لقد رأيت كلام الشيخ ياسر في محاضراته وهو يتكلم بشأن ما ورد في تفسير الميزان وتفسيره لآية ( وإن إلى ربك المنتهى ) وكلامه حول كتاب نهاية الحكمة بشأن الاعتقاد بوحدة الوجود والموجود وقد سألت الباحثين و المحققين بشأن هذا الموضوع فقالوا :
ما ذكره العلامة الطباطبائي مبتنٍ على أصول فلسفية مأخوذة عن مدرسة الحكمة المتعالية لصدر الدين الشيرازي، وقد تطرق السيد في مواضع من تفسيره وسائر
كتبه إلى جملة من المسائل الفلسفية على ذوق اصحاب هذه المدرسة، ويمكن الجمع بين اقواله وما ورد في الاخبار جمعا عرفيا على اساس أن التفكر في الله لا يعني التفكر في الذات المتعالية بل بالوجود المنسوب إليها، ويرى السيد الطباطبائي تبعا لملا صدرا الشيرازي أن ذلك الوجود يقع في أقصى مراتب التشكيك الوجودي، وأما نفس حقيقة الذات فمن المحال معرفة كنهها، وحينئذ فالتفكر المشار إليه قد يراد منه التفكر في وجود الله تعالى الذي يصدق معه أن يقال فيه: أنه (تفكر في الله)،
ومن المعلوم أن الناس ليسوا سواء في إدراك هذه المعاني العميقة التي تطرق إليها ملا صدرا في الاسفار والسيد الطباطبائي في نهاية الحكمة، فليس كل الناس مستعدين استعدادا فطريا وعقليا لفهم وهضم هذه المسائل العويصة، والسيد الطباطبائي لا يرى بأساً من اقتحام هذا الميدان من قبل من له الأهلية للفهم والإدراك.وكون النهي إرشاديا هو أمر في غاية الوضوح إذ أن الذي يفكر في ذات الله لا يرتكب معصية ولكن يخشى عليه من الضلال والهلاك، كالمقتحم في البحر وهو ليس بسبّاح ماهر، فإنه لا إشكال شرعي من اقتحامه البحر، ولكن يخشى عليه من الغرق.
ويعتقد السيد الطباطبائي أن الوجود حقيقة واحدة مشككة وأن الوجود المنسوب إلى سائر ما خلق الله تعالى هو وجود رابط لا تذوت له من دون مدد مستمر من الخالق تبارك وتعالى، وهو ما يسمى بعقيدة وحدة الوجود والموجود في عين الكثرة، خلافا للمتصوفة الذين ذهبوا إلى وحدة الوجود والموجود في عين الوحدة،ـ واعتبروا أن المخلوقات جميعا شؤون لله عز وجل لا حقيقة لها وإنما هي وهم أو خيال، فنفوا بهذا القول الواقعية الخارجية... بينما لا يترتب على القول بوحدة الوجود والموجود في عين الكثرة نفي للواقعية الخارجية. وكفر القائل بوحدة الوجود والموجود في عين الوحدة محل اتفاق بين جمع من علماء مذهب أهل البيت عليهم السلام، ولكن لم يقل أحد من العلماء بكفر القائل بوحدة الوجود والموجود في عين الكثرة وهي عقيدة ملا صدرا وسائر اتباع مدرسته.وأما مضمون ما ورد في الرواية الشريفة عن الإمام الحسين صلوات الله عليه فهو الحق الذي يعلمه كل مؤمن من نفسه بخصوص خالقه تبارك وتعالى، وتعارض ظاهر الحديث مع قول العلامة الطباطبائي مسلّم ولكن قد يرتفع التعارض باعتبار اختلاف الوجود الموضوعي (الخارجي) الذي يشير إليه العلامة والوجود بالقياس إلى ما صيبه المؤمن بفكره وهو وجود ذهني. لأن الإمام يتحدث عما يصيبه الفكر من وجوده سبحانه وليس نفس وجوده، فلاحظ.
فما هو ردكم حول ما ذكر
ودمتم في رعاية الله
حسين عباس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الواضح أن هذا الكلام مجرد محاولة تأويلية لتصحيح قول المذكور بعد الاعتراف والتسليم بمعارضته لقول سيد الشهداء (عليه السلام) وما جاء عن الأئمة (عليهم السلام)، والتفكر في وجود الله تعالى هو تفكر في ذاته، لأن وجوده ذاته، فيشمله النهي والتحريم. والزعم أن النهي هنا إرشادي غير مسموع إلا من أمثال هؤلاء من المتفلسفة والعرفاء، فالحق أنه مولوي، وذلك واضح بأدنى تأمل من تكثّر الأحاديث في ذلك وتغليظ صيغ النهي.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من تفكّر في ذات الله ألحد»! (عيون الحكم لليثي الواسطي ص449)
وأما القول بأن لا أحد من الفقهاء ذهب إلى كفر القائلين بوحدة الوجود والموجود في عين الكثرة فهو غفلة، ولكم أن تراجعوا على سبيل المثال مصنفات الميرزا الأصفهاني (أعلى الله مقامه). ومهما كان فإن من المعلوم أنه قد يكون هناك اعتقاد كفري ما لكن لا يلزمه بالضرورة الحكم بالكفر على صاحبه حسب موازين الفقه، لأن الحكم بالكفر معلّق على إنكار الضروري، وعليه فحتى لو قلنا بأن القائلين بالوحدة في عين الكثرة ليسوا كفارا حكماً، إلا أنهم كفار موضوعاً، أي أنهم منحرفون في العقيدة، لأن الله تعالى يتنزّه عن اعتقادهم الفاسد وتصوراتهم المنحرفة، وهذا ما يذهب إليه الشيخ الحبيب.
قال السيد عبد الأعلى السبزواري (أعلى الله مقامه) في كلام له عن وحدة الوجود: «ومنها: الوحدة في عين الكثرة، أو وحدة الوجود وكثرة الموجود، ولا ريب في أنّ اللّه تبارك و تعالى منزّه عن هذه التصورات ولكن الظاهر عدم رجوعهما إلى إنكار الضروري. ومنها: الوحدة الواقعية الشخصية، بأن يكون اللّه تبارك وتعالى عين الكلّ، و الكلّ عينه تعالى. ولا ريب في أنّه إنكار للضروري». (مهذب الأحكام للسيد السبزواري ج1 ص388)
وعلى كل حال فإن الفلسفة التي تتدخل في العقيدة الدينية هي فلسفة باطلة ما جاء الإسلام إلا لإبطالها، والرجل المذكور هو من أهلها، فهو على كل حال من أهل الباطل.
قال شيخ الفقهاء والمجتهدين صاحب الجواهر أعلى الله مقامه: «ما بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلا لإبطال الفلسفة»! (مستدرك سفينة البحار للشيخ النمازي الشاهرودي قدس سره ج8 ص298)
شكرا لحسن التواصل.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
ليلة 28 ذي القعدة 1435 هجرية