بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
دخلت في حوار مع زميل حول بعض المسائل الخلافية بين الشيعة والعامة، وأطلب من سماحتكم اعطاءنا بعض التوضيحات مشكورين على ذلك سلفا
ما المراد بالنبي الأمي الوارد في القرآن الكريم وبعض الروايات؟ هل صحيح القول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعرف القراءة والكتابة أو أنه يعرف القراءة ولا يعرف الكتابة؟
دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ج1: إن زعم المخالفين بأن نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يعرف القراءة والكتابة هو زعم مردود عندنا نحن المسلمين، فإن أئمتنا من عترة النبي (صلوات الله عليهم) بيّنوا لنا أن جدّهم (صلى الله عليه وآله) كان يُحسن القراءة والكتابة لا بلغة واحدة فقط بل بثلاث وسبعين لغة! غير أنه لم يكن يُظهر ذلك أمام مشركي قريش لئلا يأخذها هؤلاء ذريعة لاتهامه بأنه تعلّم من غيره ما يتلوه ويحكيه من قصص الأنبياء (عليهم السلام) والأمم السابقة.
وأما وصفه تعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله) بالأمي في الكتاب العزيز كما في قوله: ”الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ“ (الأعراف:158) فقد شرح معناه إمامنا الجواد (صلوات الله عليه) منزّها جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) من الجهل بالقراءة والكتابة ولاعنا الذين انتقصوه بذلك من المخالفين!
فقد روى الصفار (رضوان الله عليه) بسنده عن علي بن أسباط أو غيره قال: ”قلت لأبي جعفر (الجواد) عليه السلام: إن الناس يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يكتب ولا يقرأ؟! فقال عليه السلام: كذبوا لعنهم الله! أنّى ذلك وقد قال الله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فيكون أن يعلّمهم الكتاب والحكمة وليس يُحسن أن يقرأ ويكتب؟!
قال: قلت: فلمَ سُمِّيَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمّيا؟ قال عليه السلام: لأنه نُسِب إلى مكة، وذلك قول الله عز وجل: لتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا، فأم القرى مكة، فقيل أمّيٌ لذلك“. (بصائر الدرجات للصفار ج5 ص246).
كما روى الصدوق (رضوان الله عليه) بسنده عن جعفر بن محمد الصوفي قال: ”سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام فقلت له: يابن رسول الله.. لمَ سُمِّيَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأمّي؟ فقال: ما يقول الناس؟ قلت: يزعمون أنه سُمِّيَ الأمّي لأنه لم يكتب! فقال عليه السلام: كذبوا عليهم لعنة الله! أنّى ذلك والله عز وجل يقول في محكم كتابه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فكيف كان يعلّمهم ما لا يُحسن؟!
والله لقد كان رسول الله صلى عليه وآله وسلم يقرأ ويكتب باثنين وسبعين - أو قال: بثلاثة وسبعين - لسانا! وإنما سُمِّيَ الأمّي لأنه كان من أهل مكة، ومكة من أمهات القرى، وذلك قول الله عز وجل: لتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا“. (معاني الأخبار للصدوق ص53).
وعليه فقد عرفت أن وصفه (صلى الله عليه وآله) بالأمّي إنما هو نسبة إلى أم القرى أي مكة، فيكون المعنى أنه نبي مكّي. والدليل عليه قوله تعالى: ”هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ“ فوصف جميع المكيين بأنهم أميّين مع أنهم ما كانوا جميعا لا يحسنون القراءة والكتابة، وإنما وصفهم بذلك نسبة إلى مكة المكرمة لا غير.
وما يتوهّمه المخالفون الجهلة من أن القرآن قد نصّ على عدم معرفة النبي (صلى الله عليه وآله) بالقرآن مردود، فإنه سبحانه قال: ”وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ“. (العنكبوت: 49) فنفى أنه قد أظهر أمام المشركين المبطلين أمر القراءة والكتابة، لا أنه لم يكن يعرفهما، والحكمة في إخفائه ذلك علّلته الآية بالمنع من ارتيابهم وقطع الطريق أمام تشكيكهم في النبوة.
ولو أنّ المخالفين الجهلة وأسلافهم الخونة كانوا قد توجّهوا نحو أهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم) وسألوهم عن معاني الآيات القرآنية الكريمة لما وقعوا في هذه الالتباسات ولما استنقصوا قدر خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنهم أصرّوا على مقاطعة أهل البيت والانصراف إلى غيرهم من المتردّية والنطيحة لأخذ تفسير القرآن الحكيم عنهم!
سقاكم الله من حوض الكوثر. والسلام.
الخامس عشر من شهر شوال لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.