بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سماحة الشيخ الفاضل المجاهد ياسر الحبيب حفظه الله وسدد خطاه وجعله ممن ينشر فضائل ومناقب محمد وآله الطيبين الطاهرين ويفضح أعدائهم ومخالفيهم ممن أنكروا فضائلهم وجحدوا مناقبهم ويكون ممن رزقه الله طلب الثأر ممن ظلمهم وغصب حقهم صلوات الله عليهم أجمعين بحق محمد وآله الطاهرين ،
سماحة الشيخ لدينا أسئلة عن بعض المعاني والمفاهيم والتفسيرات المرتبطة بالعصمة وعن مدى توافقها مع الظواهر القرآنية بالخصوص وظواهر الرويات الشريفة عموما وعن مدى حاجتها إلى التأويل إن لم تكن تلك المعاني متطابقة مع الظهور القرآني ونود من سماحة الشيخ حفظه الله وأيده بلطفه الواسع أن يتلطف ويتفضل علينا من معين علمه ويجيب على الأسئلة التالية بكرمه وجوده وحلمه ونسأل الله سبحانه أن يجعل ذلك كله في ميزان حسناته.
معنى الذنب الصغير الموهوب نسبة للأنبياء
س1: جاء في رواية علي بن محمد بن الجهم في مجلس المأمون عليه لعنة الله ما مضمونه أن معصية آدم كان من الذنوب الصغائر الموهوبة ، فما معنى الذنب الصغير الموهوب ، وهل يصح تعريف الذنب هنا بالذنب اللغوي وهو الأثر الذي يتبع الفعل فلا يفارقه ولا يشترط أن يكون الأثر هو السيئة التي تقابل الحسنة بل نفس الهبوط من الجنة الدنيوية هو أثر يتبع الأكل من الشجرة، والموهوب هو الشيء المعطى بلا مقابل ولا عوض والعوض هنا هو السيئة، ما مدى صحة التعريف والتوجيه المذكور مع الظواهر القرآنية وأصول المعتقد ؟
معنى معصية الأنبياء
س2:هل التوجيه التالي لمعنى المعصية المنسوب إلى الأنبياء يخالف ظاهر الآيات الكريمة والروايات الشريفة بأن المعصية هي مطلق مخالفة الأمر سواء أكان واجبا أو مستحبا أو مكروها أو حراما فأي مخالفة لأي أمر هي معصية وعليه إذا وقع تزاحم بين أمرين كأداء فريضة الصلاة أو انقاذ المؤمن والنفس المحترمة يكون تنفيذ أحد الأمرين معصية ومخالفة للأمر الآخر بالطبع والمطلوب المعلوم هو تقديم الأهم على المهم عند التزاحم ، وفي هذه الحالة لا تعتبر المعصية تمردا على الله سبحانه وتعالى ، وهل مثل هذا التوجيه يعتبر تأويلا وخروجا عن الظاهر القرآني؟
الغي بالنسبة للأنبياء
س3:هل الغي المذكور في الآية الشريفة :”وعصى آدم ربه فغوى" معناه هو عدم إصابة الواقع وهو معنى غير الضلال والذي يعني الانحراف عن الحق ، ومعنى الغي هنا غير مشكل على الأنبياء عموما لأنهم يعملون حسب الظاهر وليس حسب الواقع مباشرة ، كما ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما مضمونه أن معاشر الأنبياء لم يؤمروا بشق البطون أو تنقيب القلوب إنما أمروا بالظاهر ، وهل هذا المعنى للغي يخالف الظهور القرآني في الآيات الشريفة ؟
توبة الأنبياء
س4:هل التوجيه التالي للتوبة المرتبطة بالأنبياء يعارض ظاهر الآيات القرآنية الكريمة والروايات الشريفة المعتبرة المروية عن أئمتنا أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بأن التوبة بالنسبة للأنبياء هي مطلق الرجوع إلى الله وليس كل رجوع إلى الله يكون عن ذنب بالاصطلاح ، وجاء في الآية الشريفة :”إنا لله وإنا إليه راجعون" ، وهل الظاهر القرآني وحده يتعارض مع هذا المعنى وهل هو كاف في إثباته في حالة الموافقة ؟
الظلم المنسوب للأنبياء
س5:هل المعنى الظلم هو الانقاص في الحق وأداءه ، وهو دائم في حق الله سبحانه حيث يستحيل عقلا أداء حق الله سبحانه وتعالى ، كأداء حق الشكر مثلا فكل شكر يحتاج إلى شكر آخر وهكذا إلى مالا نهاية مما يعني استحالة أداء حق نعمة واحدة لله سبحانه وتعالى ، والنقص و العجز والقصور من طبيعة الممكنات جميعا ، وعندما ينسب الأنبياء الظلم لأنفسهم فإن ذلك يعد اعترافا واعتذارا عن النقص الإمكاني وطلبا لسد النقص بالرحمة الإلهية ، وهل يوافق الكلام السابق الظهورات القرآنية وإن يكان يخالفها فإلى أي مدى يصل هذا الاختلاف ؟
استغفار الأنبياء
س6:هل المعاني التالية لاستغفار الأنبياء تعد من ظاهر الآيات الكريمة والروايات المعتبرة الشريفة حيث من الممكن أن تأتي المغفرة بمعنى طلب الستر والوقاية مما يعده الغير ذنبا ، والاعتذار عن النقص الإمكاني ، أو من باب التعليم للغير ، أو بمعنى الاعتذار عن الامتداد الوجودي إن صح التعبير مثل أن يعتذر الوزير إلى مولاه إذا قصر وأخطأ أحد الموظفين من دون تقصير من الوزير نفسه ، وما شابه ذلك من المعاني اجمالا ، وهل الظهور في النصوص القرآنية وحدها كفيل في بيان هذه المعاني للعصمة؟
نسيان الأنبياء
س7:هل المعنى التالي للنسيان المنسوب للأنبياء به أي إشكال أو خروج عن ظواهر النصوص الشريفة الصادرة من المعصومين عليهم السلام بأن النسيان بالنسبة للأنبياء والمعصومين يأتي بمعنى الترك وليس بمعنى السهو وعدم التذكر وما شاكله من المعاني ، والترك منهم يكون لأسباب تزاحمية اضطرت أو جعلت المعصوم يختار الترك على الإتيان بالفعل ، وهل يؤيد الظاهر القرآني هذا المعنى للنسيان؟
س8:هل توجيه معنى العزم في قوله تعالى :”ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما" بمعنى لم نجد له عزما على العصيان والتمرد على الذات الإلهية المقدسة في العهد الذي يتمثل في عدم الأكل من الشجرة يعتبر خروجا عن ظاهر الآية الشريفة ؟
س9:هل النهي الوارد في الآية الكريمة من قوله تعالى :”...ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم" هو نوع مواساة وتعزية للرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوجود حالة خاصة لديه ولدى الأنبياء عموما تتمثل في الشفقة والحرص والحزن والأسف على أقوامهم والخوف عليهم وعلى الدين وحب الهداية لأقوامهم جميعا والغضب في حال تعريض أنفسهم للعذاب الإلهي فقد قال سبحانه وتعالى عن رسوله الكريم :”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وقال عز وجل عنه روحي فداه عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " وقال عز من قال أيضا :”فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا في هذا الحديث أسفا" وكذلك بكاء سيد شباب الإمام الحسين صلوات الله عليه على الذين سيدخلون النار بسببه كما معروف عن مجريات عاشوراء وكذلك حالة الغم التي أصابت نوح عليه السلام بعد الطوفان على ما تذكره بعض الأخبار إن صحت وقد تكلم الله سبحانه عن خوف نوح على قومه من العذاب على لسان نوح عليه السلام فقال :” لقد ارسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم" وإنما دعا نوح على قومه بعدما أوحى اليه أنه لن يؤمن من قومك الا من قد امن ، فليس كظم يونس عليه السلام وحزنه لكون الله عز وجل قد وضعه في بطن الحوت والله العالم إنما هو بسبب أفعال قومه على ما يبدو أو حزنه عليهم أو كلا الأمرين معا، إلى أي مدى تبلغ صحة الأقوال السابقة ، وكيف يمكن معرفة أن الخطاب الإلهي هو خطاب مواساة وتعزية وتسلية للمعصوم وبيان لحالة المعصوم من خلال هذا النوع من الخطاب أم هو خطاب أمر ونهي وغيره من سائر الخطابات؟
وفقنا الله وإياكم للخيرات جميعا وجنبنا المعاصي ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبيين الطاهرين .
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالحسين الشهيد وأهل بيته وأصحابه صلوات الله عليهم ولعن الله قاتليهم، جعلنا الله وإياكم ممن يأخذ بالثأر مع خاتم الأئمة الأبرار مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف.
ج1: هذا التوجيه مُستبعد، لا لأنه مخالف للأصول، بل لأن النص بذاته نستبعد صدوره عن الرضا (صلوات الله عليه) بهذا اللفظ، فيكون حمله على هذا المحمل سالبة بانتفاء الموضوع، على أننا حتى لو ثبّتناه لما سلم هذا المحمل من الخدش، لما هو مقرّر عندنا من أن الإمام إذا كان في مقام البيان والشرح لما أُشكل فهمه؛ فإنه لا يستخدم من الألفاظ ما يحتاج بدوره إلى شرح وتأويل، فهذا خلاف الحكمة إذ لا يتحقق غرض الإفهام، وهو نقص يجب تنزّه الإمام عنه. وإذ ذاك ترجع لابديّة حمل النص على ظاهره، فيرجع محذور مخالفة معناه للأصول.
أما سبب الاستبعاد؛ فلأن ما بحوزتنا روايتان؛ الأولى عن أبي الصلت الهروي (رحمه الله) والثانية عن علي بن محمد بن الجهم، وهما تشتركان في البحث والمبحوث عنه والزمان والمكان، وإن اختلفتا في المُباحِث المعترض هل هو المأمون أم علي بن الجهم لعنهما الله؟ ففي الأولى أن المباحث كان علي بن الجهم بعدما أفحم الرضا (عليه السلام) من سبقه من رؤساء الأديان والمذاهب، وفي الثانية أن المباحث كان المأمون ابتداءً فيما كان الرواي علي بن الجهم.
والذي نراه أن الروايتيْن تصفان حادثة واحدة ومجلسا واحدا، هو مجلس المأمون، وأن المباحث كان علي بن الجهم لا المأمون، وأن ابن الجهم بغرض الفرار من فضيحة انكساره حدّث عما جرى بعد ذلك ونسب الاعتراض على عصمة الأنبياء (عليهم السلام) إلى المأمون آخذا دور الرواي فقط! والحال أنه هو صاحب الاعتراض والمذهب الخبيث في ذلك. ولا يقبل الوجدان أن يجيب الإمام (عليه السلام) على اعتراضات ابن الجهم في حضور المأمون، ثم في مجلس آخر يعترض المأمون بنفس تلك الاعتراضات فيجيبه الإمام ثانية في حضور ابن الجهم! لمَ هذا التكرار؟ ولمَ سكت المأمون في المجلس الأول وكان المعترض هو ابن الجهم فيما سكت ابن الجهم في المجلس الثاني وكان المعترض هو المأمون؟! إن هذا يؤكد أنه لم يكن هناك مجلسان وإنما مجلس واحد قد وصلتنا روايتان عنه، غير أن الثانية التي يرويها ابن الجهم قام بتحريفها لئلا ينسب العجز والانكسار إلى نفسه، فقلب الأدوار وخلط في الألفاظ، وذلك ليس ببعيد عنه وهو اللعين المعروف بنصبه وعداوته لأهل البيت (عليهم السلام) حتى أنه كان يلعن أباه لأنه قد سمّاه عليا!
وعلى أي تقدير فإن الرواية التي يرويها أبو الصلت هي الأوثق والأصح، لمكانه في الوثاقة ومحلّه في الاعتبار، وفيها لا نجد شيئا عن ”الصغائر الموهوبة“، بل نجد فيها قوله عليه السلام: ”وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عز وجل“.
وهذا التعبير منه (صلوات الله عليه) هو من جملة ما نستدل به على أن الأنبياء (عليهم السلام) معصومون حتى من ترك الأولى، ومن مخالفة الأمر الإرشادي، وأن ما صدر من آدم (عليه السلام) كان اضطرارا من باب المزاحمة، أي لا سبيل له سوى الإقدام على الأكل من الشجرة، وذلك ”لتتم مقادير أمر الله عز وجل“. وبعبارة أخرى؛ إن الله تعالى حصر الطريق أمام آدم للإقدام على هذا الفعل، لا على نحو الجبر، وكان آدم (عليه السلام) عالما بالأثر المترتّب على هذا الفعل، مدركا أن الله تعالى جعل تلك المرحلة دورا تصويريا تعليميا للبشر، وسببا موجبا لبدء مرحلة البلاء والامتحان على الأرض، فأكل آدم من الشجرة عامدا عالما، ولم يكن ذلك الفعل منه حراما أو مكروها أو حتى خلافا للأولى والأرجح.
وأما التعبير في القرآن الحكيم بأنه عصى ربّه، فالعصيان هنا من باب المجاز لتبدّل الواقع، فلو أن هذا الفعل قد جرى في الدنيا أي على الأرض لكان عصيانا، أما هناك فلا، حيث كان الواقع التكليفي مغايرا، وإلى هذا تشير الرواية نفسها عن الرضا صلوات الله عليه، حيث قال: ”فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده، لم يخلقه للجنة“.
وإن في القرآن الحكيم آيات عديدة يُفهم منها أن إقدام الأنبياء (عليهم السلام) على ما ظاهره مستوجب للعتاب الربّاني؛ إنما كان من مقادير أمر الله تعالى، وأنهم عالمون بذلك ولا يخلّ إقدامهم بعصمتهم. نظير إذن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) للمنافقين بالتخلف عن تبوك حيث نزل ما ظاهره العتاب له، ثم بيّنت الآيات أن الله تعالى كره بالأصل انبعاثهم وثبّطهم وأقعدهم مع القاعدين. وفي السيرة روايات عديدة توحي بهذا المعنى أيضا في قصص كثيرة عن الأنبياء صلوات الله عليهم.
وعلى ما تقدّم فإنه لا حاجة لتأويل معنى الذنوب الصغائر الموهوبة، لاستبعاد صدور هذا التعبير من الإمام المعصوم (عليه السلام) لكونه في مقام البيان والشرح لما أُشكل، ولخلو الرواية الأصح منه.
ولا يُفهمنَّ كلامنا على أننا نسقط رواية علي بن الجهم من رأس، بل نقول أن ما فيها مما يخالف الأصول ويُستبعد صدوره عن الحكيم ولا نظير له باللفظ في رواية أبي الصلت؛ هذا ينبغي عدم الأخذ به فقط، وإلا فإن في الرواية كثيرا من الفوائد سيّما وأنها أطول من سابقتها مع أن المجلس متحد كما مرّ عليك، وذلك طبيعي لاختلاف الراوي. نعم إن تنقية رواية ابن الجهم من الخلط الذي أحدثه فيها هو ما ينبغي الالتفات إليه، ثم ذاك الذي نستبعده منها لا نحكم بأنه لم يصدر عن المعصوم قطعا، بل نردّه لأهله (عليهم السلام) كما أُمرنا، فأنت عارف بموقفنا ومسلكنا في الاحتياط.
ج2: يمكن الأخذ بهذا التوجيه لولا أن المعصية لم تُنسب بلفظها الصريح إلا إلى آدم (عليه السلام) فقط، وقد بيّنا معناها وهو تبدّل الواقع التكليفي. وقد ذكرنا في دروس التفسير أنه (عليه السلام) لم يخالف أمرا من الله تعالى، فإن الأمر كان أن لا يقرب شجرة بعينها، وهو (عليه السلام) قد أكل من شجرة أخرى من جنسها، وما ترتّب على ذلك كان أثرا تكوينيا لتتم مقادير الله عز وجل، لا أنه عقاب.
وعليه؛ فمن الأوجه والأحفظ لمقام الأنبياء (صلوات الله عليهم) أن لا تُنسب إلى آدم (عليه السلام) مخالفة أمر، حتى من باب الاضطرار والمزاحمة.
ج3: الغي هنا بمعنى الخيبة، والخيبة تمثلت في الخروج من الجنة والهبوط إلى الأرض، فهي أثر تكويني فحسب، ولا شأن لإصابة الواقع أو عدمه فيه.
ج4: يبقى في هذا التوجيه تساؤل عن أن الرجوع هو عن ماذا؟ فإن الرجوع يلازم الابتعاد قبله، وفي إثباته بالنسبة إليهم (عليهم السلام) محاذير أيا كان نوع الابتعاد. ثم إن معنى الرجوع في قوله سبحانه: ”إنا لله وإنا إليه راجعون“ هو الرجوع إليه في القيامة للحساب، فلا يصح الاستدلال به في المقام.
إنما كانت التوبة منهم على ما بيّناه في دروس الكلام، من أنهم كانوا أنوارا قبل الخلق غير منشغلين بأي عمل سوى العبادة المخصوصة كالتسبيح والتهليل، فلما أُهبطوا إلى الأرض وتشكلوا بالشكل البشري وتقيّدوا بالأعمال الأخرى على ما تقتضيه الطبيعة البشرية من مأكل ومشرب ومخالطة للناس؛ ما كان باستطاعتهم التفرغ التام للعبادة المخصوصة كما كان حالهم في عالم الأنوار، فمن هنا تحسّروا على أنفسهم وطلبوا التوبة من الله تعالى تواضعا وأسفا على انشغالهم في غير تلك العبادة المخصوصة، مع أنهم مأمورون بما هم منشغلون به، وهو إذ ذاك عبادة أيضا.
وقد ورد عن الصادق عليه السلام: ”كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوب إلى الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة“ (الكافي ج2 ص438).
ويُستفاد من بعض الأخبار أن توبته (صلى الله عليه وآله) كانت من باب تحميله ذنوب شيعته فهو يطلب التوبة لهم، فقد سُئل الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى: ”لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ“ فقال: ”واللّه ما كان له ذنب، ولكن الله سبحانه ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة علي عليه السلام ما تقدّم من ذنبهم وما تأخّر“. (البحار ج17 ص76).
كما ويُستفاد من بعض الأخبار أن التوبة هي بنفسها عبادة مطلوبة، فقد ورد عن أم سلمة عليها السلام: ”كان رسول الله صلى الله عليه وآله بآخره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فسألناه عن ذلك فقال: إني أُمرت بها، ثم قرأ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ“. (البحار ج21 ص100). ومحل الطلب هو قوله تعالى: ”فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا“.
ج5: صحيح هذا، وكل ظاهر للقرآن يستلزم الإخلال بالعصمة المطلقة للأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ينبغي حمله عليه من باب التأويل، وردّ المتشابه إلى المحكم، والمحكم هو أنهم معصومون بدلالة آيات الاصطفاء وعدم نفاذ سلطان الشيطان على المخلصين والتطهير عن الرجس وإلى ما هنالك.
ج6: قد تبيّنت لك المعاني من جواب السؤال الرابع، وما هو مستفاد من الآثار أقرب دائما.
ج7: هذا صحيح وهو الأوجه، وتؤيده رواية العياشي (عليه الرحمة) عن بعض أصحابنا عن أحدهما صلوات الله عليهما: ”سألته كيف أخذ الله آدم بالنسيان؟ فقال: إنه لم ينسَ وكيف ينسى وهو يذكّره ويقول له إبليس: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ“. (تفسير العياشي ج2 ص10). كما تؤيده رواية الكليني (عليه الرحمة) عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: ”وهو قوله عز وجل: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسيَ وَلَمْ نجِدْ لَهُ عَزْماً، إنما هو: فترك“. (الكافي ج2 ص8). والكلام في الظهور القرآني كسابقه.
ج8: إني متوقف في هذه المسألة لعدم وصولي حتى الآن إلى ما تركن النفس إليه من معنى عدم العزم بما لا ينسب إلى المعصوم ما يخل بعصمته. على أن التوجيه المذكور ليس ببعيد ولعله غير خارج عن الظاهر، إلا أنه يصطدم بما ورد في الأخبار من صراحة عدم عزمه على الإقرار بالخمسة أصحاب الكساء والمهدي عليهم السلام. رفع الله عنّا الحيرة في هذه وغيرها بظهوره قريبا صلوات الله عليه.
ج9: غير بعيد هذا، ويتبيّن الفرق بين خطاب وخطاب بمراجعة الآثار الواردة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) في تفسير الآيات وأسباب نزولها، وبمراجعة كليّات ما ورد عن حالات الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وتطبيق الآيات المطلوب تفسيرها أو تأويلها عليها.
رزقنا الله وإياكم نورا وبصرا وفهما وعلما. والسلام.
ليلة الثالث من محرم الحرام لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.