمع له قولا ولا أقبل له عذرا، وكان أمره - وإن كان ممن لا يخرج بسيف - أغلظ عندي وأهم علي من أمر عبد الله بن الحسن، وقد كنت أعلم هذا منه ومن آبائه على عهد بني أمية، فلما هممت به في المرة الأولى تمثل لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا هو حائل بيني وبينه، باسط كفيه، حاسر عن ذراعيه، قد عبس وقطب في وجهي فصرفت وجهي عنه ثم هممت به في المرة الثانية وانتضيت من السيف أكثر مما انتضيت منه في المرة الأولى، فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قرب مني ودنا شديدا وهمّ بي أن لو فعلت لفعل، فأمسكت ثم تجاسرت وقلت: هذا بعض أفعال الرئي ثم انتضيت السيف في الثالثة فتمثل لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) باسط ذراعيه قد تشمّر وأحمر وعبس وقطّب حتى كاد أن يضع يده علي فخفت والله لو فعلت لفعل، وكان مني ما رأيت وهؤلاء من بني فاطمة (صلوات الله عليهم) لا يجهل حقهم إلا جاهل لا حظ له في الشريعة فإياك أن يسمع هذا منك أحد، قال محمد بن الربيع: فما حدثني به أبي حتى مات المنصور وما حدثت أنا به حتى مات المهدي وموسى وهارون، وقتل محمد“.
شكرا لحسن تواصلكم.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
25 رجب الأصب 1435 هجرية