بسم الله الرحمان الرحيم
سماحة الشيح الفاضل ياسر الحبيب حفظكم الباري عز وجل
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
المشهور أن الامامية فقط يؤمنون بوجود الإمام المنتظر عج و ولادته و غيبته و عصمته و يؤمنون بحتمية ظهوره في يوم من الأيام لكي يملئ الأرض عدلا بعدما أن ملئت جورا ويسعون أكثر من غيرهم إلى التمسك بدينهم و بمذهب أهل البيت عليهم السلام و الالتزام بتكليفهم الشرعي و أوامر المرجعية و هذا الطريق الذي اتبعوه صعب و شاق خاصة في هذا الزمن المليء بالفتن و المصاعب و هم بذلك يتعرضون للسخرية والاتهامات وحتى التكفير من بقية أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى و حتى أتباع الديانات الأخرى و نحن نعلم أته عند ظهور الإمام عج سوف يؤمن به العديد ممن كانوا غير موالين لأهل البيت ع و سؤالي هو هل في زمن الظهور تكون منزلة الشيعة مساوية لغيرهم ممن كان غير منتظر للإمام لكنه اتبعه عند ظهوره أما أننا سنكون في منزلة أرفع من البقية عند الإمام عج ؟
ماهو مصير الشيعة المذنبين و خاصة أصحاب الكبائر منهم عند الظهور و كيف سيكون تصرف الإمام عج معهم؟
هل صحيح أن ذنوبنا تؤخر في ظهور الإمام عج؟
هل لما يجري في العراق علاقة بالقضية المهدوية؟
ما مدى صحة الفكرة التي تشير إلى أن الإمام المهدي عج بحاجة إلى قرابة 300 مؤمن صادق عدد الذين شاركوا إلى جانب جده –ص- يوم بدر لكي يظهر و يشرع في القيام بالإصلاح؟
ماهي علامات الظهور الثابتة قطعا لدى سماحتكم ؟
هل يمكننا الجزم نتيجة لما يجري في العالم من كوارث و حروب و مجاعات وانتشار للفساد الأخلاقي و الظلم والجور في كل مكان تقريبا بأن ظهور صاحب العصر و الزمان عج قد اقترب جدا أو على الأقل أن ما مضى من غيبته أكثر بكثير مما بقي؟
و دمتم موفقين بإذن الله
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيدتنا الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، جعلنا الله وإياكم قريبا من الطالبين بثارها مع ولدها المنتقم لها صاحب العصر والزمان الإمام الحجة بن الحسن المهدي أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.
• إن منزلة الذين اتبعوا الإمام بقية الله (صلوات الله عليه) حال ظهوره فقط لا شك أنها أدنى من منزلة الذين آمنوا به في غيبته ثم اتبعوه في ظهوره، فإن هؤلاء صدّقوا بأمره ولم يروْه تسليما لما جاء من عند الله ورسوله وأوليائه عليهم السلام، بخلاف أولئك الذين لم يصدّقوا ولم يسلّموا وإنما آمنوا به واتبعوه فقط عندما ظهر وبانت آياته وحججه، غير أن في هؤلاء من قد يكون مقامه أرفع من مقام الذين آمنوا من قبل، كأن يغدو أكثر ولاءً وإخلاصا وفداء للإمام (عليه السلام) في ثورته العالمية مع أنه قبل ذلك لم يكن عدم إيمانه به عن جحود أو تكذيب أو تقصير وإنما عن جهل وقصور مثلا، وعليه تعرف القاعدة والاستثناء في المسألة.
• لعل المستفاد من بعض الآثار أن ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيجبّ ما قبله كما أن ظهور النبي (صلى الله عليه وآله) جبّ ما قبله، فيسقط ما كان قبل ذلك من حدود، أما ما بعده فلا ريب في أن حكومة الإمام ستجري حدود الله على ما يتعدّاها.
• إن كان قصدك من أن الذنوب تؤخر في عهد الإمام (عليه السلام) أن عقوبتها تؤخر إلى عالم الآخرة، فذلك هو شأن عامة الذنوب في عامة العهود، أما إن كان قصدك أن الذي يتعدى حدود الله لا تُجرى عليه العقوبة في عهد الإمام (عليه السلام) فإنّا لم نجد نصا في ذلك، بل على العكس منه جاء النص بأن حكومته (صلوات الله عليه) إنما تقوم لإقامة حدود الله، فلا يُعقل تركها.
• إن كل حدث من هذا القبيل له علاقة بالقضية المهدوية بنحو أو بآخر، فهو عبارة عن ابتلاءات إلهية للبشر ليتميّز المؤمن عن غيره، فإذا تحقق اجتماع غالب البشر على الإيمان والصبر والتسليم والرضى كان ذلك موجبا لنزول الرحمة الإلهية عليهم، وهذا يُسهم في التعجيل بفرج وظهور الإمام عليه السلام. أما تنزيل الروايات الخاصة بأحداث الفتن في العراق على ما يجري حاليا فيه فنحن لا نؤيده، لأن منهجنا هو في عدم الجزم بارتباط هذه الرواية بهذا الحدث لئلا يكون انكشاف الخطأ في ذلك موجبا للإحباط، والأحوط هو الترك والاكتفاء بالقول أنه قد يكون هناك انطباق على الأحداث الحالية في العراق أو لا، إلا أن بيدنا ما صدّرناه كقاعدة وهو أن كل حدث ابتلائي إذا أحسن البشر التصرّف فيه كان موجبا للتسريع والتعجيل بفرجه أرواحنا فداه، وهذا القدر يكفينا.
• نعم وردت الروايات التي مضمونها أن مهدي آل محمد (صلوات الله عليهم) إذا توفّر له أنصار بعدد عدّة بدر الذين هم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا فإنه يأذن الله تعالى له بالظهور ويبدأ بالنهوض، وهؤلاء الأنصار هم أكثر الناس إخلاصا للإمام (سلام الله عليه) ولذا فإنه سيجعلهم ولاته على الأرض وحملة ألويته. ومن تلك الروايات التي تتحدث عن هذا المضمون ما عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين صلوات الله وسلامه عليهما: ”..ثم يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها، فيقوم رجل منه فينادي: أيها الناس هذا طلبتكم قد جاءكم، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: فيقومون، ثم يقوم هو بنفسه، فيقول: أيها الناس أنا فلان بن فلان أنا ابن نبيّ الله، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبيّ الله صلى الله عليه وآله.
فيقومون إليه ليقتلوه، فيقوم ثلاثمئة أو ينيف ثلاثمأة فيمنعونه منه، خمسون من أهل الكوفة، وسائرهم من أفناء الناس لا يعرف بعضهم بعضا، اجتمعوا على غير ميعاد“. (البحار ج52 ص306).
ومنها ما عن الصادق عليه السلام: ”إن القائم يهبط من ثنية ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، حتى يسند ظهره إلى الحجر ويهز الراية الغالبة“. (البحار ج52 ص370).
ومنها أيضا ما عن الصادق عليه السلام: ”وكأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة، وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً عدّة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه“. (البحار ج52 ص326). وغير هذه الروايات كثير.
وهذا يتطلب منا إذا أردنا حقا أن يظهر إمامنا (أرواحنا فداه) أن نعدّ أنفسنا لأن نكون من أولئك الثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، وكذا على نسائنا أن يعددن أنفسهن لأن يكنّ من أولئك الخمسين امرأة اللاتي سينصرن الإمام (صلوات الله عليه) كما ورد في بعض الآثار. وإعداد النفس يكون بتطبيق تعاليم الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وتوطين الذات على التقوى والورع والجهاد والعمل الصالح إلى أن تغدو شخصية الواحد منا شخصية تتكامل فيها صفات المؤمن وعند ذلك يُرجى له أن يكون ممن يمهّد لقيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
• إن علامات الظهور الواردة في الروايات بعضها معرّض لوقوع البداء، بمعنى أن من الممكن أن لا يتحقق شيء منها ويظهر الإمام صلوات الله عليه، وبعضها لا يخضع للبداء فلا بد أن يتحقق، وهو ما عبّرت عنه الروايات بالمحتوم، وأقواها وأثبتها المحتومات الخمس وهي: خروج اليماني، وخروج السفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء.
• حتى مع هذه الحروب والكوارث لا يمكننا الجزم باقتراب ظهوره (صلوات الله عليه) ولا بأن ما مضى من غيبته أكثر مما بقي، فذلك هو التوقيت الذي نُهينا عنه، وإنما يجوز لنا أن نتأمل ذلك فحسب، على أن ما يشهده عالم اليوم من حروب وكوارث ليس بأعظم ولا أكثر مما شهده عالم الأمس، بل قد مرّت على الأرض في زمن الغيبة هذا كوارث أعظم مما نراه اليوم ومع ذلك لم تكن موجبة لظهور الإمام عليه السلام، لأن الكوارث ليست هي الشرط بل الشرط هو توافر العدّة. وقد سبق منا مرارا التنبيه على أنه لا ينبغي لنا أن نسلك هذا السبيل بالجزم والتسرّع، فنقع في المحظور ونتسبب في إحباط الناس إذا لم يتحقق شيء، وليست تلك وظيفتنا، وإنما وظيفتنا هي في إعداد النفس وإعداد المجتمع كما أسلفنا، وهذا ما يجب الاهتمام به فهو ما يسرّع ويعجّل بالظهور إن شاء الله تعالى.
والسلام.
12 من شهر جمادى الأولى لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.