السلام عليكم ورحمه الله وبركاته سماحه الشيخ عندي سؤال في بعض الروايات نبقى في زياره سيدتنا فاطمه الزهراء صلوات الله عليها وعلى آلها امتحنك الذي خلقك قبل ان يخلقك فكيف ذلك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام، ولعنة الله على قتلتهم وأعدائهم أجمعين.
تطرق الشيخ الحبيب إلى هذه المسألة في مقالٍ بعنوان (الزهراء التي نطهر بولايتها!)، حيث قال سماحته:
هذه الزيارة يرويها الشيخ الطوسي (قدس سره) في التهذيب عن الإمام محمد الجواد (صلوات الله وسلامه عليه)، وهذا نصها:
”عن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن محمد العريضي قال: حدثني أبو جعفر (عليه السلام) ذات يوم، قال: إذا صرت إلى قبر جدتك فقل: يا ممتحنَة! امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك به صابرة، وزعمنا أنّا لك أولياء ومصدّقون وصابرون لكل ما أتانا به أبوك صلى الله عليه وآله وأتانا به وصيه عليه السلام، فإنّا نسألك إن كنا صدّقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشر أنفسنا بأنا قد طَهُرنا بولايتك“! (التهذيب ج6 ص10).
الله أكبر!
هلاّ استطاع أحد أن يفسّر لنا هذه الكلمات العظيمة بشكل تام؟ وهل بمقدور أحد أن يدّعي معرفته بالمعاني والمقاصد التي انطوت عليه هذه الكلمات النورانية؟ بالطبع لا أحد يستطيع.. فكل ما باليد ليس سوى أن نحاول الالتفات إلى بعض المعاني على وجه الملاحظة.
أول ما نلاحظه في هذه الزيارة أنها جاءت بشكل مختلف كليا عن مجمل زيارات المعصومين الأخرى، إلى درجة أنها لم تبدأ حتى بالسلام، ولم يرد ذكر السلام فيها إطلاقا! وأول كلمة نجدها تفاجئنا في النص هي: ”يا ممتحنَة..“!
إنه خطاب ذو لهجة مغايرة لا يترك لك مجالا إلا أن تهتز من الأعماق! وبعبارة أخرى؛ فإنك في سائر زيارات المعصومين (عليهم السلام) تجد نفسك ساكنة هادئة إلى مستوى معقول، لأن طبيعة الخطاب الذي توجهه لإمامك يساعد على ذلك. فعلى سبيل المثال: معظم بل كل زيارات المعصومين يتكرر فيها إلقاء السلام خصوصا في العبارات الأولى ”السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله.. السلام عليك يا وارث نوح نبي الله.. السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله..“.
هذا التكرار يساعد على تحقيق مستوى من الاستقرار النفسي، أما في زيارة الزهراء (صلوات الله عليها) فإن نفسك لا تكون مستقرة! بل تشعر بهزات من الأعماق، لأنك أول ما تبدأ به في خطابك تجاه مولاتك هو قولك لها: ”يا ممتحنَة..“! وهنا يزلزلك الخطاب ويوقد فيك نار الاضطراب! فيستثير فيك عظمة الامتحان الذي تعرّضت له الزهراء (صلوات الله عليها) حتى طغى ذلك على صفتها، لتكون أول كلمة توجهها لها: ”يا ممتحنَة..“ فورا ومن دون أية مقدّمات!
ولن تترك لك تتمة العبارة الأولى مجالا للهدوء! لأنك إذا جعلت تفسيرك الذهني لتلك الكلمة أنها تعرّضت لتلك البلايا والمصائب في دار الدنيا وكان ذلك امتحانا واختبارا إلهيا لها؛ فإنك بمجرد أن تواصل الخطاب فسيتلاشى عندك هذا التفسير وتراه أصغر من أن تقتنع به! لأنك ستقول: ”يا ممتحنة! امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك..“!!
فأين سيطوف بك خيالك لتفسير هذه العبارة؟ وأين يسعك أن تعثر على إجابة وافية لها؟
كيف يمتحنها الله قبل أن يخلقها؟ هل كان ذلك في عالم الأنوار مثلا عندما خلق الله أهل البيت ولا أحد سواهم بعد؟ أم في عالم الذر حيث أشهد الله تعالى بني آدم على أنفسهم قائلا: ”ألست بربكم قالوا بلى..“؟ أم في أي عالم؟!
وما هي طبيعة الامتحان الذي امتحنها به الله تعالى قبل أن يخلقها؟! هل أن مصائب الزهراء (صلوات الله عليها) في دار الدنيا وما تعرّضت له من الجور على يدي أهل السقيفة ليس هو الاختبار الوحيد وهنالك اختبارات قبله.. وربما بعده؟!
أم هل نفسّر النص على أن معنى الامتحان الإلهي – قبل الخلقة – إنما يعني أن الله تعالى بعلمه الإحاطي المسبق علم أن الزهراء ستنجح في الامتحان الذي سيعرّضها إليه، فجاء النص على هذا النحو؟
يمضي بك النص لتزداد عندك التساؤلات وليدور فكرك في دائرة الحيرة، وفي غمرة هذه التساؤلات تنقدح في ذهنك شرارة تساؤل صعب كبير: مهلا! كيف يكون امتحان في غير دار الدنيا أصلا؟! أليست الدنيا دار الامتحان فقط؟! هل أن الزهراء تعرّضت لامتحان استثنائي قبل ذلك.. امتحان من نوع خاص؟!
ينبئك النص بأن الله تعالى وجد الزهراء صابرة لما امتحنها به قبل أن يخلقها! فلا تجد نفسك إلا عاجزا عن التفسير وإيجاد المعنى الحقيقي لما تقوله بنفسك أثناء زيارتها!".
لقراءة المقال كاملاً:
http://al-qatrah.net/al69
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
22 محرم الحرام 1439 هجرية