اللهم صلي على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين
اريد ان توضح لي يا سماحة الشيخ الحبيب
ما هو عالم البرزخ
ومتى يكون والعوالم الذي تسبقه وبعده
نتمنى الرد العاجل لضرورية السؤال
صلووا على محمد وآل محمد
زينب
باسمه تقدست أسماؤه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عالم البرزخ هو ما يلي عالم الدنيا ويسبق عالم الآخرة، أي هو المرحلة الفاصلة بين موت الإنسان في الدنيا وبعثه في القيامة، وإلى ذلك يشير الله تبارك وتعالى بقوله: ”وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ“. (المؤمنون: 101).
وفي أوائل ولوج الإنسان إلى هذا العالم فإنه يُساءَل عن اعتقاداته وأعماله، وإلى ذلك أشارت الروايات الشريفة، ومنها ما عن الصادق صلوات الله عليه: ”يُسأل الميت في قبره عن خمس؛ عن صلاته وزكاته وحجه وصيامه وولايته إيانا أهل البيت، فتقول الولاية عن جانب القبر للأربع: ما دخل فيكن من نقص فعليَّ تمامه“. (الكافي للكليني ج3 ص241).
ومنها ما عن زين العابدين (صلوات الله عليه) في موعظته التي كان يكرّرها على الناس في كل جمعة بالمسجد النبوي الشريف: ”يابن آدم! إن أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ويوشك أن يدركك! وكأن قد أوفيت أجلك وقبض المَلَك روحك وصرت إلى قبرك وحيدا، فرُدَّ إليك فيه روحك واقتحم عليك فيه ملكان، ناكر ونكير، لمساءلتك وشديد امتحانك، ألا وإنّ أول ما يسألانك: عن ربّك الذي كنت تعبده، وعن نبيّك الذي أُرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولاه، ثم عن عمرك في ما كنت أفنيته، ومالك من أين اكتسبته وفي ما أنت أنفقته، فخذ حذرك وانظر لنفسك، وأعدَّ الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار، فإن تكُ مؤمنا عارفا بدينك متبعا للصادقين مواليا لأولياء الله؛ لقّاك الله حجّتك وأنطق لسانك بالصواب، وأُحسنت الجواب، وبُشِّرت بالرضوان والجنة من الله، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان. وإن لم تكن كذلك؛ تلجلج لسانك ودُحِضت حجتك وعُييت عن الجواب وبُشِّرت بالنار واستقبلتك ملائكة العذاب بنُزل من حميم وتصلية جحيم“! (الكافي للكليني ج8 ص73).
ومنه تعرفين أن الروح تعود إلى بدن الميت حين المساءلة في القبر، أي في أولى مراحل عالم البرزخ، وأن المساءلة تتمحور حول هذه المحاور المذكورة في الموعظة الشريفة.
ثم إن كل إنسان في البرزخ يتلاءم وضعه مع ما صنع في الدنيا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ومن هنا كان قبره إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. وإلى ذلك أشار أئمتنا صلوات الله عليهم.
غير أنه ينبغي أن تعلمي أن ما يناله الإنسان الصالح في برزخه من النعيم أو ما يلاقيه الإنسان الطالح في برزخه من العذاب؛ لا يدانيان نعيم وعذاب الآخرة، بل إنهما ليسا بشيء بالقياس إليهما. ومع ذلك فإن أدنى وأقل عذاب يمكن أن يلاقيه الإنسان في البرزخ يفوق كل عذابات الدنيا مجتمعة مضاعَفة إلى ملايين المرّات! ومن هنا كان أئمتنا (صلوات الله عليهم) يحذروننا من عذاب البرزخ، ويتخوّفونه علينا أكثر من عذاب الآخرة الأبدي، ذلك لأن الأئمة (عليهم السلام) سيتولون أمر الشفاعة لنا في القيامة عندما يصير الأمر إليهم فيدرأون عنا العذاب بإذن الله تعالى، أما في البرزخ فإن من الممكن أن يتعذّب الإنسان حتى ولو كان مواليا لآل محمد عليهم السلام، إذا كان مذنبا عاصيا والعياذ بالله.
قال إمامنا الصادق صلوات الله عليه: ”والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ، فأما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم“. (تفسير علي بن إبراهيم القمي رضوان الله تعالى عليه ج2 ص94).
والفائدة من عالم البرزخ؛ أن للإنسان فيه فرصة لتعديل وضعه قبل انتقاله إلى عالم الآخرة، إلا أن ذلك يعتمد على أقاربه وأصدقائه في الدنيا، فإذا عملوا له بعض الخيرات والمبرّات فإنها تصل إليه وتساعده على تعديل وضعه والتخلص من العذاب إن كان معذّبا أو رفع المقام ونيل مزيد من الثواب إن كان منعَّما. وكذلك لو كان هذا الإنسان في الدنيا قد صنع صدقة جارية ثم مات، فإنه ومع مرور الوقت تصبّ في صالحه فتعدِّل وضعه في البرزخ أو تغيّره، لأنها تضيف له الحسنات يوما بعد يوم.
وما يسبق عالم البرزخ هو عالمنا هذا، أي عالم الدنيا، المسبوق بدوره بعالم الذر وعالم الأظلة، وما بعده - أي بعد البرزخ - هو عالم القيامة والآخرة، ولعلّهما عالَمان أيضا، والله العالم.
وفقنا الله وإياكم لحسن العاقبة والفوز بالرضوان. والسلام.
ليلة السادس عشر من ربيع الأول لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.