السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته..... عفواً شيخنا الفاضل أرجو الرد على سؤالي لو تكرمتم.
جاء في كتاب الرافد في علم الأصول ص ٣٦ :
النسخ: وتحدثنا فيه عن امكان صدور النسخ من قبل أهل البيت عليهم السلام للآية القرآنية والحديث النبوي والحديث المعصومي السابق، وأقسام النسخ من النسخ التبليغي الذي يعني كون الناسخ مودعا عندهم عليهم السلام من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكنهم يقومون بتبليغه في وقته، والنسخ التشريعي وهو عبارة عن صدور النسخ منهم ابتداءا وهذا يبتني على ثبوت حق التشريع لهم عليهم السلام كما كان ثابتا للرسول، صلى الله عليه وآله وسلم وقد طرحنا هذا الموضوع أيضا ضمن بحث النسخ.
السؤال: هل الأئمة ينسخون القرآن الكريم؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ،
إنما هذا في نسخ ما تضمنته الآيات من أحكام، لا نسخ ألفاظها أو تلاوتها. وذلك عائد في الحقيقة إلى الله تعالى الذي أوكل أمر بيان النسخ أو إنشاءه للنبي والأئمة عليهم السلام، فالنسخ منه تعالى لا من غيره، لأنهم لا يتصرفون إلا بأمره جل وعلا، غاية ما هنالك أن قوة هذا النسخ تكون بقوة السنة، وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الأولى من نهج البلاغة الشريف، فإنه بعدما ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله خلَّف كتاب الله مبيِّنا حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه؛ قال: «ومعلومٍ في السنة نسخُه»، أي أن تولّد العلم بمنسوخية شيء من الكتاب إنما يكون بقوة السنة، وهذا يُتصوَّر على نحو الإخبار تارة والإنشاء أخرى. ولا يخفى أن صاحب السنة هو النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، والقيِّمَ عليها هم خلفاؤه الأئمة المعصومون عليهم الصلاة والسلام.
وهذه المسألة تكاد تكون اتفاقية؛ فقد ذهب جمهور مخالفينا إلى أن السنة تنسخ القرآن، ولم يخالف في ذلك إلا الشافعي، إلا أن التأمل في كلامه ومسلكه يُظهر أن لا فرق في البين إلا اللفظي، لأن الشافعي يقر بما جاء في السنة من نسخ لبعض آيات الكتاب ويعمل به، غاية ما هنالك أنه يجعل السنة كاشفة للناسخ من الكتاب فيكون النسخ للكتاب بالكتاب. قال الزحيلي: «وقد استغرب بعض العلماء موقف الشافعي في ذلك، وهو المعروف بناصر السنة، أو ناصر الحديث، ثم يمنع نسخ القرآن بالسنة، ويخالف الجمهور في ذلك؟ والمتأمل في آراء الشافعي رحمه الله يدرك أنه لا ينتقص السنة، ولا يشكك بذرة فيها، ولكنه يعتقد أن القرآن كلام الله تعالى لا يشبهه شيء، ولا يصل إلى مكانته كلام البشر، ولو كان صادرًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتقد أن رسول الله هو المبيِّن عن ربه كلامه وأحكامه، وأنه يعرف يقينًا مراد الله في كتابه، وأن بعض الآيات تنسخ أخرى ولو ضمنًا، فيبيِّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة، فيكون النسخ للقرآن بالقرآن، والسنة تبيِّن ذلك وتكشفه، بدليل أنه لم يظهر أثر للاختلاف، وأن الشافعي يوافق سائر الأئمة فيما قالوا بنسخها» (الوجيز في أصول الفقه للزحيلي ج٢ ص٢٥٩).
ونحن حينما نقول بأن للأئمة عليهم السلام نسخ حكم الكتاب؛ فلا نعني بذلك إلا أنهم يخبرون بالنسخ عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تبارك وتعالى، وهو مقام الإخبار والبيان والتبليغ. بل حتى وهم في مقام الإنشاء والتشريع الابتدائي؛ فإن ما يكون صادرًا عنهم في هذا المقام لا يخرج عن البيان بوجه من الوجوه. وهذا ما تنبَّه له ابن القيم الجوزية في كلامه عما كان من السنة زيادة مغيِّرةً لحكم شرعي من الكتاب، فقال: «والذي فرض علينا طاعة رسوله وقبول قوله في تلك الزيادة هو الذي فرض علينا طاعته وقبول قوله في هذه، والذي قال لنا: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) هو الذي شرع لنا هذه الزيادة على لسانه، والله سبحانه ولّاه منصبَ التشريع عنه ابتداءً، كما ولّاه منصب البيان لما أراده بكلامه، بل كلامه كله بيان عن الله، والزيادة بجميع وجوهها لا تخرج عن البيان بوجهٍ من الوجوه (...) حتى في التشريع المبتدأ، فإنها بيان لمراد الله من عموم الأمر بطاعته وطاعة رسوله» (إعلام الموقعين لابن القيم ج٤ ص٩٧).
ونحن نقول أن عموم الأمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله ممتد إلى طاعة أولي الأمر عليهم السلام، وذلك قوله عز من قائل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ» (النساء: ٦٠). فتحصَّل أن مقام التشريع الابتدائي غير منفك عن مقام البيان والتبليغ، وأن النسخ والتغيير من الله وإليه يعود.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
8 شوال 1442 هجرية