السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عظم الله اجركم باستشهاد خير خلق الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم
تدور احيانا نقاشات بيني وبين السنة وهم يشكلون علينا في احياءنا لمصابهم ف سالني احدهم عن سؤال لم اعرف جوابه
هل كان رسول الله يحيي مصاب الرسل قبله؟ او هل احيى احد من اصحابه مصاب رسول الله؟
واقول فعلا لقد عاش امير المؤمنين الامام علي عليه السلام سنوات بعد رسول الله ف هل كان يحيي مصابه مع الحسن والحسين عليهم السلام؟
هل مانقوم به لا اساس له؟ وهو بدعة واذا لم يكن كذلك كيف اقنع شخصا سنيا بذلك
وهل لطمت الزهراء عليها السلام على رسول الله بالرغم من وصيته لها؟
لقد بحثت كثيرا عن مشروعية اللطم واشعر ان القول ان النهي عنه امر مؤقت بقول (اذا انا مت) مع ان رسول الله اوصى فاطمة الزهراء عليها السلام ومع ان الامام الحسين عليه السلام اوصى زينب عليها السلام الا اننا نفسر الامر على ان النهي مؤقت كيف ذلك!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد السبط المحسِّن الشهيد عليه السلام ولعنة الله على قاتليه.
لا شك أن هذا الإشكال لا يصدر إلا عن جاهل بما يعتقده الشيعة فلم يأمر الله ولا رسوله بإحياء ذكريات ومناسبات الأنبياء والمرسلين عليهم السلام عدا نبينا صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام وبذلك ورد الحديث الشريف في وصف الشيعة: {يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا} (الخصال للصدوق ص٦٣٥).
أما إحياء أمير المؤمنين عليه السلام لشهادة أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقتصر على يوم شهادته بل كان طيلة عمره الشريف في أشبه ما يكون بالعزاء لفقده! فإنه صلوات الله عليه كان يُسأل أن لماذا لم يختضب فيجيب: {الخضاب زينة ونحن قوم في مصيبة، يريد به رسول الله صلى الله عليه وآله}. (بحار الأنوار ج٤١ ص١٦٥)
بل ورد عن أهل البيت عليهم السلام أنهم ما أصيبوا إلا فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد استشهد فيه! فلم يقتصر إحياؤهم لذكرى جدهم صلى الله عليه وآله على يوم شهادته كما ترى.
أما عزاء فاطمة عليها السلام على أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله فقد استمر وطال إلى يوم شهادتها صلوات الله عليها حتى أنهم طردوها من المدينة زاعمين ان بكائها قد آذاهم حتى كانت تذهب إلى قبر حمزة عليه السلام في أحد لتبكي هناك وكذا بناؤها بيتا للأحزان بعيداً عن هذه الأمة الملعونة الغادرة.
أما مشروعية اللطم وما أشكل فيه من وصية الحسين عليه السلام لأخته الطاهرة زينب الكبرى عليها السلام فإشكال واهٍ جدا كون الحديث لا يقاوم ما ورد من أحاديث متواترة تنص على أن السيدة زينب عليها السلام وبقية الفاطميات قد لطمن الخدود وشققن الجيوب على الحسين عليه السلام وثانياً إذا ما سلمنا به فلا بد من حمله على ما لا يخالف ما تواتر من الأحاديث فيحمل على أن تلك الوصية مقيدة بحال مقتله عليه السلام فقط.
فقد ثبت ان شق الجيب ولطم الخد واللطم وو..الخ كل هذه الأمور حدثت باخبار كثيرة جدا منها:
1- عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في حديثه عن حالة الفاطميات: {وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود على الحسين بن عليّ، وعلى مثله تلطم الخدود، وتشقّ الجيوب}. (تهذيب الاحكام لشيخ الطائفة الطوسي (قدس) ج٨ ص٣٢٥) و(وسائل الشيعة للحر العاملي ج٢٢ ص٤٠٢)
وهذا الحديث متواتر: {وما يحكى من فعل الفاطميّات، كما في ذيل خبر خالد بن سدير عن الصادق(عليه السلام)، بل ربّما قيل: إنّه متواتر}. (جواهر الكلام للشيخ الجواهري ج٤ ص٣٧١)
2- وحين سمعت السيّد زينب عليها السلام أخاها الإمام الحسين عليه السلام ينشد:
يا دهر أُفٍّ لك من خليلِ، الخ… {لطمت وجهها، وهوت إلى جيبها فشقّته، ثمّ خرت مغشياً عليها}.
(الارشاد للشيخ المفيد ج٢ ص٩٤، مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الاصفهاني ص٧٥، تاريخ الطبري ج٤ ص٣١٩، تاريخ اليعقوبي ج٢ ص٢٤٤)
3- وحين أخبر الإمام الحسين عليه السلام أُخته بأنّه عليه السلام رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنّه قال له: إنّك تروح إلينا، {فلطمت أخته وجهها، ونادت بالويل، الخ…}. (الارشاد للشيخ المفيد ج٢ ص٩٠، بحار الانوار للعلامة المجلسي ج٤٤ ص٣٩١)
4- ولمّا مروا بالسبايا على الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه عليهم السلام، وهم صرعى، {صاحت النساء، ولطمن وجوههنّ، وصاحت السيّدة زينب: يا محمّداه}. (مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي ج٢ ص٤٤، مقتل الحسين لأبي مخنف ص٢٠٣، تاريخ الطبري ج٤ ص٣٤٨)
5- وحين رجع السبايا من الشام إلى كربلاء، ووجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وجماعة من بني هاشم، {تلاقوا بالبكاء، والحزن، واللطم. وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد}. (اللهوف للسيد ابن طاووس ص١١٤)
وكان الإمام السجّاد (عليه السلام) معهم يرى ويسمع ولم يصدر منه نهي!
6- وحين أنشد دعبل الخزاعي تائيته المشهورة، بحضرة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال فيها:
أفاطم لو خِلتِ الحسين مجدّلاً ***** وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ
إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده ***** وأجريت دمع العين في الوجناتِ
(كشف الغمة لإبن أبي الفتح الإربلي ج٣ ص١١٤، العوالم للشيخ عبدالله البحراني ص٥٤٥، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٤٥ ص٢٥٧)
ولم يعترض الإمام عليه السلام على دعبل، ولم يقل: إنّ أُمّنا فاطمة (عليها السلام) لا تفعل ذلك لأنّه حرام، أو مكروه، بل هو قد بكى وأعطى الشاعر جائزة، وأقرّه على ما قال.
7- وقد روي في الأحاديث الكثيرة: أنّ الجزع مستحبّ على الإمام الحسين(عليه السلام)، وفسّر هذا الجزع بما يشمل اللطم؛ فقال (عليه السلام): {أشدّ الجزع: الصراخ بالويل، والعويل، ولطم الوجه، والصدر…} (الكافي الشريف للشيخ الكليني ج٣ ص٢٢٢، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٧٩ ص٨٩، وسائل الشيعة للحر العاملي ج٢ ص٩١٥)
8- رد العالم الفقيه العظيم الشيخ آغا بن عابد الشيرواني الحائري اعلى الله مقامه على هذه الشبهة وتعليقه على حديث (لاتشقي علي جيبا): {فاعلم: أنّ قوله (عليه السلام) هذا قد خرج مخرج كلمات التسلية والتعزية وألفاظ التصبير عند الشدائد، فلا مرجوحيّة في فعل ما فيه لأجل سيد الشهداء، وأن العلة في مرجوحيّة ذلك، أي شق الجيب وخمش الوجه، إنّما هي شماتة الأعداء.
وكيف لا؛ فإنّ جملة كثيرة من الأخبار والآثار ممّا تقدّم وممّا يأتي ومن غيرهما، ممّا قد دلت على جواز ذلك في مصيبة سيّد الشهداء (روحي له الفداء)، بل على كون ذلك وما فوقه مثل لطم الصّدور بالأحجار وشقّ الرأس، ونحو ذلك مما فُعِلَّ في حضور المعصوم، فيكون من جملة العبادات، بل من جملة أشرفها وأفضلها, فافهم}. (إكسير العبادات في أسرار الشهادات ج٢ ص٢٦٥)
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
4 ربيع الأول 1442 هجرية