بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين وإلعن أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ الفاضل ياسر الحبيب حفظه الله تعالى وحشره مع محمد وآله الطيبين الطاهرين ،
لدينا أسئلة عن بعض الموارد التاريخية وما سيحدث في آخر الزمان من أخبار الدجال.
هل هناك ذكر معتبر للدجال في المصادر الشيعية ، وهل هو حقيقة أم خرافة حيث أنهم ينسبون الاعجاز إليه كإحياء الموتى وما شابه وهو يستحيل أن يكون على يد الكافر، وهل التواتر الذي يدعيه المخالفين له أثر لدينا؟
وقاكم الله من كل سوء ووفقكم لما كل الخير والصلاح بجاه محمد وآله الطاهرين
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد مولانا الإمام باب الحوائج أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله وسلامه عليهما. جعلنا الله وإياكم ممن يطلب بثأره قريبا مع ولده المنتظر صاحب العصر والزمان أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.
نعم له ذكر عن طرقنا إلا أنه ليس بتلك التفاصيل الأسطورية التي ذكروها عنه، والتي هي إسرائيليات أخذوها من أبي هريرة وعمر بن الخطاب عن كعب الأحبار وتميم الداري. وغاية ما عندنا فيه أنه من أئمة الضلالة يخرج بعد قيام دولة إمامنا صاحب العصر صلوات الله عليه، فيجتمع حوله النواصب ويؤمنون به فيكونون بإيمانهم هذا بمنزلة اليهود، فيقاتله الإمام (صلوات الله عليه) وينتصر عليه ويقتله مطهرا الأرض منه ومن أتباعه. هذا فحسب، أما أنه قد وُلد وهو حي يعيش في جزيرة من جزائر اليمن مكبلا بالقيود وعندما يظهر يتمكن من خوارق من قبيل أنه يحيى الموتى ويجعل السماء تمطر ويشق الشمس نصفين ومعه جنة ونار تسيران معه.. وما إلى ذلك من خزعبلات، فلا!
ومما رُوي في شأنه عن طرقنا، ما رواه شيخنا الطوسي عن رافع مولى أبي ذر قال: ”رأيت أبا ذر رحمه الله آخذا بحلقة باب الكعبة مستقبل الناس بوجهه وهو يقول: من عرفني فأنا جندب الغفاري ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من قاتلني في الأولى وقاتل أهل بيتي في الثانية حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال، إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك“. (أمالي الشيخ ج1 ص59).
وروى البرقي عن الصادق عليه السلام قال: ”قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديا. قيل: يا رسول الله وإن شهد الشهادتين؟ قال صلى الله عليه وآله: نعم، إنما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه أو يؤدي الجزية وهو صاغر، ثم قال: من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديا. قيل: وكيف يا رسول الله؟ قال: إن أدرك الدجال آمن به“. (محاسن البرقي ص90).
وروى الصدوق عن الصادق (عليه السلام) في حديث: ”إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق.. آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ويطهر الأرض من كل جور وظلم“. (كمال الدين ج2 ص335).
نعم قد يكون الدجال ساحرا مشعوذا، إلا أنه لا يملك تلك الخوارق التي زعمها له المخالفون.
إنما الطريف أن عمر بن الخطاب (عليه اللعنة) كان يعتقد برجل في المدينة اسمه عبد الله بن صياد أو صائد أنه هو الدجال الموعود! وكان هو وابنه عبد الله وابنته حفصة قاطعون بذلك حتى أن عمر كان يحلف عليه وتبعه على ذلك بزعمهم جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليه! وزعموا أن هذا الحلف قد وقع بمحضر النبي (صلى الله عليه وآله) فلم ينكره وهو ما يعد دليلا على صواب اعتقاد عمر! إلا أنهم تورطوا في أحاديث أخرى صحّت عن النبي (صلى الله عليه وآله) من طرقهم تناقض ذلك! والضحية في كل هذا الهراء كان ذلك الرجل المسكين!
فقد روى البخاري عن محمد بن المنكدر قال: ”رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصائد الدجال، قلت: تحلف بالله؟! قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي“! (صحيح البخاري ج9 ص133).
وروى مسلم عن نافع قال: ”لقي ابن عمر ابن الصائد في بعض طرق المدينة فقال له قولا أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة! فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له: رحمك الله.. ما أردت من ابن الصائد؟! أما علمت أن رسول الله قال: إنما يخرج من غضبة يغضبها“ (صحيح مسلم ج4 ص224) وفي مصنف عبد الرزاق قالت له: ”اجتنب هذا الرجل فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها“! (مصنف عبد الرزاق ج11 ص386).
ولا ندري كيف يكون ابن الصياد هو الدجال مع أنه مسلم شارك في الفتوحات إلى أن مات على الإسلام! ولطالما كان يشتكي من الوضع المحرج والعزلة الاجتماعية التي سبّبها له عمر، حتى بدأ الرجل المسكين يهمّ بالانتحار ليستريح! فقد روى أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري قال: ”أقبلنا في جيش من المدينة قبل هذا المشرق فكان في الجيش عبد الله بن صياد، وكان لا يسايره أحد ولا يرافقه ولا يؤاكله ولا يشاربه! ويسمّونه الدجال! فبينا أنا ذات يوم نازل في منزل لي إذ رآني عبد الله بن صياد جالسا فجاء حتى جلس إليَّ، فقال: يا أبا سعيد.. ألا ترى إلى ما يصنع الناس؟ لا يسايرني أحد ولا يرافقني أحد ولا يشاربني أحد ولا يؤاكلني أحد! ويدعوني الدجال! وقد علمت أنت يا أبا سعيد أن رسول الله قال: إن الدجال لا يدخل المدينة، وإني وُلدت بالمدينة! وقد سمعتَ رسول الله يقول: إن الدجال لا يولد له، وقد وُلِد لي! فوالله لقد هممت مما يصنع بي هؤلاء الناس أن آخذ حبلا فأخلوا فأجعله في عنقي فأختنق فأستريح من هؤلاء الناس! والله ما أنا بالدجال“! (مسند أحمد ج3 ص79).
والورطة تظهر لك من كلام علمائهم في هذه المسألة، إذ قال ابن تيمية لعنه الله: ”وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية مثل حال عبد الله بن صياد الذي ظهر في زمن النبي وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي في أمره حتى تبيّن له في ما بعد أنه ليس هو الدجال! لكنه كان من جنس الكهان“! (مجموع فتاوى ابن تيمية ج11 ص283). وعلى هذا فإن نبي الله (صلى الله عليه وآله) كان شاكا مترددا في شأن عبد الله بن صياد وهو يظن أنه الدجال إلى أن تبيّن أنه ليس هو الدجال وإنما هو مجرد كاهن! ولا يخفى عليك ما في هذا القول من الوهن والسخف لمجرد تبرير ”ظن بعض الصحابة“ الذي هو عمر لا غير! فحتى يجعلوا ظنا معتبرا أدخلوا معه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في دائرة الظن! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والأعجب أنه كيف يصحّ ما زعمه الناصبي ابن تيمية من أن ابن صياد كان من جنس الكهان؟! أين ظهرت كهانته أو فتنته والرجل مجرد واحد من المسلمين وقد شارك في فتوحاتهم ومات على الإسلام ولم تظهر منه فتنة ولا كهانة ولا أدنى تأثير سلبي على عقيدة المسلمين أو حياتهم؟!
مع هذا فإنهم حتى يصححوا ما ظنه إمامهم عمر أضافوا إلى الرواية المتقدمة عن أبي سعيد في بعض مصادرهم أن ابن الصائد قال له: ”والله إني لأعرفه وأعرف والده وأين هو الساعة من الأرض! فقال له أبو سعيد: تبا لك سائر اليوم“! أي أن ابن الصائد كان يزعم أنه يعرف من هو الدجال حقا، فيكون كمن يقصد نفسه!
وقد اعترف ابن الأثير في أسد الغابة بأن ابن الصائد ليس هو الدجال، فقال في ترجمته: ”قلت: الذي صح عندنا أنه ليس الدجال، لما ذكره في هذا الحديث، ولأنه توفي بالمدينة مسلماً، ولحديث تميم الداوي في الدجال وغيره من أشراط الساعة، فإن كان إسلام بن صياد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فله صحبة، لنه رآه وخاطبه، وإن كان أسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا صحبة له. والأصح أنه أسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لن جماعة من الصحابة منهم عمر وغيره يظنونه الدجال، فلو أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لانتفى هذا الظن، والله أعلم“.
والأطرف أن ابن الصياد هذا قد وُلد له ولد هو عند القوم من أئمة المحدثين الثقات ومن خيار المسلمين! وهو عمارة بن عبد الله بن صياد الذي كان إمام المالكية مالك بن أنس يعتبره أفضل الناس! فقد قال فيه محمد بن سعد: ”كان ثقة قليل الحديث، وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه في الفضل أحدا.. وقد أسلم عبد الله بن صياد وحج وغزا وأقام بالمدينة، ومات عمارة في خلافة مروان بن محمد“. (تهذيب الكمال ج21 ص249).
وقال ابن الأثير في ترجمة عبد الله بن صياد: ”أورده ابن شاهين وقال: هو ابن صائد، كان أبوه من اليهود، لا يدري ممن هو? وهو الذي يقول بعض الناس: إنه الدجال. ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعور مختوناً، من ولده: عمارة بن عبد الله بن صياد، من خيار المسلمين، من أصحاب سعيد بن المسيب. روى عنه مالك وغيره“! (أسد الغابة ج3 ص187).
فاعجب من قوم يكون أحد أئمتهم ابن دجال مفترض التزاما بقول عمر!
وفقكم الله لما يحب ويرضى في الدارين. والسلام.
26 من شهر رجب الأصب لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.