السلام عليكم
النواصب يستخدمون هذه الرواية ضد المذهب وهي واردة في الملاحم والفتن:
ومن المجموع المذكور قال: ومن كلام الحسين ع كان أبي علما لمن جهل مذكورا لمن غفل لا يلفظ إلا الحق وإن أمر ولا يسيغ الباطل وإن حلا، شد عضده، وجاهد وحده، وآزر أخاه وقتل عداه وكشف عن وجهه الكربات وخاض دونه الغمرات فلما اختار الله لنبيه (ص) دار أنبيائه كرهة قريش فأهملهم إهمال الراعي لإبله فبايع الناس أبا بكر فمنحه وده وبذل له نصحه ولما استخلف عمر كرهة قوم ورضية آخرون فكان أبي فيمن أحب بيعة ولم يكره خلافة ثم بايع الناس عثمان وهم لا يستغنون عن مشورته وحضوره ثم قتل عثمان فلم ير أحدا يقوم حدود عطلت ولدلالة على معارف أنكرت وجهلت وانفتقت عليه أعلام النفاق ورايات الشقاق عندما ضحكت لهم الدنيا وتزينت بأحسن زينتها فلم يزل ينفق ما رتقوا ويرتق ما فتقوا حتى قبصة الله على خير حالاته وأفضل ساعاته
فما الرد على هذا الاشكال
نسألكم الدعاء ...
باسمه تباركت أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما أولا؛ فإن هذا تشدّق بالشاذ وليس يعمد إليه أهل العلم والتحقيق لإثبات مبتغاهم! غير أن المخالفين لما وجدوا أنفسهم عاجزين عن إثبات اعتراف أمير المؤمنين (عليه السلام) بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان؛ فإنهم طفقوا يفتّشون عن أي أثر شاذ غير معتبر ليتشدّقوا به! مع أن هذا الشاذ بنفسه لا يصحّ، فكيف يمكن أن يقاوم المشهور بل المتواتر من أنه (عليه السلام) كان رافضا لهم غير معترف بشرعية تسنّمهم لمقام الخلافة؟!
وأما ثانيا؛ فإن السيد ابن طاووس (عليه الرحمة) إنما نقل هذا الخبر من كتاب المجموع لمحمد بن الحسين المرزبان، وهو مجهول لا يُعرف حاله، وروايته هذه مرسلة، وكتابه بالأصل ليس سوى (مجموع) أي أنه قد جمع فيه الغث والسمين من الروايات والأخبار من طرق شتى، بما فيها طرق المخالفين!
وأما ثالثا؛ فإن السيد ابن طاووس قد نقل هذا الخبر دون أن يحكم بصحته، بل إنه قد شكّك في ذلك! ثم مع تشكيكه به فسّره بما يؤكد القدح في الثلاثة الظالمين عليهم لعائن الله!
وقد تعمّد ابن طاووس أن يذكر ذلك ويسجّله بعد الخبر مباشرة، أي في الأسطر التالية من كتابه (الملاحم والفتن) حتى لا يشتبه الأمر على أحد، إلا أن المخالفين كعادتهم القبيحة قد بتروا هذا المقطع! مع أنه مرتبط بما سبق ويحلّ ما أشكل فيه!
قال ابن طاووس بعد الخبر مباشرة: ”أقول: إنْ كان هذا الحديث صحيحا فمعنى قوله (عليه السلام) إن مولانا عليا (عليه السلام) لم يكره بيعة عمر لأنه كان يعلم أن البلاد تُفتح على يديه وأن قريشا لا تريده (عليه السلام) ولا توافق عليه. ألا ترى إلى قول الحسين (عليه السلام): ”فأهملهم إهمال الراعي لإبله“ يعني أباه عليا (عليه السلام) كان هو الإمام والراعي للأمة، ولكنه تركهم لعدم الناصر كما تركهم عيسى (عليه السلام) ورفعه الله جل جلاله إلى السماء“. (الملاحم والفتن لابن طاووس ص193).
وهكذا ترى البكريين كيف أرادوا بتدليسهم لوي معنى هذا الخبر إلى ما أحبّوا، مع أن الخبر بالأصل ليس صحيحا ولا معتبرا ولا يمكن التعويل عليه!
ولا يخفى أن مجرّد بذل أمير المؤمنين (عليه السلام) النصيحة لأبي بكر وعمر وعثمان، وقبوله بمشاورتهم له؛ لا يعدّ إقرارا بشرعية خلافتهم، فإنه (عليه السلام) قد صنع ذلك إشفاقا على الإسلام وأهله، كما كان يصنعه أنبياء الله تعالى في علاقتهم مع طواغيت عصورهم، ومن بين هؤلاء يوسف الصديق (عليه السلام) على ما هو معلوم، إذ كان وزيرا لطاغية زمانه، ومع ذا لم يقل أحد من المسلمين بأن ذلك إقرار منه بشرعية ذلك الطاغي.
والمنصف الذي يطلب الحق، لا يعدل عن المتواتر الصريح إلى الشاذ الملتبس، والخبر السابق كان من الشاذ الملتبس، أما المتواتر الصريح الذي ينبغي البناء عليه فهو أن عليا (عليه السلام) كان يعتبر نفسه الأحق بالخلافة، وأن القوم قد سلبوها منه وتقمصوها بغير وجه حق، هذا ابن قتيبة يروي: ”ثم إن عليا كرم الله وجهه أُتِيَ به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله. فقيل له: بايع أبا بكر! فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي“. (الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص28).
ودونك الخطبة الشقشقية شاهدة، وغيرها من عشرات الأدلة، ويكفينا أن الأمة أجمعت على أن عليا (صلوات الله عليه) كان يرى نفسه الأحق بمقام خلافة النبوة سواء في عهد أبي بكر أو عمر أو عثمان، فوجب تصديقه لأنه معصوم من الكذب لشهادة الله تعالى له ولأهل بيته في كتابه بأنهم مطهرون من الرجس، والكذب من الرجس، فلا شك أن عليا (عليه السلام) صادق، وبذا يثبت المطلوب.
وفقكم الله لخير الدنيا والآخرة، والسلام.
ليلة الثاني من ذي الحجة لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.