السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انا تناقشت مع أحد البكريين وقلت له أن السكينة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في أية الغار ولم تنزل على أبي بكر لأن الله تعالى قال فأنزل الله سكينته عليه ولم يقل عليهما
فقال لي أن السكينة تشمل الأثنين وهذا مثل قوله تعالى
( " فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ( 36 ) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 37 ) " البقرة )
فالله تاب على آدم و حواء و لكنه هنا
ذكر آدم للدلالة على الإثنين .
إذن عندما قال تاب عليه يشمل آدم وحواء
وكذلك عندما قال فأنزل الله سكينته عليه يشمل رسول الله وأبي بكر
فما هو ردكم عليه في هذه النقطة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نبارك لكم ذكرى ميلاد الإمام الهادي عليه السلام وكل عام وأنتم بخير.
بمراجعة الشيخ أفاد بأن الفرار من ثبوت حرمان الطاغية الأول أبي بكر من السكينة في كتاب الله بمثل هذا القياس الفاسد محكوم بالفشل، وذلك للأسباب التالية:
أولا؛ إن الدليل دلّ من خارج القرآن على توبة الله على حواء عليها السلام، وإلا لما كان لأحد أن يجزم بتوبتها ودخولها في توبة آدم عليه السلام المذكورة في الآية إذ إنها - أي الآية - ساكتة عن ذلك. فهل أن ثمة دليلا من خارج القرآن على أن السكينة قد نزلت على أبي بكر أيضا حتى يسوغ بوجه من الوجوه ادعاء دخوله في سكينة النبي صلى الله عليه وآله المذكورة في الآية؟!
ثانيا؛ إن اقتصار الآية على ذكر التوبة على آدم عليه السلام إنما جاء لاختصاصه بتلقي الكلمات من ربه حيث تاب عليه بسببهن، ولذا جاءت فاء السببية في الآية في قوله سبحانه: «فَتَابَ عَلَيْهِ» (البقرة: 38). قال القرطبي: «إن آدم عليه السلام لما خوطب في أوَّل القصة بقوله: (ٱسْكُن) خصّه بالذكر في التلقي؛ فلذلك كملت القصة بذكره وحده» (تفسير القرطبي ج1 ص325). ولم يجرِ هنا ذكرٌ لتوبة حواء لأنها لم تتلقَّ كلمات من ربّها ولم تشترك مع آدم في هذا السبب المستنزل للتوبة، بل إنها لم يجرِ لها ذكرٌ أصلا. قال ابن الجوزي: «وإنما لم تُذكر حواء في التوبة، لأنه لم يجرِ لها ذكر» (تفسير ابن الجوزي ج1 ص58). فهل أن آية الغار لم تذكر أبا بكر أم أنها ذكرته بعنوان الصاحب ومع ذلك أخرجته من استحقاق السكينة؟! هذا مع أنه يُفترَض أن يكون مشتركا مع النبي صلى الله عليه وآله في السبب الداعي لنزولها عليهما إذ كانا معًا ملاحَقَيْن من الكفار، وهو بعدُ أحوجُ إليها منه صلى الله عليه وآله إذ أثبتت الآية حزنه أي خوفه واضطرابه، إلا أن نفاقه حال دون نزول هذه السكينة عليه. وأنت ترى أن المواقف الأخرى المشابهة؛ لم يقتصر نزول السكينة فيها على الرسول صلى الله عليه وآله وحده؛ بل اشترك فيها معه المؤمنون لاشتراكهم معه في السبب الداعي أو الاحتياج، وذلك قول الله تعالى في حنين: «ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ» (التوبة: 26)، وقوله سبحانه في الحديبية: «إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» (الفتح: 27).
ثالثا؛ إن مما استوجه به أهل الخلاف قصر ذكر التوبة على آدم عليه السلام أمور؛ منها: «إذا كان معنى فعل الإثنين واحدًا جاز أن يُذكر أحدهما ويكون المعنى لهما» (تفسير ابن الجوزي ج1 ص58)، وهذا ينطبق على حال آدم وحواء عليهما السلام إذ أثبت القرآن اشتراكهما في الفعل الواحد في قوله: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ» (البقرة: 37) وفي قوله: «فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ (...) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا» (الأعراف: 23 - 24) وفي قوله: «فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ» (طه: 122). ولكن هذا الوجه لا ينطبق على حال النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر لعنه الله، لأن القرآن أثبت تخالفهما في الفعل إذ حزن أبو بكر ونهاه النبي صلى الله عليه وآله عن حزنه.
ومنها: «لأن المرأة حُرمة ومستورة فأراد الله السّتر لها؛ ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله: (وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ)» (تفسير القرطبي ج1 ص325) و«اكتُفي بذكر توبة آدم لأن حواء كانت تبعًا له، وقد طُوي ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك» (تفسير النسفي ج1 ص39). وهذا بطبيعة الحال لا ينطبق على حال أبي بكر إذ ليس هو «حرمة مستورة» ليُستَر عليها ولا سيما في غير مقام المعصية! والمفترَض أن لا يُطوى ذكره - على تقدير كونه مؤمنًا - بعد إذ ذُكِر في الآية نفسها. ولو كانت التبعية في السكينة طاويةً لذِكْر التابع لاضطرد ذلك في أكثر الكتاب والسنة كما اضطرد طي ذكر النساء في أكثرهما كما قاله النسفي وغيره، ولكن الأمر على العكس؛ فحيثما وجدنا السكينة لم نجد طيًّا لذكر من يستحقها من المؤمنين التابعين إلا في آية الغار، وهو ما يجعل رفع اليد عن كون المطويِّ ذكرُه مؤمناً أولى وأقصَد.
وأيًّا كان فإن كل هذه التوجيهات إنما كان باعثها قيام الضرورة بدليل الإجماع من خارج القرآن على أن حواء عليها السلام مشمولة بالتوبة، فاجتهد كلٌّ في تفسير علة اقتصار ذكر آدم عليه السلام في الآية، وإلا لو لم يكن إجماع ولا دليل لما كان للقول بتوبة حواء من سند إلا الظن. وقياس اقتصار ذكر النبي صلى الله عليه وآله بنزول السكينة عليه في آية الغار على ذلك هو قياس باطل للفارق، إذ ما من دليل من خارج القرآن - فضلا عن إجماع - على أن أبا بكر مشمول بالسكينة حتى يُضطر إلى هذه التوجيهات والتمحلات لتفسير حرمانه منها في لفظ الآية، فالأمر واضح، وهو أن الرجل لنفاقه لم يكن مستأهلا للسكينة التي خُصَّ بها النبي صلى الله عليه وآله وحده.
وفقكم الله لمراضيه
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
2 رجب الأصب 1439 هجرية