السلام عليكم شيخنا
يدعي كمال الحيدري أن حديث الثقلين غير متواتر من طرقنا عندنا نحن الامامية التي نحن محجوجون بها.. وانه متواتر فقط عند المخالفين، ويدعي أيضًا أن الروايات المعتبرة لحديث الثقلين عندنا ثلاث روايات فقط لا أكثر .. ما رأيكم بهذا وما ردكم عليه؟
وأرجو من سماحتكم أن توضحوا لنا هل حديث الثقلين متواتر لفظيًا او معنويًا او اجماليًا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم بذكرى الهجوم الغادر على بيت السيدة الصديقة الزهراء صلوات الله عليها واستشهاد السبط المحسِّن الشهيد عليه السلام، ولعنة الله على قتلته.
بمراجعة الشيخ،
هذا البالون المنفوخ بما أخرجه الشيطان من ريح لا يزال يورِّط نفسه بما يُظهر جهله وسطحيته، ذلك أن حديث الثقلين متواتر عندنا أيضا، نصّ على ذلك علماؤنا، ومنهم أكثرهم خبرةً وإحاطةً بالأحاديث والأخبار، ألا وهو الحر العاملي رضوان الله تعالى عليه، إذ قال: «وقد تواتر بين العامة والخاصة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي؛ وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض». (وسائل الشيعة ج18 ص19)
وإن إطلالة يسيرة على مصادرنا المعتبرة كفيلة بتلمس هذا التواتر، إذ ورد فيها الحديث بطرق كثيرة متعددة وبأسناد صحيحة حسنة، ولقد جمع شيئاً منها المحدث الخبير السيد هاشم البحراني في كتابه (غاية المرام) فزادت على الثمانين. قال رضوان الله تعالى عليه في تبويبه: «الباب التاسع والعشرون في نص رسول الله صلى الله عليه وآله على وجوب التمسك بالثقلين من طريق الخاصة وفيه اثنان وثمانون حديثا» (غاية المرام ج2 ص321).
وهذا هو التواتر بعينه، بل هو من أعلى درجاته، وهو حجة بذاته، مع صرف النظر عن حال أسناد آحاده، فحتى لو كانت جميعها ضعيفة فإن تواتره كافٍ لامتناع تواطئ هؤلاء الرواة جميعاً على الكذب في العادة، فكيف لو كان في تلكم الأسناد ما هو صحيح ومعتبر؟
وما ادعاه البالون أنه لم يصح من الأحاديث إلا ثلاثة؛ اثنان منهما في الكافي والثالث في الخصال؛ غلط ينم عن قصر باعه في التتبع والإحاطة. فلقد ورد الحديث أيضا بسند صحيح عالٍ وهو ما أخرجه الصفار في بصائره؛ قال: «حدثنا محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن ذريح بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني تاركٌ فيكم الثقلين؛ كتاب الله و[عترتي] أهل بيتي، فنحن أهل بيته» (بصائر الدرجات ص414). وجميع مَن في سند هذا الحديث منصوص على وثاقتهم. كما قال أيضًا: «حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن هشام بن الحكم، عن سعد الإسكاف قال: سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن قول النبي صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين فتمسكوا بهما، فإنهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض. قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: لا يزال كتاب الله والدليل منا يدل عليه حتى يَرِدا عليَّ الحوض» (المصدر نفسه). ورجال سند هذا الحديث مذكورون بالوثاقة وصحة الحديث أيضا.
وورد الحديث بسند معتبر هو ما أخرجه الصدوق في معاني الأخبار؛ قال: «حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليه السلام قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول الرسول صلى الله عليه وآله: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي؛ من العترة؟ فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه» (معاني الأخبار ص90). وجميع مَن في سند هذا الحديث منصوص على وثاقتهم أو مُسَلَّمٌ بها، وقد نصَّ على صحته المحدث النوري في (خاتمة المستدرك ج5 ص77).
وورد أيضًا بسند معتبر هو ما أخرجه شيخ الطائفة الطوسي في أماليه؛ قال: «أخبرنا محمد بن محمد [وهو الشيخ المفيد] قال: حدثنا ابو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: حدثني أبي قال: حدثني سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب الزراد، عن أبي محمد الأنصاري، عن معاوية بن وهب قال: كنت جالساً عند جعفر بن محمد عليهما السلام إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال أبو عبد الله عليه السلام: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، يا شيخ ادن مني. فدنا منه فقبَّل يده فبكى. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: وما يبكيك يا شيخ؟ فقال له: يابن رسول الله؛ أنا مقيمٌ على رجاءٍ منكم منذ نحوٍ من مئة سنة، أقول: هذه السنة! وهذا الشهر! وهذا اليوم! ولا أراه فيكم! فتلومني أن أبكي؟! قال: فبكى أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: يا شيخ؛ أُخِّرَتْ منيّتك كنتَ معنا، وإنْ عُجِّلَتْ كنتَ يوم القيامة مع ثَقَلِ رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال الشيخ: ما أبالي ما فاتني بعد هذا يابن رسول الله. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إني تارك فيكم الثقلين ما إنْ تمسَّكْتُم بهما لن تضلوا؛ كتاب الله المنزل وعترتي أهل بيتي.. إلخ» (أمالي الطوسي ص161). وجميع مَن في سند هذا الحديث مذكورون بالوثاقة وفيهم الكبار الأجلاء.
هذا وفي طرق حديث الثقلين عندنا من الصحيح والحسن والموثق وما لا يقصر عنها في الاعتبار الشيء الكثير، وليس بعد كلام المعصوم عليه السلام كلام، وقد نطق بأن الحديث صحيح هو من أصحّ الأخبار؛ مجمع عليه، فلقد جاء في رسالة الإمام أبي الحسن الهادي عليه السلام الموجهة إلى أهل الأهواز: «وأصحُّ خبرٍ ما عُرف تحقيقه من الكتاب، مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال: إني مستخلف فيكم خليفتين؛ كتاب الله وعترتي، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. واللفظة الأخرى عنه في هذا المعنى بعينه، قوله صلى الله عليه وآله: إني تاركٌ فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا.. إلخ» (مستدرك الوسائل ج7 ص255).
وأما عن ماهية تواتر الحديث؛ فإنه متواتر لفظيًا ومعنويًا.
وفقكم الله لمراضيه
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
2 ربيع الأول 1439 هجرية