يقول الله تعالى:
1-وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا
ثم يقول:
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ
فالأولى يقول تعالى: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة
وفي الثانية يؤكد: أنكم لن تستطيعوا أن تعدلوا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ج1: بالنسبة للآية الأولى فتفسيرها: ”وقد كان تحت وصاية الرجل يتيمة فيأخذها طمعاً في مالها، فنهى الله عن ذلك بقوله «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ»، أي لا تعدلوا «فِي الْيَتَامَى»، أي لا تعملوا بالعدل في زواجهنّ فتظلموهنّ بإبقائها معلّقة تريدون بذلك أكل أموالهم بحجّة الزواج «فَانكِحُواْ» غيرهنّ من «مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء» فإنّ اليتيمة لعدم وجود كفيل لها معرّضة للظلم والحيف أما غيرها فليست كذلك، ثم بمناسبته حكم النكاح يمتد الكلام حول موضوع تعدّد الزوجات «مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ»، أي انكحوا اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة، والمراد تزويج ثلاثة وثلاثة - مثلاً - في وقت واحد، وذلك مثل باع القوم أمتعتهم بأهل البلد يُراد أنّ ذلك وقع في الجملة لا أن كل فرد فعل ذلك سواء في طرف البيع أو الشراء، ولا يخفى أن خوف عدم القسط لا يوجب حُرمة النكاح وضعاً بمعنى بطلانه إذا نكح بل النهي عنه تكليفاً، وهل هو حرام أو إرشاد فاحتمالان، كما لا يخفى أن جواز النكاح مثنى وثلاث ورباع لمن أمِن من نفسه وأنه يتمكن من أن يعدل فيما فرض الله لهنّ من الحقوق «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ» بينهنّ في ما فرض الله تعالى «فَوَاحِدَةً» وهذا من باب المثال وإلا فمن عَلِمَ أنه يتمكن أن يعدل بين إثنتين فله أن ينكح إثنتين لا أزيد وهكذا بالنسبة الى الثلاث، وهذه الآية لا تنافي قوله تعالى «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء» إذ المراد العدل في كل شيء حتى الميل القلبي «أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»، أي اقتصِروا على الإماء فإنهنّ لا تحتجن الى القسم ونحو من الحقوق الواجبة على الرجال في مقابل الحرائر، والمُلك نُسب الى اليمين لأن اليد هي الغالبة في العمل، واليمين من اليدين أكثر عملاً من اليسرى «ذَلِكَ» الزواج من الواحدة أو الإقتصار على ما ملكت اليمين «أَدْنَى» أقرب «أَلاَّ تَعُولُواْ»، أي لا تميلوا عن الحق ولا تجوروا“.
وأما الآية الثانية فتفسيرها: ”ثم ذكر سبحانه حكم تعدد الأزواج وأنه لا يمكن التسوية بينهنّ في الحب والوداد، فإذا كان الميل القلبي يميل كلياً الى جهة فاللازم حفظ العدالة بين الزوجات لئلا تبقى ببعضهنّ كالمعلّقة «وَلَن تَسْتَطِيعُواْ» أيها الرجال - أبداً - «أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء» عدالة في المودة والحب فإنه ليس بأيديكم، ولابد أن تكون بعض النساء أقرب الى قلوبكم من بعض «وَلَوْ حَرَصْتُمْ» في العدالة القلبية «فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ» إلى جانب إمرأة من زوجاتكم المتعددة «فَتَذَرُوهَا»، أي المرأة التي لا تميلون إليها «كَالْمُعَلَّقَةِ» التي علقت فلا هي مستريحة بالزوج ولا هي مستريحة بعدم الزوج فيتكون في عذاب وشقوة، وإذا لم يكن باستطاعتكم العدالة فباستطاعتكم عدم الميل الكلي، وقد روي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) أنه كان يقسّم بين نسائه ويقول : ”اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك“، وقد ورد أنه سُئل الصادق (عليه السلام) عن الجمع بين هذه الآية وبين وقوله «وإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة» فقال: ”أما قوله «فإن خفتم ألا تعدلوا» فإنه عني في النفقة وأما قوله «ولن تستطيعوا أن تعدلوا» فإنه عني في المودة فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة“، «وَإِن تُصْلِحُواْ» بالتسوية في القسمة والنفقة الواجبتين «وَتَتَّقُواْ» باجتناب المحرّمات وذلك بترك الميل الكلي الذي نهى الله عنه «فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا» يغفر ما صدر منكم من الذنوب «رَّحِيمًا» يرحمكم بلطفه ويسبغ عليكم فضله“.
فمن خلال مقارنة التفسير الأول بالثاني يتضح المعنى.
شكرا لحسن التواصل.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
2 رجب الأصب 1436 هجرية