بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد ...
مرسل الشعبي صحيح، هكذا يصحح الحمقى عن المخالفين أحاديثهم المروية من اللعين الملعون أبوبكر بن أبي قحافة وأن الزهراء ع رضيت عنه، فما الرد الدامغ من الناحية السندية والتصحيحية والحديثية، وما الذي ميز الشعبي هذا لكي يعتبر المخالفين مرسله صحيح ؟ وهل يوجد في كتب العامة ما يطعن في الشعبي ؟
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشعبي هو أبو عمر عامر بن شراحيل، والذي ميّزه عندهم هو شدة حبّه وولائه لأبي بكر وعمر (عليهما اللعنة) وشدّة بغضه وعدائه لأمير المؤمنين صلوات الله عليه! ففي شأن الطاغوتيْن قال الشعبي: ”حبّ أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة“! (سير أعلام النبلاء للذهبي ج4 ص310) أما في شأن مولى الموحدين (عليه السلام) فقال لأبي عمير البزاز: ”أما أن حبّه لا ينفعك وبغضه لا يضرّك“! (رجال الكشي ص59). وهذا كفر بما جاء به النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) حين قال: ”عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب“ وحين قال: ”من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني“ وحين قال: ”لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو ابن زنا“.. والكثير الكثير مما رواه محدّثو القوم في صحاحهم في هذا المعنى، وبه يثبت أن الشعبي هذا كافر ومنافق وابن زنا أيضا!
وقد كان (لعنة الله عليه) ناصبيا بلغ به النُّصب مبلغ أنه كان يحلف قائلا: ”لقد دخل علي حفرته وما حفظ القرآن“! (تفسير القرطبي ج1 ص158).
وكان ينتقص أصحاب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وخاصة الحارث الأعور الهمداني (رضوان الله تعالى عليه) حيث رماه بالكذب مع اتفاق الخاصة والعامة على صدقه ووثاقته وجلالته! وما ذلك إلا لأن الحارث كان متيما بحب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) كما هو معلوم.
قال القرطبي في تفسيره: ”الحارث رماه الشعبي بالكذب، وليس بشيء، ولم يبن من الحارث كذب، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله له على غيره، ومن هاهنا والله أعلم كذّبه الشعبي لأن الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر وإلى أنه أول من أسلم“! (تفسير القرطبي ج1 ص5).
وإذ كان الشعبي على هذه الحال من النصب فإنه كان جديرا عند بني أمية لأن يستعبدوه ويستخدموه، فولّوه القضاء في الكوفة بعدما تولّى مظالمها، وأرسلوه قبل ذلك إلى مصر للبيعة للوليد بن عبد الملك. فهو ممن كان يلحس قصاع الأمويين، وكل من يكون بهذه الصفة كيف لا تريد من المخالفين أن يجلّوه ويعتبروا مراسيله بمثابة الصحاح؟!
على أنه (عليه اللعنة) كان إلى جوار ذلك ماجنا يعشق الغلمان وغناءهم! فإذا اطلّع عليه أحد الناس؛ تأخذه العزة بالإثم فلا يستحي من أن يصف غلامه المغني بأوصاف الأنبياء الواردة في القرآن الحكيم!
ومن ذلك ما رواه أبو الفرج عن الحسن بن عمر الفقيمي قال: ”دخلت على الشعبي، فبينا أنا عنده في غرفته إذ سمعت صوت غناء! فقلت: أهذا في جوارك؟! فأشرف بي على منزله فإذا بغلام كأنه قمر وهو يتغنّى! قال إسحاق: وهذا الغناء لابن سريج (وقمير بدا ابن خمس وعشرين ... له قالت الفتاتان قوما) فقال لي الشعبي: أتعرف هذا؟ قلت: لا. فقال: هذا الذي أوتي الحكم صبيا! هذا ابن سريج“! (الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ج1 ص121).
وروى أيضا عن عمر بن أبي خليفة قال: ”كان الشعبي مع أبي في أعلى الدار فسمعنا تحتنا غناء حسنا! فقال له أبي: هل ترى شيئا؟ قال: لا. فنظرنا فإذا غلام حسن الوجه حديث السن يتغنّى (قالت عبيد تجرما ... في القول فعل المازح) فما سمعت غناء كان أحسن منه! فإذا هو ابن عائشة، فجعل الشعبي يتعجّب من غنائه ويقول: يؤتي الحكمة من يشاء“! (المصدر نفسه ج2 ص71).
وعلى أية حال فإنه على فرض اعتبار أن ما يرسله الشعبي صحيح فإنه يبقى رواية شاذة مخالفة للإجماع الثابت على أن الزهراء (صلوات الله عليها وروحي فداها) إنما استشهدت وهي غاضبة واجدة على أبي بكر عليه اللعنة، وليس عند القوم أعظم من البخاري وصحيحه، وقد نصّ البخاري على ذلك صراحة كما هو معلوم، فلا مناص من طرح رواية الشعبي الشاذة. على أن القول بأن ما يرسله الشعبي صحيح إنما هو منسوب إلى العجلي فحسب لا إلى كل علماء الرجال عندهم. (لاحظ معرفة الثقات للعجلي ج2 ص12 وفيه: مرسل الشعبي صحيح لا يكاد يرسل إلا صحيحا).
والمخالفون هذه الأيام إنما يتشبّثون بالقشة للنجاة من حقيقة ثبوت غضب الزهراء (صلوات الله عليها) على أبي بكر بن أبي قحافة لعنة الله عليه، حتى ولو كانت القشة رواية مرسلة شاذة، وحتى لو كان روايها يصحّح مراسيله رجالي واحد فحسب!
وفقكم الله لجوامع الخير في الدارين. والسلام.
21 من ربيع الآخر لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.