السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أختكم الجازي من الكويت، انا سنيه، و أحترم مذهبكم كثيرا لانني اؤمن بأن المسلمين سواسيه و يتفقون على وحدانية الله تبارك و تعالى و كذلك بنوبة محمد عليه الصلاة و السلام، و لكن كما تعرفون أن الكلام قد كثر عن مذهبكم و كذلك عن مذهبنا،لم أرد أن اسال أصدقائي الشيعة عنها، ولكن كل ما فعلت انني طلبت عنوانكم البريدي لأراسل الشيخ ياسر الحبيب، حيث انه صاحب علم و أتمنى ان يفيدني، عندي بعض الإستفسارات و اتمنى ان تجيبوني عليها.
سمعت من الكثير من الشيعه أن عليا كرم الله وجهه إمام و معصوم، ماهو الدليل على أنه إمام و معصوم؟ وهل صحيح انه كان من المفروض أن يكون الخليفة الأول لا أبي بكر؟؟
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهما) هو الخليفة الشرعي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام المعصوم الذي نصبه الله تعالى في هذا المقام وأوصى إليه رسوله، وهناك مئات الأدلة بل الألوف تثبت ذلك لا دليل واحد فقط! يكفيكِ فقط أن تعرفي أن واحداً من علمائنا هو العلامة الحلي (رضوان الله تعالى عليه) قد ألّف كتابا اسمه (الألفين) ومن اسمه تعرفين أنه ذكر ألفيْ دليل على إمامة وعصمة علي وبنيه الأئمة الأحد عشر صلوات الله عليهم!
ولا يسعنا هاهنا أن نفصّل في الأدلة أو أن نستوعبها، إلا أننا تبرّكا نذكر لك واحدا منها على نحو الإيجاز، فنقول بعد الاتكال على الله تعالى:
قال سبحانه في محكم كتابه: ”إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا“. (الأحزاب: 34)، وهذه الآية الشريفة تدلّ على عصمة أهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم) لأن الإرادة فيها تكوينية، منحصرة بهم بقوله تعالى: ”إنما“، وإذهاب الرجس عنهم مستمر لا ينقطع ولا يتخلّف لأن الإرادة الإلهية لا تنقطع ولا تتخلّف، والرجس هاهنا مطلق الذنب وما لا خير فيه لا خصوص النجاسة أو الخباثة، إذ القرآن يفسِّر بعضه بعضا، وقد قال تعالى: ”وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ“. (يونس:101) وقال تعالى: ”فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ“. (الأنعام:126) وقال تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ“ (المائدة:91) وقال تعالى: ”وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ“. (التوبة:125).
فعرفنا بدلالة هذه الآيات أن الرجس عام يشمل كل ذنب وكل ما لا خير فيه، وقد ثبت بنص آية التطهير أن الله مُذهبه عن هؤلاء الطاهرين (عليهم السلام) وبذا تثبت عصمتهم.
وبالتأمّل في الآية الكريمة نفهم أن هذه العصمة دائمة، لأن الآية تفيد استمرارية إرادة إذهاب الرجس على نحو الدفع لا على نحو الرفع، أي أن إرادة الله تعالى مستمرة دائما في دفع رجس المعصية عن أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، وهذا واضح بدلالة الفعل المضارع (يريد) وتأكيده بأداة الحصر (إنما) فضلا عن سياق الآية الذي هو ظاهر في التكوين لا الشريع، والفعل التكويني لا ينفك عن الإرادة بالنسبة إلى واجب الوجود أي الله تبارك وتعالى، فبهذا كله يتأكد أنهم (عليهم السلام) وعلى رأسهم علي أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) طاهرون مطهرون معصومون منذ خلقهم الله تعالى، لأن الله تعالى نصّ على أنه يدفع عنهم رجس المعصية على الدوام. ولنا في ما يتصل بهذا الموضوع محاضرة مفصلة بعنوان: ”إثبات الإرادة الإلهية التكوينية في آية التطهير“ فارجعي إليها إن شئت.
هذا ولا يخدعنّكِ علماء الضلال الذين يزعمون أن هذا المقطع من الآية الشريفة قد نزل في نساء النبي صلى الله عليه وآله، فإنه قد نزل في الخمسة أصحاب الكساء فقط؛ وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، وعلى هذا أجمعت الصحاح وكتب الحديث والرواية. قال ابن عساكر: ”وقولها – أي أم سلمة رضوان الله عليها: وأهل البيت رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين - هؤلاء الذين ذكرتهم إشارة إلى الذين وُجدوا في البيت في تلك الحالة، وإلا فآل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أهل البيت، والآية نزلت خاصة في هؤلاء المذكورين“. (الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين لابن عساكر ص106). وقال الطحاوي: ”إن المرادين فيها هم رسول الله وعلي وفاطمة وحسن وحسين دون مَن سواهم“. (مشكل الآثار ج8 ص476).
والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد فسّر بنفسه الآية عملياً وأوضح المرادين منها في حادثة الكساء الشريف، مبيّنا أن نساءه خارجات عنها، حين دعا ربّه واصفا عليا وفاطمة والحسنين عليهم السلام: ”هؤلاء أهل بيتي“. وفي لفظ آخر: ”هؤلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا“. (المستدرك للحاكم ج3 ص158 وسنن البيهقي ج2 ص105 وتفسير الطبري ج10 ص297 ومسند أحمد بن حنبل ج6 ص292 وغيرها كثير).
بل وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد على المقصودين بالآية يوميا حين يطرق باب علي وفاطمة (عليهما السلام) كل صباح، فقد روى البخاري عن أبي الحمراء قال: ”صحبت النبي صلى الله عليه وسلم تسعة أشهر فكان إذا أصبح كل يوم يأتي باب علي وفاطمة فيقول: السلام عليكم، إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا“. (التاريخ الكبير للبخاري ج9 ص26 وكذا ابن شيبة في مسنده ج2 ص232 وابن عبد البر في الاستيعاب ج4 ص572 وغيرها).
ويدل هذا على أن الآية هي في أهل البيت الخمسة ومن ينحدر عنهم بالنص الوارد عنهم، لا في غيرهم كنساء النبي (صلى الله عليه وآله) إذ إنه لم يصنع معهم مثل ما صنع مع علي وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) ولا أُثر عنه أنه كان يطرق أبوابهن ويخاطبهن بهذه الآية.
ولا أدلَّ على خروج الزوجات عن المرادين بهذه الآية من حديث أم سلمة (رضوان الله عليها) حيث منعها النبي (صلى الله عليه وآله) من الدخول تحت الكساء قائلا: ”إنك إلى خير، إنك إلى خير“. وفي لفظ آخر: ”أنت على مكانك وإنك إلى خير“. (مسند أحمد بن حنبل ج6 ص292 والدر المنثور للسيوطي ج5 ص198 وغيرهما كثير). وفي لفظ ثالث قالت أم سلمة: ”يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟ قال: إنك أهلي خير، وهؤلاء أهل بيتي“. (مستدرك الحاكم ج2 ص416 وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه).
إلى هنا عرفنا أن الآية نزلت في أهل البيت خاصة، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) كما عرفنا أنها تدل على عصمتهم المطلقة الدائمة. بقيَ أن نستدل بها على إمامتهم وأحقيتهم في خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا لا يحتاج إلى كثير من العناء، لأنه قد ثبت عند المؤالف والمخالف أن عليا (صلوات الله عليه) قد امتنع عن مبايعة أبي بكر بن أبي قحافة (لعنة الله عليه) بعد استشهاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بيّن سبب امتناعه عن مبايعته بإعلانه أنه هو الخليفة الشرعي والإمام الموصى إليه، وأنه أحقُّ بالخلافة من الجميع.
روى ابن قتيبة: ”ثم إن عليا كرم الله وجهه أُتِيَ به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله. فقيل له: بايع أبا بكر! فقال: أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخذونه منّا أهل البيت غصبا؟! ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة؟! وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فنحن أولى برسول الله حيا وميتا، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون“! (الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص18).
وقد صرّح (عليه السلام) في خطبته الشقشقية المشهورة في نهج البلاغة بأن أبا بكر وعمر وعثمان قد تقمّصوا الخلافة دونه بغير وجه حق، وأنه كان هو الأحق بها. فقال صلوات الله عليه: ”أمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قحافه وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى..“ إلى آخر الخطبة الشريفة. وهناك نصوص متعدّدة في تظلّم علي (عليه السلام) ممن تقدّمه من خلفاء الجور، وتصريحه بأنه هو الإمام الموصى إليه. ومن ذلك شعره المعروف الذي فيه:
”وأوجب لي ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خُمٍّ“. (الغدير للعلامة الأميني ج2 ص25 عن ستة وعشرين راويا بكريّا).
فهذه النصوص تكفي في إثبات ولايته وإمامته وأنه هو الخليفة الشرعي، بغض النظر عن العشرات غيرها، لأن عليا (عليه السلام) معصوم بنص الكتاب العزيز، وما دام قد أعلن أنه أحق من غيره بالخلافة فيجب أن نؤمن بأن ما أعلنه هو الحق وأنه يستحيل أن يكون قد كذب فيه والعياذ بالله، لأن الله تعالى قد أذهب عنه الرجس وهو مطلق المعصية، فلا يمكن أن يعصي علي (عليه السلام) ويدّعي شيئا ليس له، وإلا إنْ نسبنا إليه الكذب في ادعائه فنكون قد كفرنا بكتاب الله تعالى! وعليه فقد ثبت المطلوب وهو أنه (عليه السلام) معصوم وأنه إمام مفترض الطاعة والخليفة الشرعي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا فصل وأن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا ظالمين لأنهم سلبوه حقّا هو أولى به منهم، والظالمون قد لعنهم الله تعالى بكتابه حيث قال: ”أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ“ (هود: 19) وبذا يثبت وجوب لعن أبي بكر وعمر وعثمان.
فإن قال المخالفون: إن عليا قد بايع أبا بكر لاحقا بعدما تأخر عنه. قلنا: هذه رواية، وخبر امتناعه عن البيعة دراية، ولا تردّ الرواية الدراية. ناهيك عما في هذه الرواية من الوهن، وعما في الاستدلال بها من الإشكال، إذ يجوز أن يبايع مكرَها أو مضطرا، والعبرة إنما هي في ما ثبت من قوله ونصّه (عليه السلام) وقد استفاض أنه قد عبّر عن الخلافة بأنها حقّه وحق أهل بيته، فلا يجوز أن نعدو قوله بحال.
ما هذا سوى دليل واحد ذكرناه على نحو الإيجاز، فإن أردتِ المزيد عليك بمطالعة الكتب المفصّلة في هذا الشأن، واسألي عن آية الإكمال، وآية الإنذار، وآية الولاية، وآية المباهلة، وحديث الغدير، وحديث المنزلة، وحديث الثقلين، حديث الاثني عشر إماما، وغيرها من آيات وأحاديث.
ونرشدكِ إلى محاضرة لنا بعنوان: ”البرهان الساطع على إمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام“ فإنها تفيدك. واعلمي أننا لا نستدل على غيرنا إلا بما رووه في مصادرهم، ولا نحكّم في استدلالنا إلا العقل.
ونلفتك إلى أنه من الأدب أن لا تذكري اسم علي أو أحد من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا وتتبعينه بقولك: (عليه السلام) أو بقولك: (عليه الصلاة والسلام) لا بقولك: (كرم الله وجهه) كما ذكرت في سؤالك، فإن الله تعالى قد شرّفهم بذلك حين قال: ”سَلامٌ عَلَى آل يَاسِينَ“. (الصافات: 131) وقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن يُصلّى عليهم في كل صلاة بقوله: ”قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد“. (صحيح البخاري ج4 ص118).
ولذا كان البخاري نفسه يلتزم في بعض أحاديثه بذلك، حين يذكر بسنده حديثا عن علي أو فاطمة أو الحسن أو الحسين عليهم السلام، فيقول: (عن علي عليه السلام) أو (عن فاطمة عليها السلام) وهكذا.. ومن هذه الأحاديث ما رواه عن الزهري قال: ”أخبرني علي بن الحسين، أن حسين بن علي عليهما السلام أخبره أن عليا قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس، فلما أردت أن أبني بفاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم..“ إلى آخر الحديث. (صحيح البخاري ج5 ص16). فلماذا لا تلتزمون بذكر (عليه السلام) بدلا من اللفظة المبتدعة (كرم الله وجهه) أو (رضي الله عنه) مع أن بخاريّكم يذكرها إعظاما وتشريفا لمقام أهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟!
هدانا الله وإياكم. والسلام.
ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.