السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نقل سماحة الشيخ الحبيب قصة حكيم بن جبلة العبدي وسبّه لعائشة أمام الناس من تاريخ الطبري وهذا نصّ موضع الشاهد: "وغدا حكيم بن جبلة وهو يبربر وفي يده الرمح فقال له رجل من عبد القديس من هذا الذي تسب وتقول له ما أسمع قال عائشة قال يا ابن الخبيثة ألام المؤمنين تقول هذا فوضع حكيم السنان بين ثدييه فقتله ثم مر بامرأة وهو يسبها يعني عائشة فقالت من هذا الذي ألجأك إلى هذا قال عائشة قالت يا ابن الخبيثة ألام المؤمنين تقول هذا فطعنها بين ثدييها فقتلها". (تاريخ الطبري ج٣ ص٤٨٣) سؤالي هو هل ما نقله الطبري هنا صحيح؟ وألا يعد هذا الفعل مُدان؟ حيث أن المعترض عليه امرأة فكيف يقتلها؟ غير أنها مجرّد اعترضت عليه ولم ترفع عليه السيف مثلاً، فنرجوا منكم البيان والتوضيح ودمتم بخير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يمكن الوثوق بكل ما ورد في كتب أهل الخلاف، والرواية هذه عن سيف بن عمر التميمي المعروف بالوضع والكذب، إلا أن هذا لا يعني رفع اليد عن كل ما رواه، لأنه كان عمدة في التاريخ كما نص على ذلك ابن حجر العسقلاني بعد أن ضعَّفه في الحديث كما في تقريب التقريب، وأنه كان أخباريا عارفا كما نص على ذلك الذهبي في ميزان الاعتدال، وللقاعدة التي قررها علماؤنا أن ما يرويه المخالفون في مثالب رموزه تكون مقبولة لعدم توفر الدواعي على نقله إن لم يكن صحيحا.
وأما عن قتل حُكيم بن جبلة العبدي رضوان الله تعالى عليه لتلك المرأة؛ فإن قبلنا ذلك، فيمكن أن يقال في الجواب أن المرأة هذه كانت محاربةً وشاهرة سلاحها مع جيش عائشة الذين كانوا شاهرين سيوفهم لقتال عثمان بن حنيف رضوان الله تعالى عليه وحراس بيت المال، وعلى هذا تكون مستحقة للقتل، فإن النهي الوارد عن قتل النساء في دار الحرب مقيد فيما لو لم تكن النساء يقاتلن كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام من قوله أن رسول الله نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلن، فإن قاتلن أيضا فأمسك عنها ما أمكنك، ولم تخف خللا.(وسائل الشيعة).
ولا يتوقع من حُكيم أن يرتكب مثل هذا الفعل - إن كان حراما - وهو المعروف بالدين والصلاح كما نص على ذلك ابن الأثير في أسد الغابة.
وأيًا يكن، فإنه لو صدر من حُكيم رحمه الله خطأ أو حراما، لوجدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد بين ذلك، فإنه عليه السلام لما بلغه نبأ مقتل حُكيم أنشأ يقول كما في أنساب الأشراف للبلاذري:
يا لهف أماهُ على الربيعة
ربيعةُ السامعةُ المطيعة
قد سبقتني بهمُ الوقيعة
دعا حُكيمٌ دعوة مطيعة
نال بها المنزلة الرفيعة
وقد حرَّض أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه بجهاد عائشة وجيشها بعدما بلغه مقتله وأصحابه بقوله كما في الإرشاد للمفيد: ”عباد الله، انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم، فإنهم نكثوا بيعتي، وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة، وقتلوا السيابجة، وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي، وقتلوا رجالا صالحين، ثم تتبعوا منهم من نجا يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية، ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبرا. ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون. انهدوا إليهم وكونوا أشداء عليهم، وألقوهم صابرين محتسبين تعلمون أنكم منازلوهم ومقاتلوهم وقد وطنتم أنفسكم على الطعن الدعسي، والضرب الطلخفي، ومبارزة الأقران، وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأي من أحد من إخوانه فشلا، فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله“.
وقال المفيد في الكافئة: ”رووا أنه عليه السلام لما بلغه - وهو بالربذة - خبر طلحة والزبير وقتلهما حكيم بن جبلة ورجالا من الشيعة وضربهما عثمان بن حنيف وقتلهما السبابجة، قام على الغرائر فقال: إنه أتاني خبر متفظع ونبأ جليل: أن طلحة والزبير وردا البصرة فوثبا على عاملي فضرباه ضربا مبرحا وترك لا يدرى أحي هو أم ميت، وقتلا العبد الصالح حكيم بن جبلة في عدة من رجال المسلمين الصالحين لقوا الله موفون ببيعتهم ماضين على حقهم، وقتلا السبابجة خزان بيت المال الذي للمسلمين، قتلوهم صبرا، وقتلوا غدرا. فبكى الناس بكاء شديدا ورفع أمير المؤمنين - عليه السلام - يديه يدعو ويقول: اللهم اجز طلحة والزبير جزاء الظالم الفاجر والخفور الغادر“.
وعلى هذا فلا إدانة تتوجه إلى حُكيم رضوان الله تعالى عليه بقتله لتلك المرأة - إن صح المنقول -.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
30 ربيع الآخر 1446 هجرية