بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين ، و صلى الله و سلم على محمد و آله الطيبين الطاهرين ، و لعنة الله على أعدائهم من الأولين و الآخرين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
و بعد التحية إلى الشيخ الحبيب ، لي بعض الأسئلة التي تدور في ذهني ،
أتمنى أن أرى إجابتها ، كما عودنا الشيخ الحبيب حفظه الله
هل صحيح أن آية لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى نزلت في عمر بن الخطاب ؟ و إذا كان الأمر كذلك فلماذا خاطبه الله ( يا أيها الذين أمنوا ) ؟ لأن الوهابيين يقولون بأن هذا دليل على إيمانه ؟ فبم تردون ؟
و مع تمنياتي لكم بالتوفيق و النصر إن شاءالله
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدنا ومولانا الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق البار (صلوات الله وسلامه عليهما) جعلنا الله من الطالبين بثأره مع ولده المنتظر المهدي أرواحنا فداه وعجل الله تعالى فرجه الشريف.
لم نلحظ شاهدا على نزولها خاصة في عمر (عليه لعائن الله) إلا أن ذلك ليس ببعيد إذا لاحظنا مدى عشقه للخمر ومعاقرته له حتى آخر لحظة من حياته! وقد أقرّ بذلك المخالفون حيث روى شهاب الدين الأبشيهي: ”قد أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات، الأولى قوله تعالى: ”يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ“ (البقرة: 220) فكان من المسلمين من شارب ومن تارك إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر. فنزل قوله تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ“ (النساء: 44) فشربها من شربها من المسلمين وتركها من تركها، حتى شربها عمر رضي الله عنه فأخذ بلحى بعبير وشجّ به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر يقول:
وكائن بالقليب قليب بدر من الفتيان والعرب الكرام
أيوعدني ابن كبشة أن سنحيا وكيف حياة أصداء وهام؟!
أيعجز أن يردّ الموت عني وينشرني إذا بليت عظامي؟!
ألا من بلغ الرحمن عني بأني تارك شهر الصيام!
فقل لله يمنعني شرابي وقل لله يمنعني طعامي!
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مغضبا يجر رداءه، فرفع شيئا كان في يده فضربه به، فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله! فأنزل الله تعالى: ”إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ“؟ (المائدة: 92) فقال عمر: انتهينا.. انتهينا“! (المستطرف لشهاب الدين الأبشيهي ج2 ص291 ونقل عنه الزمخشري في ربيع الأبرار).
وأما ادعاء الوهابيين بأن نزول آية ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى“ في عمر دليل على إيمانه لأنه خوطب فيها بالإيمان؛ فهو ادعاء مثير للسخرية! فإن القرآن الحكيم خوطب فيه المنافقون بالإيمان أيضا، كما في قوله تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ“ (النساء: 137) والمعنى أن يا أيها الذين آمَنوا ظاهرا آمِنوا بالله ورسوله باطنا وواقعا.
ولو أننا أهملنا هذا المعنى وقلنا بأن كل آية ورد فيها: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا“ تكون دليلا على إيمان المخاطَب بها؛ لكان قوله تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ“ لغوا والعياذ بالله! إذ كيف يطلب من (المؤمنين) أن يؤمنوا مع أنهم مؤمنون بالأصل؟!
لهذا نفهم أنه في أحيان يكون الخطاب بالإيمان متوجها إلى أولئك الذين آمنوا ظاهرا، أي المنافقين. ولأن المؤمن الحقّ لا يُتصوَّر أن يسكر؛ فإنه لا يكون هو المقصود بقوله تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى“ بل يكون المقصود هو المنافق الذي آمن ظاهرا فلا يتورّع عن شرب الخمر، وهي المحرّمة منذ فجر الخليقة في كل الشرائع لا كما يزعم المخالفون من أنها كانت محلّلة ثم حُرِّمت تدريجا في الإسلام.
فإذا عرفت هذا تعرف أن ما تمسّكوا به لإثبات إيمان صاحبهم عمر إنما قد قبّح وجهه أكثر! إذ أثبت نفاقه وفساده!
وفقكم الله لما يحب ويرضى. والسلام.
25 من شوال لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.