ما هي التقية؟ وهل استعملها (الصحابة) وفقهاء المذاهب البكرية الأربعة؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

مكتب الشيخ الحبيب
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أما بعد، لقد تلقيت إجابات و إني أشكرك كل الشكر لمنحي القليل من وقتك الثمين،، يوجد عندي المزيد من الأسئلة أرجو الإجابة عليها و أتمنى أني لا أضايقك فيها.

الشيعه تميزوا بالتقيه، ماهي أدلتها ؟ و هل إستعملها النبي و أهل بيته و الصحابه ؟
و هل صحيح انها وردت في مذاهب أهل السنه الأربعه؟ و ماهو الدليل ؟
أتمنى أن أتلقى الإجابات بأسرع وقت ممكن،، لقد إختلطت علي الأمور و اني لا أنكر أن أجوبتك جعلتني أفكر مرارا و تكرارا بما قلت وأني فعلا وقعت في حيرة في أمري.
أرجو ان تتفهم ما أقصد.
ودمتم برعاية الله
الجازي


باسمه جل ثناؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

التقية تعني اتقاء الضرر، وهي إحدى أحكام الإسلام، وهي رخصة من الله تعالى لعباده تبيح لهم ارتكاب عمل محرّم في حال الاضطرار والوقوع تحت الإكراه وخوف الضرر الشديد، وقد ذكرها الله سبحانه تعالى وأشار إليها في أكثر من آية منها قوله سبحانه: ”لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ“. (آل عمران: 29). وتفيد جواز أن يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ظاهرا في حال التقية.
وقوله سبحانه: ”مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ“. (النحل: 106). وتفيد جواز أن يُظهر المؤمن الكفر بالله تعالى في حال الإكراه أي التقية.
وقوله سبحانه: ”وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ“. (غافر: 29) وتفيد جواز أن يكتم المؤمن إيمانه ولا يظهره خوفا من طاغٍ كفرعون مثلا.
وقد استعمل التقية أنبياء الله (صلوات الله عليهم) في موارد عديدة، كما في قصّة إبراهيم وقصة يوسف عليهما السلام.
كما استعمل التقية الأئمة الأطهار من آل محمد (صلوات الله عليهم) في موارد عديدة. واستعملها أيضا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهم عمّار بن ياسر (رضوان الله تعالى عليهما) وهو الذي نزلت فيه بعض الآيات السالفة كما في القصة المشهورة.
وقد أباح الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) التقية لأمّته كرخصة ترفع عنهم العسر والحرج، فقد رُوي أن ”مسيلمة الكذاب أخذ رجليْن فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال: فما تقول فيَّ؟ فقال: أنت أيضا. فخلاّه (أي أطلق سراحه). وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال: فما تقول فيَّ؟ فقال: أنا أصمّ! فأعاد عليه ثلاثا، فأعاد ذلك في جوابه، فقتله. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبرهما فقال: أما الأوّل فقد أخذ برخصة الله تعالى، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له“. (فقه السنة لسيد سابق ج3 ص473 عن مصنف ابن أبي شيبة وتفسير عبد الرزاق وتفسير القرطبي ج10 ص189 وغيرهم كثير).
وكان ابن مسعود يصرّح بجواز التقية حيث له كلمة مشهورة قال فيها: ”ما من كلام يدرأ عني سوطين من سلطان إلا كنت متكلماً به“. (المدونة الكبرى لمالك بن أنس ج3 ص29).
وقد استعمل فقهاء المخالفين ومحدّثوهم التقية في غير موطن، وكان من أولئك أبو حنيفة كما رواه الخطيب في تاريخه عن سفيان بن وكيع قال: ”جاء عمر بن حماد بن أبي حنيفة فجلس إلينا، فقال: سمعتُ أبي حماد يقول: بعث ابن أبي ليلى إلى أبي حنيفة فسأله عن القرآن؟ فقال: مخلوق. فقال: تتوب وإلاّ أقدمت عليك! قال: فتابعه فقال: القرآن كلام الله. قال: فدار به في الخلق يخبرهم أنّه قد تاب من قوله: القرآن مخلوق. فقال أبي: فقلت لأبي حنيفة: كيف صرت إلى هذا وتابعته؟ قال: يا بني خفت أن يقدم عليَّ فاعطيته التقية“! (تاريخ بغداد للخطيب ج13 ص380).
والتقية مشروعة عند مذاهب البكريين الأربعة، وقد صرّح فقهاؤها بذلك في غير مورد. قال السرخسي: ”وعن الحسن البصري رحمه الله التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة، إلا أنه كان لا يجعل في القتل تقية، وبه نأخذ، والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما أظهره وإن كان يضمر خلافه، وقد كان بعض الناس يأبى ذلك ويقول أنه من النفاق، والصحيح أن ذلك جائز لقوله تعالى: إلا أن تتقوا منهم تقاة، وإجراء كلمة الشرك على اللسان مكرَها مع طمأنينة القلب بالإيمان من باب التقية، وقد بيّنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص فيه لعمّار بن ياسر رضي الله عنه“. (المبسوط للسرخسي ج24 ص45).
والتقية على كل حال هي أمر فطري وحكم شرعي أجمعت الأمة على جوازه، قال مرتضى اليماني: ”مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن واجماع أهل الاِسلام“. (محاسن التأويل لجمال الدين القاسمي عن مرتضى اليماني ج4 ص82).
إلا أن المخالفين وأعداء أهل البيت (عليهم السلام) يشنّعون على الشيعة عملهم بالتقية، ويوهمون السذج من الناس أن التقية عند الشيعة تعادل النفاق والكذب! وهذا من أكذب الكذب! فإن التقية عند الشيعة هي نفسها عند غيرهم، لا يلجأون إليها إلا لحفظ أنفسهم وأرواحهم وأعراضهم من سلاطين الجور وأوباش الباطل، فيلجأون إليها اضطرارا، وهي في الميزان الفقهي عندهم حكم ثانوي لا أوّلي، ورخصة لا عزيمة.
نعم ربما كان الشيعة أكثر عملا برخصة التقية من غيرهم طوال القرون السابقة بسبب أنهم كانوا الأكثر تعرّضا للاضطهاد والجور، حيث تكالبت الحكومات الظالمة على ظلمهم وقتلهم وإفنائهم، حتى اضطر الشيعي لدرء المجازر عن نفسه وعن أهله وعياله لأن يصلي مع المخالفين في مساجدهم ويعمل بمقتضى مذاهبهم ويكتم إيمانه لئلا يُعرف انتماؤه لمدرسة أهل البيت الأطهار عليهم الصلاة والسلام. أما اليوم فبحمد الله تعالى ارتفعت التقية ولم يعد يعمل بها أحد إلا نادرا.
وفقكم الله وإيانا لاتباع سبيله والفوز برضاه. والسلام.

الثالث من ذي القعدة لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp