السلام عليكم شيخنا
اتمنى منك أن تعطيني رأي سماحتكم في هذا الامر
اعتمد الأخباريون في تصحيح جميع ما في الكتب الأربعة على شهادات مؤلفيها، فالشيخ الكليني في مقدمة الكافي والصدوق في مقدمة الفقيه وكذا الشيخ في مقدمة التهذيبين، كلهم قالوا إن جميع ما ينقلونه في كتبهم صحيح، ولا ينقلون الا الصحيح.
فرد الأصوليون أن تصحيحهم حدسي اجتهادي، ولذا فهو حجة عليهم لا علينا، وبالتالي صار الطريق إلى الحكم على الكتب الأربعة مشروط بالأسانيد (إضافةً لبقية القرائن التي يراها بعضهم كنظرية الجبر والكسر - أصحاب الإجماع - تصحيح مراسيل الثلاثة.. الخ مما يخالفه المحقق الخوئي في الجملة)
وهنا إشكال الأخباريين ومضمونه: إذا كنتم لا تقبلون شهادات الاعلام في تصحيح الروايات، وتقولون إنها حدسية، فكيف صح لكم أن تعتبروا شهاداتهم أنفسهم في الرجال شهادات حسية؟ فالأمر نفسه..الفاصلة بين النجاشي والشيخ وبين أصحاب أمير المؤمنين أو الباقر والصادق - عليهم السلام - قرون من الزمن.. فكيف اعتبرتموها حسية؟
وإذا اعتبرتموها حسية فلم لا تعتبرون شهادات الكليني والصدوق والشيخ حسية في تصحيح كل روايات الكافي والفقيه والتهذيبين؟
شيخنا بصفتكم أصوليين لا تقبلون القول برفض علم الرجال ولا تقبلون القول بصحة كل ما في الكتب الأربعة.. ما هو ردكم على هذا الإشكال؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ،
ذلك لوجود فروقات بين المقامين، منها أن الحكم على حال الرجل من حيث العدالة وعدمها والوثاقة وعدمها هو أمرٌ بسيط أقرب إلى أن يكون حسيا منه إلى أن يكون حدسيا، بخلاف الحكم على حال الرواية فإنه أمرٌ مركب من مباني واجتهادات فيكون حدسيا. نعم؛ لو اطمُئِنَّ إلى كونه راجعًا إلى ما يقوم مقام الحس أمكن حينئذ قبوله، كما هو مثلاً قول بعضٍ في حكم ابن قولويه على روايات كامل الزيارات بالصحة إذ هو راجع إلى حكمه على مشايخه بالوثاقة. وكذا لو اطمُئِنَّ إلى كون الحكم على حال الرجل راجعًا إلى الحدس الصرف لا الذي هو بمنزلة الحس فإنه لا يتحتم قبوله، كما في قولهم مثلا: «كان ضعيفًا مرتفع القول أو مخلّطا» فإن هذا التضعيف راجع في الحقيقة إلى طبيعة ما يرويه الرجل من روايات لا إلى الخدش في وثاقته وصدق لهجته.
فالحاصل؛ أن ما يكون أقرب إلى الحس حجة، بخلاف ما يكون أقرب إلى الحدس. وشهادات الأعلام في الجرح والتعديل إنما هي من النوع الأول إلا ما خرج بالدليل أو بالقرينة، فيما شهاداتهم بصحة أخبارهم إنما هي من النوع الآخر إلا ما خرج بالدليل أو بالقرينة. والفاصلة الزمنية بين الشاهد والمشهود عليه لا تضر بالأقربية إلى الحس لبساطة الحكم كما تقدّم، وهو ما يكشف لا محالة عن أنه حكم مشتهر متناقل عمن سلف إلى زمان معاصرة المشهود عليه، فيكون بمنزلة الحس.
وفقكم الله لمراضيه
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
1 ربيع الآخر 1439 هجرية