قد امتنعت الزهراء (عليها السلام) عن الدعاء على القوم فكيف نلعنهم نحن؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم أجمعين
الأخ العزيز الشيخ ياسر الحبيب

اسأل الله أن تكون في صحة وعافية

سؤال: هل ينافي لعن الثلاثة وامتناع فاطمة الزهراء (ع) عن الدعاء على القوم حيث قيل لها : ان أبوك بعث رحمة للعالمين فلاتكوني نقمة عليهم ( أو بهذا المعنى)؟ أليس هذا تناقض؟ ثم أليس تقول الآية ( يأ أيها الرسول جاهد المنافقين واغلظ عليهم ) ولكن الرسول حسب علمي كان يتعامل معهم على الظاهر وهذا خلاف الغلظة. أليس هذا تناقض؟

وشكرا
الداعي لكم


باسمه تباركت أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا تناقض إذ دعاء الزهراء (صلوات الله عليها) كان في مقام تعجيل نزول العذاب على أهل المدينة وقد امتنعت عنه بعدما هدّدت به لتسجيل موقف تاريخي ولإظهار مقامها عند الله تعالى في أنها قادرة على إنزال العذاب عليهم والانتقام منهم لما أجرموه بحقها وبحق بعلها وبنيها صلوات الله عليهم، وقد كانت بدايات فصول ذلك العذاب قد بدأت بالفعل حين ارتفعت حيطان المسجد وانقلعت من أسفلها! قال سلمان رضوان الله تعالى عليه: ”وكنت قريبا منها، فرأيت والله حيطان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله انقلعت من أسفلها حتى لو أراد الرجل أن ينفذ من تحتها لنفذ! فقلت: يا سيدتي ومولاتي.. إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا“! (المسترشد للطبري ص381 وغيره).
أما قيامنا نحن بالدعاء على الظالمين ولعنهم فهو في مقام طلب الانتقام الإلهي منهم في الآخرة، لا إنزال العذاب في الدنيا، ولذا فلا تناقض، فإن الزهراء (صلوات الله عليها) مع أنها امتنعت عن الدعاء بتعجيل نزول العذاب عليهم إلا أنها كانت تدعو عليهم باللعن في كل صلاة تصليها لزيادة عذابهم في الآخرة، كما رواه واعترف به عالم ومؤرخ البكرية الشهير ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج1 ص14.
على أن امتناع الزهراء (صلوات الله عليها) عن ذلك النوع من الدعاء بتعجيل نزول العذاب الدنيوي عليهم، لم يكن شفقة منها على الظالمين كأبي بكر وعمر وعصابتها الأوغاد؛ وإنما رأفة بسائر أهل المدينة، لأن العذاب إذا نزل عمّ الجميع كما هو معلوم. مضافا إلى ما ذكرناه أعلاه من أن الغاية كانت تسجيل موقف تاريخي تتمكن من خلاله الأجيال من تمييز المحقين من المبطلين، وتعيين الظالمين المنافقين.
وأما عن قوله تعالى: ”يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ“ (التوبة: 73) فمقيّد بما لو لم يكن هناك مصلحة أولى في ترك جهادهم والتغليظ عليهم، ولذا ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقواما من الكفار لم يحاربهم، كما ترك ابن سلول إلى أن هلك فصلّى عليه مع اتفاق الخاص والعام على أنه من رؤوس النفاق، وما ذلك إلا لوجود مصلحة دينية أهم، كتحبيب قبيلته في الإسلام حتى لا ينفروا، فإنه لو كان قد جاهده وأغلظ عليه لخرج هؤلاء من الإسلام حمية لابن عمّهم ولصاروا من أعداء الإسلام ومحاربيه، والإسلام كان حينها في مقتبل نشوئه، وأكثر ما يحتاجه آنذاك كان هو الاستقرار الداخلي في مواجهة المؤامرات والحروب الخارجية، ولذا غضّ النبي (صلى الله عليه وآله) الطرف عن كثير من هؤلاء، حتى أنه عفا عن الذين خطّطوا لقتله في العقبة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وجماعتهم (عليهم لعائن الله) وقال لمن رجاه بأن يقتلهم: ”لا.. لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه“.

وفقكم الله لجوامع الخير في الدارين. والسلام.

الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp