سيدي،أنا جزائري مسلم سنّي مالكي بالوراثة و ليس بالإقتناع،أتابع عدة برامج تلفزيونية إسلامية و مسيحية ـ من بينها برامج قناتكم ـ لعلني أجد ضالتي و أهتدي إلى طريق الحق.من خلال تتبعي لمحاضراتكم ،وجدت أشياء غير منطقيةأريد أن أسألكم فيها.
1ـ قلتم في إحدى محاضراتكم بأن الإمام علي له وحي يوحي إليه، فلماذا لم ينبؤه وحيه بأن جماعة تآمرت عليه لقتله ،و بذلك يكون كشف أمرهم و تفادى مقتله؟
2ـ قلتم أن الإمام المهدي عندما يظهر، يعيد ترتيب القرآن حسب النزول و يؤوله حسب الاحاديث القدسية . لماذا لم يتم هذا خلال حياة الأئمة الإثنى عشر ،أم رغبة منهم لتضليل المسلمين ؟
3ـ قلتم أن القرآن الموجود بين أيدينا هو الموحى به من عند الله بدون زيادة و لا نقصان : اين ذهب المنسوخ منه لفضا ؟ اين بقية الحروف الستة ؟ اين الإختلافات مع بقية المصاحف التي أحرقها عثمان؟
4ـ لماذا لا تعترفون بالجميل لعثمان في جمعه للقرآن وتنقيته من الشوائب كونكم تعتمدون مصحفه؟
أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ج1: إنّ النبي وأهل بيته (عليهم الصلاة والسلام) يعلمون الغيب حيث قد أطلعهم الله تعالى عليه، وكما أنه سبحانه قد أطلعهم عليه، فإنه قد أمرهم بالاستجابة لما قضاه وقدّره عليهم فيه، وإلا لما كان هناك معنى لهذا الإطلاع لأن حدوث التغيير فيه لا يجعله حتما مقضيا. وليخبرونا عن إسماعيل النبي (صلى الله عليه) ألم يكن يعلم بأن الله قد أمر والده إبراهيم (صلى الله عليه) بذبحه، فلماذا استجاب له واستسلم؟ ألا يعد هذا انتحارا؟!
كلا بل هو تسليم لقضاء الله وقدره، وهنا مكمن العظمة وجلالة القدر والشأن، أن يعرف عليٌّ (صلى الله عليه) أن ابن ملجم (لعنه الله) عازم على قتله، وأن ذلك مما جعله الله تعالى حتما مقضيا، فيستجيب له ويستسلم. وهذه هي سيرة الأنبياء والأولياء عليهم الصلاة والسلام. وليتدبّروا وليرجعوا إلى مصادر التاريخ ليعرفوا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخبر أهل بيته بما يلقونه بعده، ومع ذا فإنهم أقبلوا على الموت غير مبالين إلا برضا الله سبحانه.
ج2: إنّ أمير المؤمنين ألّف القرآن كما أُنزل بعد استشهاد النبي (صلى الله عليه وآله) وجاء به إلى أبي بكر وعمر وجماعة من الناس فعرضه عليهم، فقالوا: لا حاجة لنا في قرآنك ولا فيك، عندنا من القرآن ما يكفينا.
وشاهد ذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته: ”أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب وابن عون، عن محمد قال: نُبِّئْتُ أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي، فقال: لا ولكنني آليت بيمين أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن، قال: فزعموا أنه كتبه على تنزيله، قال: محمد فلو أصيب ذلك الكتاب كان فيه علم. قال بن عون: فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه“ (المصدر: طبقات ابن سعد - الجزء 2 - الصفحة 338).
وقال السيوطي في ”تاريخ الخلفاء“: ”وأخرج ابن أبي داود، عن محمد بن سيرين، قال: لما توفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبطأ علي عن بيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا ولكن آليت أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن، فزعموا أنه كتبه على تنزيله، فقال: محمد لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم“. (المصدر: تاريخ الخلفاء - الجزء 1 - الصفحة 142).
وقال أيضا في ”إتقان القرآن في علوم القرآن“: ”قلت ورد من طريق آخر أخرجه ابن الضريس في فضائله، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا هوذة بن خليفة، حدثنا عون، عن محمد بن سيرين، عن عكرمة، قال: لمّا كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته، فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك، فأرسل إليه فقال: أكرهت بيعتي؟ قال: لا والله، قال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه، قال له أبو بكر: فإنك نعم ما رأيت، قال محمد: فقلت لعكرمة: ألّفه كما أنزل الأول فالأول، قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا“. وأخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه“ (المصدر: إتقان القرآن في علوم القرآن - الجزء 1 - الصفحة 161).
فالسؤال هنا: لِمَ لم يصبه محمد بن سيرين ولم يقدر عليه؟ ولم يعرفه عكرمة؟ الجواب: لأنه أُخفي لأن أبا بكر وعمر وجماعة من الناس قالوا: لا حاجة لنا في قرآنك ولا فيك، عندنا من القرآن ما يكفينا، فلم يقوَ كبار البكرية على ذكر ذلك لأن العامة لا تحتملها!
واعلم أننا لا نسلّم بالزيادات المروية مثل: ”... فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي، فقال: لا...“ وموقف أمير المؤمنين من أبي بكر وعمر هو ما قاله عمر في رواية رواها مسلم في صحيحه: ”... قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما نورث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق...“ (المصدر: صحيح مسلم - الجزء 5 - الصفحة 152).
هذا ما جاء في كتب المخالفين بعد مروره على ”مقص الرقيب“، أما ما جاء كاملا بدون بتر وحذف هو ما رواه سُليم بن قيس الهلالي في كتابه: ”فلما رآى (أمير المؤمنين عليه السلام) غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع. فبعث إليه علي (عليه السلام): إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه. فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله. فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته: يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله تعالى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلمني تأويلها. ثم قال لهم علي (عليه السلام): لئلا تقولوا غدا: «إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ». ثم قال لهم علي (عليه السلام): لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته. فقال عمر: ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه ثم دخل علي (عليه السلام) بيته. (المصدر: كتاب سليم بن قيس الهلالي - الصفحة 146).
ج3: لا نقول بنسخ التلاوة وهو نوع من أنواع ستر التحريف الموجود في كتب المخالفين، وكذلك القراءات السبعة. إن قراءة القرآن الكريم هي قراءة واحدة وهي القراءة المشهورة المروية عن حفص (الشيعي).
ج4: ليس له الفضل، بل كذبة أرادوا جعلها منقبة له، فصدقّها قومه.
شكرا لحسن تواصلكم.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
9 شعبان المعظّم 1435 هجرية