السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
في شهر رمضان المبارك لهذا العام ١٤٤٣ هـ اقام المرجع الشيخ محمد السند حفظه الله سلسلة محاضرات علمية - على عادته اثناء التعطيل في أيام الشهر الفضيل من كل عام - وكان عنوان البحث هذا العام "علم المذاهب والتمذهب" و قد تطرق في ختام البحث الى قضية إثارة التوتر و التشنج بين المذاهب؛ و استدل بأية (ولاتسبوا الذين يدعون... الاية) وحديث (كرهت لكم ان تكونوا سبابين) في ماكان من حجر بن عدي و عمرو بن الحمق رضوان الله عليهما، و رواية (ماله لعنه الله يعرض بنا)
وكان من اهم ما ذكره ما يلي :
١ - ان منهج الاستفزاز و السب - ولعله يشير الى منهجكم- على خلاف القرآن و خلاف سيرة اهل البيت عليهم السلام. وقال المرجع السند ان منهج اهل البيت لا يغطي الحقائق لكن ايضا لا يثير الاستفزاز و التشنج ولا يغذيهما، بل هو يمتص الاستفزاز و التشنج (وأعرض عن الجاهلين).
وان هذا هو الصواب و هو المنهج الذي عليه علمائنا الاعلام كالمفيد و المرتضى و الطوسي و العلامة الحلي وغيرهم من الاعلام رحمة الله عليهم.
وقد أبدى إعجابه بمنهج السيد عبد الحسين شرف الدين بالخصوص.
٢ - و قد أشار اكثر من مرة أن هذا البحث لابد أن يكون له حقه من التفصيل الفقهي. وان هذا كان منه مرورا فهرسيا على البحث ليس إلا، فهذا البحث يحتاج الى جلسات علمية مطولة.
فما هو رأي الشيخ الحبيب بهذا الموقف؟ وما هو تقييمه لهذه الخطوة من المرجع الشيخ السند؟ حفظ الله فقهاؤنا و علماؤنا العاملين ووفقم لما فيه الخير و السداد.
هنا تجدون رابط المحاضرة (خصوصا من الدقيقة ٤٩ و ما بعدها) وهي الجلسة الأخيرة من السلسلة الرمضانية لهذا العام :
https://youtu.be/dQf0RWFvI9g
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رأي سماحته معروف وتجدونه في كتبه ومحاضراته، فهو يقول في (تحرير الإنسان الشيعي ص154 - فصل الاستفزاز المحمود): «أن منهج الأئمة عليهم السلام كان استفزاز رموز النفاق والباطل، لا لمجرد الاستفزاز، بل للحكمة التي سبق وبيّناها، وهي ضرورة إحداث مواجهة مع هذه الرموز والشخصيات».
ويقول أيضا في كتابه (حل الإشكال ص195): « دعني يا أخا الإيمان أقولها لك بصدق: إن البلية كل البلية عند أهل العوالم الأخرى هي في نقصان الحظوظ من العلم والفقه، والمعرفة والتدبر، والاطلاع والالتفات، هذا النقصان هو ما يُنقص من أبصارهم وبصائرهم، فتختل استنتاجاتهم وآراؤهم، حين ينظرون بعين عوراء، يرون بها ما أكّدت عليه الشريعة وطابقته السيرة من التزام الرفق واللين، دون أن يروا في المقابل ما أكّدت عليه الشريعة وطابقته السيرة أيضاً من التزام الشدة والخشونة!
كلكم ترون (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا) لكنكم لا ترون (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا)!
كلكم ترون (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) لكنكم لا ترون (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ)! ولا ترون (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) ولا ترون سبّ النبي صلى الله عليه وآله لعمرو بن عبد ود العامري حين قال: «مَن لهذا الكلب»! ولا سبّه لأخي عثمان في وجهه وفي المسجد الحرام بقوله: «ما منعكم أن يقوم أحدكم إلى هذا الكلب فيقتله»! ولا سبّه لعائشة يوم قال لها: «لقد خَبُثتِ أنت»! وتعييره إياها بوصمة (الحميراء) أو (حميراء الساقين)! ولا شتمه لمروان وهو طفل رضيع بقوله: «الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون»! ولا إخزاءه معاوية بمؤخرته الكبيرة بقوله: «ويلٌ لأمتي من معاوية ذي الأستاه»!() وقوله: «است معاوية في النار»!
كلكم ترون (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ) لكنكم لا ترون (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) ولا ترون (وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ولا تبصرون (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) ولا قول أمير المؤمنين عليه السلام لأبي سفيان: «لعنك الله! ولعن اللات والعزى معك»!
كلكم ترون (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) لكنكم لا ترون (إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) مع أنها آية واحدة! فكيف أبصرت العيون صدرها ولم تبصر ذيلها حتى أن محاورنا الكريم بترها في رسالته لنا!
كلكم ترون قول أمير المؤمنين عليه السلام في النهي عن سب أهل الشام: «إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين» لكنكم لا ترون سبّه الصريح لأهل الشام بقوله: «جفاة طغام وعبيد أقزام جُمعوا من كل أوب وتُلقِّطوا من كل شوب»! ولا تبصرون سبه للبرج بن مسهر الطائي بقوله: «قبحك الله يا أثرم»! ولا شتمه للمغيرة بن الأخنس بقوله: «يابن اللعين الأبتر والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع»! مع أن الجميع في نهج البلاغة المشحون باللعن والطعن وبذكر المعايب والقبائح وبالقدح في الأنساب والأعراض كما قال المحقق الكركي عليه رضوان الله.
ولعمري لئن لم تبصروا كل هذا في نهج البلاغة فما ههنا عجب من أن لا تبصروا ما في غيره مما هو دونه في الشهرة والتداول، كالذي في مناقب ابن شهراشوب من قول أمير المؤمنين عليه السلام: «ويلكم يا أهل الشام! أما تستحيون من معاملة المخانيث! لقد علمكم رأس المخانيث عمرو»!
ألا فافتحوا أعينكم جيداً وطالعوا مليّاً واقرأوا حثيّاً؛ وخلاكم ذم! فإنكم إنْ فعلتم اكتشفتم أنه على مرور الأزمان كان هنالك خطان معصوميان شريفان متوازيان، لا يعدم أحدهما الآخر، ولا يخلو منهما زمان، أحدهما خط ليّن، والآخر خط خشن. والغلط إنما هو في توهم أن هنالك خط واحد، وأسلوب واحد. أو في توهم أن أحدهما هو الأصل أو القاعدة والآخر هو الاستثناء أو العارض. كلا! إن الأمر أوسع من ذلك وأعمق، والفقيه حق الفقيه هو مَن يدرك هذه الحقيقة، أنهما خطّان متوازيان لا ينبغي خلو الساحة التبليغية منهما».
فننصحكم بمراجعة هذين الكتابين القيمين حتى تكتشفوا الأدلة والبراهين والشواهد الكثيرة وحتى تدركوا أن ما نقلتموه كله مجاب عليه مسبقا ولا يتعدى كونه مكررات مستهلكة تفتقر للدقة العلمية والتاريخية.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
9 ذو الحجة 1443 هجرية