اتمنى منكم الرد على سؤالي باسرع وقت اذا تكرمتم- كيف تقولون ان ابو طالب مات على الايمان بينما الروايات الثقة عندنا تؤكد انه مات كافرا وان النبي سيشفع له يوم القيامة لتخفيف عذاب جهنم عنه وتوضع جرتان تحت قدميه يغلي منهما دماغه - ماهو ردكم وشكرا
عادل
باسمه جلت أسماؤه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسعد الله أيام المؤمنين بذكرى ميلاد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وبذكرى ميلاد حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق مُظهر الحقائق صلوات الله وسلامه عليهما.
نحن الشيعة إنما نأخذ بروايات أئمتنا الأطهار من آل محمد (صلوات الله عليهم) ولا شأن لنا بروايات غيرهم الموضوعة الباطلة.
وقد صحّ عن أئمتنا (عليهم السلام) أنهم قد حكموا بإيمان مولانا أبي طالب (عليه السلام) وردّوا على أهل الإفك والافتراء من البكريين والأمويين الذين بلغ بهم الحقد على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مبلغ أن يطعنوا في إيمان والده وينفوا إسلامه!
فقد رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال ليونس: ”يا يونس؛ ما يقول الناس في أبي طالب؟ قلت: جُعلت فداك، هو في ضحضاح من نار وفي رجليه نعلان من نار تغلي منها أم رأسه! فقال عليه السلام: كذب أعداء الله! إن أبا طالب من رفقاء النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا“. (مستدرك سفينة البحار للنمازي ج6 ص558).
ورُوي عن أبي بصير قال: ”قلت لأبي جعفر عليه السلام: سيدي إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه! فقال عليه السلام: كذبوا والله! إن إيمان أبي طالب لو وُضع في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم“. (الحجة على الذاهب للسيد الحجة فخار بن معد ص85 عن طريق شيخ الطائفة الصدوق عليه الرحمة).
ورُوي عن عبد العظيم بن عبد الله العلوي (عليه السلام) أنه كان مريضا فكتب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) يقول: ”عرّفني يابن رسول الله عن الخبر المروي: أن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟ فكتب إليه الرضا عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنك إنْ شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار“! (مستدرك سفينة البحار للنمازي ج6 ص558).
إلى غيرها من الروايات الشريفة الواردة عن أهل بيت النبوة والطهارة (عليهم السلام) التي تؤكد أن أبا طالب (عليه السلام) كان مؤمنا عظيم القدر، إلا أنه كان يكتم إيمانه كما كتم أصحاب الكهف (عليهم السلام) إيمانهم. فقد رُوي عن عبد الرحمن بن كثير قال: ”قلت لأبي عبد الله (الصادق) عليه السلام: إن الناس يزعمون أن أبا طلب في ضحضاح من نار! فقال: كذبوا! ما بهذا نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قلت: وبما نزل؟ قال: أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين، وإن أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة. ثم قال: كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرائيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب“؟! (بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج35 ص72).
والمخالفون اعترفوا بأن أهل بيت النبوة (عليهم السلام) قد حكموا بإيمان أبي طالب عليه السلام، فهاهو ابن الأثير يقول: ”وأهل البيت يزعمون أن أبا طالب مات مسلما“. (جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير ج12 ص109).
وهم يروون أيضا بعض الروايات التي تذكر أن أبا طالب (عليه السلام) قد أسلم في نهاية الأمر، مع أننا لا نلتزم بهذه الروايات لأن أبا طالب (عليه السلام) كما أبلغنا أئمتنا (عليهم السلام) كان مؤمنا منذ البداية ولم يُشرك بالله طرفة عين، غير أننا نذكر هذه الروايات من باب إلزام المخالفين بما يروونه. فمن تلك الروايات ما رواه أبو الفداء عن ابن عباس: ”ولما اشتد مرضه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمّ، قلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة - يعني الشهادة - فقال له أبو طالب: يابن أخي لولا مخافة السُبَّة وأن تظن قريش إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها. فلمّا تقارب من أبي طالب الموت جعل يحرّك شفتيه، فأصغى إليه العباس بأذنه وقال: والله يا أخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداك يا عمّ“. (تاريخ أبي الفداء ج1 ص179).
وقد روى المخالفون كثيرا من الروايات والأحاديث التي تثبت إسلام أبي طالب عليه السلام، منها بكاء الرسول (صلى الله عليه وآله) عليه ودعاؤه له بالرحمة والمغفرة، وهو ما رواه ابن سعد والواقدي وابن عساكر والبيهقي والحلبي وغيرهم عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال: ”أخبرت رسول الله صلى لله عليه وآله وسلم بموت أبي طالب، فبكى ثم قال: اذهب فاغسله وكفِّنه وواره، غفر الله له ورحمه“. (طبقات ابن سعد ج1 ص105 وتاريخ دمشق لابن عساكر ج66 ص336 ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص348 والسيرة النبوية للحلبي ج1 ص373 وغيرها كثير).
إلا أن المخالفين لم يعجبهم أن يقوم النبي (صلى الله عليه وآله) بالبكاء على عمّه وناصره أبي طالب (عليه السلام) والأمر بغسله وتكفينه والترحّم عليه لأن ذلك يثبت إسلامه؛ فزادوا في الرواية أن الله تعالى عاتب نبيّه على ذلك ووبّخه بأنه ما كان له أن يستغفر للمشركين!
ولو صحّ ما ذكره المخالفون؛ فهلاّ أخبرونا كيف يستمرّ النبي (صلى الله عليه وآله) بالحزن على عمّه في ذلك العام حتى سمّى ذلك العام بعام الحزن لاتفاق وفاته ووفاة زوجته المخلصة أم المؤمنين خديجة عليها السلام؟! فقد قال ابن منظور عن عام الحزن: ”العام الذي ماتت فيه خديجة رضي الله عنها وأبو طالب، فسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن“. (لسان العرب ج13 ص112).
فإذا كان الله تعالى قد نهى نبيّه (صلى الله عليه وآله) عن الحزن على المشركين والاستغفار لهم والترحم عليهم، وأنه قد أكد ذلك في خصوص أبي طالب (عليه السلام) كما يزعم أهل الإفك؛ فكيف استمرّ النبي (صلى الله عليه وآله) بالحزن على عمّه ذلك العام؟! وقد سمّاه بعام الحزن؟! ولماذا لم ينهَ عن هذه التسمية في ما بعد لأن الله نهاه عن هذا الحزن؟! أو لماذا لم يبيّن أن الحزن يتعلق بوفاة خديجة (عليه السلام) فحسب؟!
إن هذا يثبت أن أبا طالب (عليه السلام) كان مسلما مؤمنا، وأن ما زادوه في الرواية كان باطلا غرضه التشبّث بالأكذوبة الأموية البغيضة في أن أبا طالب كان كافرا مشركا والعياذ بالله!
ولو أن أبا طالب (عليه السلام) كان مشركا حقاً، فكيف أبقى النبي (صلى الله عليه وآله) زوجته المؤمنة فاطمة بنت أسد (سلام الله عليها) تحته؟! فإن من المعلوم أنه لا يجوز إبقاء المسلمة تحت الكافر، والإجماع قائم على أن فاطمة بنت أسد ظلت تحت أبي طالب حتى وفاته في السنة العاشرة من البعثة، وهذا يكفي في إثبات أنه كان مسلما وإلا لما أجاز النبي (صلى الله عليه وآله) بقاءها تحته.
ثم إن المنصف لو طالع في التاريخ والسيرة فإنه سيلحظ أن أبا طالب (عليه السلام) كان مؤمنا بلا شك ولا ريب، فلا أدلّ من مواقفه العظيمة في نصرة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) وتحمّله التضحيات في هذا السبيل حتى كان ناصره وحاميه ولما توفي اضطر النبي (صلى الله عليه وآله) للهجرة من مكة المكرمة لأنه لم يعد له فيها ناصرٌ من أشراف القوم ووجهائهم.
والمخالفون يتعمّدون تجاهل التصريحات الكثيرة التي وردت في أشعار أبي طالب (عليه السلام) التي تثبت إيمانه، ومنها ما رواه الحاكم النيسابوري عن ابن اسحاق قال: ”قال أبو طالب أبياتا للنجاشي يحضهم على حسن جوارهم والدفع عنهم:
ليعلم خيار الناس أن محمدا وزيرا لموسى والمسيح ابن مريم
أتانا بهدى مثل ما أتيا به فكلٌّ بأمر الله يهدي ويعصم
وإنكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث المبرجم
وإنك ما تأتيك منها عصابة بفضلك إلا أرجعوا بالتكرم“.
(مستدرك الحاكم ج2 ص623).
ودونك ديوان أبي طالب (عليه السلام) المطبوع، الذي تواتر نقله في المصادر المعتبرة عند جميع الفرق، اذهب وطالعه لترى عشرات الأبيات التي تصرّح بإيمان هذا الرجل العظيم، بطل الإسلام الخالد، ومنها قوله:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
وهل هناك أدل من هذين البيتين اللذين يرويهما البخاري وغيره على اعتقاد أبي طالب (عليه السلام) بالإسلام ونبوة محمد المصطفى صلى الله عليه وآله؟!
إنه يقول:
”لقد أكرم الله النبي محمدا فأكرم خلق الله في الناس أحمد
وشق له من اسمه ليُجلّه فذو العرش محمود وهذا محمد“.
(أخرجه البخاري في التاريخ الصغير ج1 ص38 وابن عساكر في تاريخه ج3 ص32 وأبو نعيم في دلائل النبوة ج1 ص44 وأحمد بن حنبل في العلل ج1 ص454 وغيرهم كثير).
وفقنا الله وإياكم لاتباع الحق. والسلام.
ليلة السابع عشر من ربيع الأول لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.